الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أحمد رجب وسر الغرفة 53!

أحمد رجب وسر الغرفة 53!

لا أعرف من هو الكاتب الصحفى الذى أطلق على الأستاذ الكبير «أحمد رجب» لقب «ريحانى الكلمة ـ وكان يقصد أن كتابات أحمد رجب لا تقل روعة عن أعمال الفنان الكبير «نجيب الريحانى» ومعه كل الحق فى هذا الوصف البديع!



وأعود إلى كتاب أحمد رجب البديع والممتع «أى كلام» سوف تبتسم وتضحك وتتأمل كل حكاية من حكاياته.. ومن أمتع ذكرياته ما رواه عن الغرفة 53 التى تقع بالطابق الثالث من مبنى أخبار اليوم القديم والذى قضى فيها أكثر من نصف عمره حتى توفى عام 2014. يقول أحمد رجب: قضيت نصف عمرى فى الغرفة رقم 53 بمبنى أخبار اليوم، والغرفة 53 غرفة تاريخية، فأول من اتخذها مكتبًا هو «توفيق الحكيم» ثم «كامل الشناوى» ثم «جلال الحمامصى» ثم «موسى صبرى» ثم «أنيس منصور» ثم «سعيد سنبل» ثم «كاتب هذه السطور!

وقد اشتهرت هذه الغرفة بأن من يقيم فيها لا بد أن يغادر أخبار اليوم، إما للعمل الصحفى فى دار صحفية أخرى أو إلى بيته ليستريح فى إجازة مفتوحة وكان تعبير إجازة مفتوحة فى تلك الأيام هو اسم الدلع للفصل من العمل!

فقد ترك «توفيق الحكيم» الغرفة ليعمل مديرًا لدار الكتب، وخرج منها «جلال الحمامصى» ليؤسس وكالة أنباء الشرق الأوسط، وغادرها كامل الشناوى ليرأس تحرير «الجمهورية»، وجلس فيها «موسى صبرى» فتم منعه من الكتابة مع إجازة مفتوحة، ثم صدرت الأوامر بنقله إلى الجمهورية بشرط ألا يظهر اسمه، ثم دخل «أنيس منصور» الغرفة53 وخرج منها فى إجازة مفتوحة أيضًا!

والإجازة المفتوحة ـ كما عرفناها يؤمئذ ـ كانت بلا مرتب أو معاش أو مكافأة وذلك طبقا للأوامر الصارمة الصادرة من السلطات العليا، فكان «مصطفى أمين» يدفع سرًا مرتب صاحب الإجازة من جيبه الخاص حتى بعد تأميم أخبار اليوم!

وجاء الدور على «سعيد سنبل» ليدخل الغرفة53 ورفض بشدة فى البداية ولكن «على أمين» الذى اشتهر بالقدرة على أن يعدى كل من حوله بالتفاؤل استطاع أن يقنع «سعيد» بالإقامة فيها، فدخل يتفحصها كأنما يريد أن يستجلى سرها، وهداه تفكيره إلى أن يغير وضع المكتب فنقله من الحائط الشرقى المواجه للباب إلى الحائط الغربى المجاور للباب لعل ذلك يكسر نحسن الغرفة، وبقى سعيد سنبل فى أخبار اليوم!

وفى منتصف الستينيات جاء دورى لأقيم فى الغرفة 53، ورغم معرفتى بتاريخ الغرفة، إلا أن عملى الدائم مع «على أمين» علمنى التفاؤل، بل لقد وصل تفاؤلى إلى أننى قررت إعادة المكتب إلى الوضع القديم، وجاء عمال الكهرباء والتليفونات ونقلوا الأسلاك من الحائط الغربى إلى الحائط الشرقى كما كان!!

ومر يومان وذهبت لأقبض مرتبى فلم أجد اسمى فى كشف المرتبات وسألت صراف الخزانة عن السبب فمط شفتيه علامة إنه لا يعلم! وهز مدير الحسابات كتفيه علامة أنه لا يدرى، وحرك موظف المستخدمين كفيه يمنها ويسرها علامة أنه لا يفهم، وكان حديث الثلاثة بالإشارة معى دليلا على أن بركة الغرفة 53 قد حلت على رأسى، وأننى أصبحت من المغضوب عليهم، وأن الكلام معى باللسان مكروه شرعًا!!

ويكمل الأستاذ «أحمد رجب» قائلًا: وإنما بنظرية «سعيد سنبل» بدأت أغير وضع المكتب لتكون النافدة من خلفى، وما أن استقر المكتب فى وضعه الجديد حتى دق جرس التليفون ليبلغونى أن اسمى سقط سهوًا من كشف المرتبات وعاد موظفو الإدارة يتحدثون معى باللسان بدلا من لغة الإشارة علامة أنى غير مغضوب عليه والحمد لله..

وبقيت فى الغرفة 53 وظل أول ساكن للغرفة توفيق الحكيم يذكرنى فى كل كتاب جديد يدهيه إلىّ أننى اجلس فى غرفته «العزيزة» كما كان يصفها دائما، كأنما يطلب أن أصونها وأحرص عليها، وكانت آخر الكتب التى تلقيتها من عملاق الفن والفكر كتاب «يقظة الفكر» الذى يقول فى مقدمته «لا أريد من كتابى أن يريح القارئ، أريد أن يطوى القارئ كتابى فتبدأ متاعبه، إن مهمتى هى تحريك الرءوس».

وقد حرك توفيق الحكيم رأسى وأنا أحملق فى أجواء الغرفة 53 وأتساءل كيف لم احظ من هذه الغرفة باشعاعات الفكر والفن التى تركها «توفيق الحكيم» فى هذا المكان فأفكر مثله وأبدع مثله؟!

وتبين لى أن السبب هو أننى غيرت موضع مكتبى من الغرفة حيث كان يجلس توفيق الحكيم ونقلته إلى الجانب الآخر حيث كان مربط «حمار الحكيم»..

وللحكاية بقية!