الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ذكرى عيد الجلاء

ذكرى عيد الجلاء

يذخر تاريخ مصر بالأحداث الفارقة، فاليوم تمر الذكرى الـ66، على خروج آخر جندى من جنود الاحتلال البريطانى لمصر، من القاعدة البريطانية بقناة السويس، فى 18 يونيو 1956، وتم رفع العلم المصرى لأول مرة على مبنى البحرية البريطانية نيفى هاوس فى ذلك الوقت ببورسعيد بعد استعمار استمر 73 عامًا وتسعة أشهر وسبعة أيام، بعد الحرب الإنجليزية المصرية الثانية التى دارت رحاها عام 1882 بين القوات المصرية بقيادة أحمد عرابي، والقوات البريطانية والأيرلندية، وكانت الحرب الإنجليزية المصرية الأولى انتهت بهزيمة قاسية للقوات البريطانية بقيادة الجنرال فريزر فى عهد محمد على باشا الكبير  عام 1807



بدأت هذه الحرب بقصف الأسطول البريطانى الإسكندرية ثلاثة أيام فى الفترة بين (11 يوليو – 13 يوليو 1882)، واقتحمت قوات البحرية المدينة، ثم معركة كفر الدوار ومعركة القصاصين، ثم معركة التل الكبير فى 13 سبتمبر عام 1882، والتى انتهت باحتلال بريطانيا لمصر، وأصبحت قناة السويس، مقرًا لأكبر قاعدة عسكرية للاحتلال البريطاني، فى الشرق الأوسط، لنحو 73 عامًا.

شهدت هذه الحقبة عدة ثورات ومقاومة من قبل الشعب المصري، وثورة 1919 الوطنية التى قادها سعد زغلول، وتوقيع معاهدة 1936 والتى أجل تنفيذها حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتفاضة الشعب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومساعى مصر لإجلاء الاحتلال الإنجليزى عن مصر منذ أربعينيات القرن الماضي؛ إذ دخلت الحكومات المصرية المتعاقبة سلسلة من المفاوضات بهدف تعديل بنود معاهدة 1936، وإجلاء الإنجليز تمامًا عن الأراضى المصرية.

وتمثلت أولى مراحل هذا الإجلاء فى تمام الساعة الحادية عشرة صباح الإثنين 31 مارس 1947م حين رفع الملك فاروق علم مصر فوق «ثكنات قصر النيل» (بميدان التحرير الآن)، معلنًا جلاء الإنجليز عن القاهرة والإسكندرية، ثم إضراب جميع الطوائف بمن فيهم ضباط الشرطة الذين اعتصموا بنواديهم فى أكتوبر 1947 وإبريل 1948، والكفاح المسلح ضد القوات البريطانية فى قناة السويس فور رفع الأحكام العرفية بعد انتهاء حرب فلسطين، وفى مارس 1950 طلبت وزارة النحاس الدخول فى مفاوضات جديدة مع الحكومة البريطانية، واستمرت هذه المفاوضات 9 شهور، ظهر فيها تشدد الجانب البريطانى مما جعل النحاس باشا يعلن قطع المفاوضات، وإلغاء معاهدة 1936، فى 15 أكتوبر عام 1951 عندما قال كلمته الشهيرة (من أجل مصر وقعنا معاهدة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها).

نشب الصراع بين قوات الاحتلال ومصر، إثر فسخ المعاهدة، ودخلت مصر فى موجات من الفوضى العارمة «مجهولة الفاعل» فتنة طائفية إلى حرائق إلى مظاهرات إلى حظر تجوال وأحكام عرفية، بلغت الصراعات الداخلية ذروتها، وكان لموقعة الإسماعيلية فى 25 يناير، 1952 حين رفضت قوات الشرطة المصرية تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة للقوات البريطانية.

وأسفر الاشتباك عن استشهاد 56 شرطيًا مصريًا و73 جريحًا، ثم حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 دور مهم فى دفع «حركة الضباط الأحرار» بالقيام بثورة يوليو والإطاحة بالملك فاروق، وتعددت العمليات النوعية للمقاومة الشعبية ضد جنود الاحتلال الإنجليزى، بمعسكرات القناة، واستمرت أعمال الفدائيين فى منطقة القناة، وعملوا على تشديد الحصار حول القاعدة البريطانية لمنع تسرب أى مواد تموينية إليها من داخل الأراضى المصرية، وعدم السماح للمصريين بالعمل داخلها، وصاحب ذلك هجوم من جماعات فدائية منظمة على معسكرات تلك القاعدة، والعمل على تخريبها وتخريب منشآتها، وأخيرًا رضخت بريطانيا، حيث أعلن وكيل وزارة الخارجية البريطانية، أمام مجلس العموم البريطانى، فى مايو عام 1954، عن وقوع 52 «حادث اعتداء»، فى غضون ست أسابيع مما أجبر الوزير البريطانى، سلوين لويد، على إعلان قبول بريطانيا استئناف المفاوضات حول جلاء الإنجليز عن مصر. وفى يوليو 1954؛ وقع الجانبان المصرى والبريطانى «مذكرة تفاهم»، وقعها كل من جمال عبدالناصر، وأنتونى نتنغ وزير الدولة للشئون الخارجية البريطانى آنذاك، واستكملت مصر مسار التفاوض للحصول على مسعاها بإجلاء آخر جندى إنجليزى من أراضيها، وفى 19 أكتوبر 1954، وقع الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، «اتفاقية الجلاء»، مع رئيس الوزراء البريطانى، ونستون تشرشل، الذى طالما كان رافضًا لمسألة الجلاء.

وهكذا نرى أن هذه الأحداث تثبت أن مصر عصيه على أى معتد أو محتل ولكى نحافظ على حرية وطننا واستقلاله فى ظل الجمهورية الثانية وعصر النهضة الحديثة الذى نعيشه الآن، لابد من وقوف شعب مصر العظيم نسيجًا واحدًا ويدًا واحدةً خلف قيادته الحكيمة وجيشه القوى لبناء مصر الحديثة.

وهكذا مصر الأبية مهما تعرضت إلى فترات عصيبة قاسية من تاريخها العريق تعود حرة مستقلة.

وتحيا مصر.................….