الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الأوبرا وكواليس وأسرار فنية!

الأوبرا وكواليس وأسرار فنية!

لا أظن أن غالبية قراء هذه الأيام قد سمعوا باسم رجل محترم وقامة كبيرة اسمه «شكرى راغب» وهو أحد الذين تولوا مسئولية إدارة الأوبرا المصرية والتى كانت مسئولية الإشراف عليها وإدارتها حِكرًا على الأجانب منذ أن أنشأها الخديو إسماعيل عام 1869.



وعن مسيرته ومشواره فى دار الأوبرا أصدر شكرى راغب كتابه الممتع «الباب الخلفى» سنة 1958 وفيه يروى حكايات وأسرار وكواليس كانت خافية.

فى مقدمة الكتاب يقول: «إلى كل من أحب المسرح وسعى إلى الباب الخلفى ليرقب رواده وليحظى بحديث أو مشاهدة أو توقيع.. إلى كل هؤلاء وإلى غيرهم من عشاق المسرح المجهولين أهدى كتابى».

ويُضيف: الباب الخلفى تسمية غريبة حقًا ولكنى أفضلها فالباب الخلفى هو باب دخول الممثلين فى جميع مسارح العالم والباب الخلفى هو قبلة الرواد - رواد مشاهدة الروايات والاستعراضات، فكثيرًا ما رغب عشاق المسرح فى اختراقه - للوصول إلى أهل الفن، وكثيرًا ما قصده الشباب للحصول على توقيعات الممثلين والممثلات أو نجوم الرقص والغناء.

والباب الخلفى، باب له أسراره وأخباره يقصده الصحفيون للفوز بخبر، أو الحصول على مقال أو حديث، فعند الباب الخلفى تجد ضالتك وتعثر على خبرك أو مقالك!

والباب الخلفى ليس ككل الأبواب التى يسهل اختراقها كلا فهو باب محصن لا تدخله إلا إذا كنت معروفًا لدى حراسه وغفرائه، لأنك بمرورك منه أصبحت عضوًا من أعضاء الفرقة أو من هيئة إدارة المسرح، وهذا يتطلب منك علمًا بأدب المسرح وأصوله، ودراية بطرقه وأستاره كما يتطلب منك الحرص فى الحديث والانتقال بين أجزائه، إذا لولا حرصك لرآك الجمهور وهو يشاهد المسرحية بينما تخترق أستاره من جانب إلى آخر!

ويحكى الأستاذ «شكرى» راغب» هذا الموقف العجيب قائلا:

«وكم من مرة شاهدت جندى المطافى ببدلته الرسمية وخوذته النحاسية اللامعة وهو يخترق المسرح من جانب إلى آخر وسط منظر فرعونى أو من عهد الثورة الفرنسية أو من الطراز الإغريقى وهنا يتعالى هُتاف النظارة - المتفرجين - وضحكهم وتصفيقهم، بينما يتحرك صاحب الخوذة اللامعة فى اختيال وعظمة، ومدير المسرح يشد شعر رأسه ويلطم وجهه والذنب ذنب البواب الخلفى!

ويحكى شكرى راغب أول مصيبة تحدث له بسبب الباب الخلفى وكان ذلك عام 1924 عندما سمح وزير الأشغال «مرقص حنا باشا» لفرقة الأستاذ «جورج أبيض» بالتمثيل على مسرح الأوبرا فى موسم عربى استمر ثلاثة أشهر ونصف الشهر.

ويضيف: “كنت فى ذلك الوقت طالبا فذهبت مع بعض زملائى من هواة المسرح لأشترك معهم فى تمثيل دور عسكرى فى مسرحية لويس الحادى عشر “ التى قررت فرقة جورج أبيض أن تقدمها للسيد الوزير كنموذج من أعمالها!

وارتديت بدلة الجندى وكانت شديدة القذارة فعافت نفسى لبسها ولكن إلحاح زملائى وهوايتى غلبانى على أمرى واشتركت فى التمثيل لبضع دقائق، خرجت بعدها وقد تغلبت رائحة العرق المنبعثة من البدلة الأثرية على هوايتى فأسرعت فى خلعها وتركت المسرح وزملائى ناقمًا على الفن والتمثيل وملابس دار الأوبرا، وربما كانت هذه الحادثة هى السبب الأساسى فى تغيير ميولى الفنية وعدم قيامى بالاشتراك فى أيه مسرحية بعد ذلك رغم حبى الشديد للمسرح وأضوائه!

إذ كلما فكرت فى حادث ملابس مسرحية لويس الحادى عشر ورائحتها الكريهة عافت نفسى المسرح والتمثيل!

ويقدر الله لى بعد ذلك بخمسة عشر عاما - سنة 1939 - أن أعود إلى دار الأوبرا وأنا أكلف بجرد آلاف المناظر والملابس ومنها القذر ومنها النظيف وأن أعمل جاهدًا منذ تلك اللحظة حتى لا تتكرر مأساة ملابس جندى لويس الحادى عشر!

ومن هنا تبدأ ذكريات شكرى راغب مع نجوم الفن فى ذلك الوقت.