الخميس 4 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«تعيشى يا ضحكة مصر» «وصية» على عبدالخالق الأولى والأخيرة

«تعيشى يا ضحكة مصر» «وصية» على عبدالخالق الأولى والأخيرة

أبكى أنزف أموت وتعيشى يا ضحكة مصر.. أغنية عظيمة افتتح  بها مسيرته الإبداعية فى الفيلم الملحمى «أغنية على الممر» وهى الأغنية التى تحولت إلى أيقونة النصر وتحمل عقيدة خير أجناد الأرض وفتحت الطريق إلى نصر مجيد.. وهى الأغنية التى ختم بها حياته. مات على عبدالخالق وهو ينزف حبا لمصر وترابها النبيل وكأن الأغنية التى حققت مجده السينمائى هى نفسها عنوان حياته.



على عبد الخالق رحل عن عالمنا وهو فى رحاب جيش مصر العظيم بمستشفى المعادى بعدما أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتكفل بعلاجه تقديرا لعطائه الفنى ومسيرته الحافلة فى ترجمة فورية احتراما للدور الكبير الذى تلعبه القوة الناعمة وأولياء مصر المبدعين فى تنمية المشاعر الوطنية والقيام بدور حيوى فى معركة الوعى التى تقودها الدولة المصرية لاستعادة الشخصية المصرية كأساس لبناء الجمهورية الجديدة.

المخرج الراحل قيمة وقامة سينمائية عظيمة رغم تاريخه الفنى الكبير فإنه المخرج المصرى الوحيد الذى جسد الصراع المصرى الإسرائيلى على شريط سينمائى بأمانة وصدق من خلال 4 اعمال مهمة وهى: بئر الخيانة وإعدام ميت والكافير التى تكشف الأدوار البطولية للمخابرات المصرية إلى جانب «يوم الكرامة» الذى يسجل صيحات النصر

>بينما كان فيلم «أغنية على الممر» هو أول طلعة سينمائية فيها، والذى بخلاف انه يعكس مشاعر المصريين بعد نكسة يونيه أنه كان يرسم عقيدته الفنية وفكره الإبداعى فضلا عن أنه أول مخرج مصرى يقود معركة وعى على الشاشة من خلال أفلامه الوطنية،  وتلك المعركة التى تتبناها القيادة المصرية حاليا بخلاف القضايا الاجتماعية التى فتح ملفها باقتدار واستعرض فيها اساليب التفكير الإنسانى «البدائى.. الدينى.. الفلسفى.. العلمى» بمهارة وابداع راجعوا خماسية «العار»، «الكيف»، «جرى الوحوش»، و”المزاج” و “الوحل”، فضلا عن ثلاثيته: «شادر السمك» و«4 فى مهمة رسمية» و«البيضة والحجر» وهى الأفلام التى تبنت قضايا مهمة فى المجتمع.

والمخرج الكبير على عبدالخالق من علامات السينما المصرية وأحد اهم قادتها، ويكفى أنه بخلاف كل مخرجي عصره بدأ مشواره السينمائى بفيلم حربى وطنى تاريخى ويفخر المخرج الكبير بأن صحف الكيان الصهيونى قالت إن على عبدالخالق أكثر المخرجين كراهية لإسرائيل بعد إخراجه 7 أفلام ترسم ملامح الصراع المصرى الاسرائيلى لتوثيق تلك الفترة بكل ما تحمله من صعوبات، بعد ان صور الإعلام الغربى الجيش المصرى فى وضع المُنكسر والخائف من الجيش الإسرائيلى، وكانت المجلات والصحف الأجنبية مُعادية لمصر. المخرج الراحل قال لى: إن صورة على غلاف مجلة «تايم»، التى تضمنت حذاء لجندى مصرى فى الصحراء وفى الخلفية صورة جندى بملابسه العسكرية الممزقة فى وضع الجرى، وعلقوا عليها «الجيش المصرى فزع من نظيره الإسرائيلى» قد استفزته لأنها تتنافى مع الصورة الحقيقية لحرب 67، التى كانت مليئة ببطولات كبيرة، ولكن حجم الهزيمة كان أكبر؛ لذا لم تظهر البطولات، ولهذا قرر إبراز صورة الجنود الذين لم يتخلوا عن مواقعهم رغم قلة التموين والحصار، وإحساسهم بكرامتهم كمصريين كان يجبرهم أن يظلوا فى مواقعهم .كما قدم المخرج الكبير فيلمين تسجيليين عن هذا الصراع وهما: فيلم «السويس مدينتى» ويتحدث عن أهالى السويس الذين لم يهاجروا بعد 67، وفيلم «الرجال والسلاح».

المخرج الراحل كان ضمن كتيبة سينمائية او مجلس قيادة أحدثت ثورة فى الفن السابع عندما دعت إلى التماسك وصياغة موقف فى محاولة جديدة للخروج من الغيبوبة والعبث والانسحاب والإمساك بخيوط الأمل للوطن ولأنفسهم وكانت السينما بالنسبة له ملاذ الهروب من الواقع والدخول لبوابة الحلم والرغبة فى جعل الدراما السينمائية المصرية من أهم المراجع التى يعود إليها المشاهدون

> ومن هنا بدأت تتشكل ملامح حركة سينمائية وأطلق عليها اسم «حركة السينما الجديدة» من أبناء السينما فى الأساس من المتخرجين من معهد السينما تشكلت من أولى دفعاته من عام 1963 وحتى 1968 من مخرجين ومصورين وممثلين ومهندسى الصوت والديكور وفنانى المونتاج.. هؤلاء اعتبروا أن السينما هى الفرصة والأداة الوحيدة للتفكير فى مصالح الوطن العليا بدلا من الثرثرة والفراغ بعد الهزيمة.

إن ثورات التصحيح التى قادها زعماء مصر وبدأت مع الرئيس الراحل السادات بعد رحيل جمال عبدالناصر اتضحت مع نهاية عام 1971 بإنجاز أول أفلامها معه وهو «أغنية على الممر» المأخوذ من مسرحية من فصل واحد للكاتب على سالم والذى يعبر عن رفض هزيمة 67 والإصرار على المقاومة من خلال كتيبة محاصرة فى سيناء تدافع عن موقعها  تضم خمسة جنود، لم تصلهم أوامر الانسحاب، مع تعطل جهاز الاتصال مع القيادة، فكان عليهم الصمود، برغم تناقص الذخيرة والطعام والماء، وتحت قصف دبابات وطائرات العدو، يتمسك الجنود بمكانهم.. يواجهون مصيرهم بشجاعة حتى آخر جندى فيهم وينجح الفيلم فى الكشف عن الأسباب الاجتماعية والسياسية للهزيمة من خلال نماذج حقيقية من المجتمع ما بين النماذج الملائكية التى جسدها نموذج الفلاح الشاويش محمد «محمود مرسى» الذى تلقى استدعاء الجيش، بينما يزرع فى الارض وهو من اكثر النماذج رسوخا وكمالا ونماذج انتهازية  مثلها شخصية «منير «صلاح قابيل الذى يتحدث عن والدته سيدة الأعمال بينما تعمل خياطة  

<وشوقى «محمود ياسين» الفاشل من وجهة نظر من حوله وينجح فى انتصاره الوحيد بتعطيل دبابتين للعدو

 < ومسعد «صلاح السعدنى» البسيط والمرح

> وحمدى «احمد مرعى «المطرب المغمور الذى يحاول تقديم ألحانه فى الإذاعة المصرية».وكان الفيلم الذى تصدى للهزيمة بصدق ووضوح وشفافية ويمثل فى الوقت نفسه  نقطة انطلاقة للسينما الجديدة.. واجتمع النقاد على وصفه بأنه عمل جاد وصادق ومشاركة فنية فى حب الوطن والذى رسمته أغنية الفيلم الخالدة والرائعة التى أبدعها الراحل عبدالرحمن الأبنودى التى تحولت إلى أيقونة الخلود وفترات التحول الكبرى وتقول كلماتها:

 

أبكى.. أنزف.. أموت

وتعيشى يا ضحكة مصر

وتعيش يا نيل يا طيب

وتعيش يا نسيم العصر

 

**

 

هذه الأغنية الخالدة التى أبدعها العملاق على عبدالخالق فى فيلمه «أغنية على الممر» وتحولت الى ايقونة النصر لمصر فى كل العهود وكانت عنوانا للتحولات العظمى  < وهى أيضا عنوان بالبنط العريض لمسيرته الفنية.. رحم الله المخرج الكبير على عبدالخالق.