انقذوا تراث سمير صبرى

ما يلى هو أول ما أكتبه ولن يراه سمير صبرى، الذى كان حريصا على قراءة كل ما أكتبه عنه، وحتى قبل أيام من رحيله وعلى مدار أكثر من 20 عاما مضت فى صفحات مؤسسة روزاليوسف التى يعشقها؛ بل إن آخر ما قرأ فى حياته، بينما كان على سرير الموت هو العدد الذى تضمن ملفا شاملا عن تاريخه فى مجلة روزاليوسف ومقال كتبته فى جريدة روزاليوسف قبل وفاته بأيام قليلة بعد فوزه بجائزة أفضل ممثل فى فيلم «حدث فى 2طلعت حرب» وهذا إقرار منى بذلك..

هذه المرة أكتب تحذيرا ليس فقط لبنات خالته وقد آل لهن بعض من ممتلكاته بل لكل من يهمه الأمر خوفا على تراثه ومقتنياته الثمينة والتى تمثل سطورا من ذاكرة الفن المصرى أكثر من نصف قرن..رحل سمير وهو أحد فقهاء الفكر الإعلامى وهو راضٍ عما قدمه من علوم فنية، وكما كانت ذاكرته الناطقة كتابا مفتوحا وكنزا من الفنون والآداب فإنه ترك بعد رحيله كنوزا لا تقدر بالمال هى الآن من حق الشعب للاطلاع عليها والاستفادة منها.

كان الراحل سمير صبرى فنانا عابرا للأجيال ليس بوصفه فنانا استثنائيا نادرا ومتعدد المواهب «إعلامى.. وممثل ومنتج ومغنٍ استعراضي» بل لأنه عاصر كل نجوم الفن المؤسسين فى العصر القديم والحديث وحتى نجوم الجيل الخامس.. بثقافته وعلمه الغزير ومواهبه كان حلقة الوصل بين نجوم مصر والعالم بل سفيرا للنوايا الحسنة فى الوسط الفنى على مدار حوالى 62 عاما. وطوال هذه السنوات تمثل أعماله الفنية جزءا أصيلا من ذاكرة الإبداع المصرى على مستوى الإعلام والاعمال التى شارك فيها «سينما وغناء وعلى شاشة التليفزيون» وتدخل فى هذا المجال مقتنياته وجوائزه ومكتبته الفنية عموما وحتى لا تطير هذه المقتنيات مطلوب تدخل من يهمم الأمر من الجهات المسئولة مع الورثة لكى لا تلقى مصير من سبقوه، وإن لنا فى تراث نور الشريف ورمسيس مرزوق لعبرة.

سمير صبرى خريج فيكتوريا كولدچ والحاصل على شهادات عليا من مدرسة موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب وعندليب الغناء عبد الحليم حافظ فى الدقة والتنظيم والتحضر وقبل عام من رحيله قام ببيع ممتلكاته»الشقة التى يملكها وسيارته «لبنات خالته «ليلى ونيللى» وكانتا بمثابة شقيقاته طوال مسيرته ليضع حدا فاصلا للنزاعات القضائية المتوقعة بين الورثة، بينما ترك شقته المستأجرة بالزمالك ومكتبه المستأجر بشارع سليمان الحلبى بكامل مقتنياتهما لهما ويحتويان على كل تراثه وأفلامه وجوائزه وألبوماته الثمينة.

أزمة مقتنيات سمير صبرى بدأت تلوح فى الأفق بعد انتشار شائعة عرض شقته للبيع، ومن هنا بدأ المقربون من سمير فى الانزعاج على تراثه خصوصا بعد أن طلب ملاك شقته المستأجرة بالزمالك ومكتبه فى وسط القاهرة بإنذار الورثة وبعد إعلانهم شرعيا بضرورة إخلائهم بالكامل وبدأ الخوف يتسلل على محتوياتهما تمثل كنوزا حقيقية لا تقدر بمال خصوصا مستندات ووثائق رحلته الثرية وتسجيلاته النادرة مع مشاهير السياسية والفن والمجتمع بخلاف أصول الأفلام التى انتجها (22 فيلما) ضمن كتالوجه السينمائى الذى يضم اكثر من 130 فيلما وعشرات الأغنيات الاستعراضية التى انتجها ضمن كتالوجه الغنائى ومحاوراته مع المشاهير التى انتجها وتعد وثائق مصورة.

■ ■ ■

جمعية أبناء فنانى مصر هى الجهة الوحيدة القادرة على تفعيل التوافقات مع الورثة الشرعيين والتدخل للحفاظ على التراث والمقتنيات لأن الذين يديرونها هم انفسهم من ابناء الفنانين الذين يميزون بين الحقوق والواجبات، وجمعية أبناء فنانى مصر برئاسة المستشار ماضى الدقن تعتبر تراث الآباء أحد مهامهم الصعبة، ويقدرون أن تاريخهم وتراثهم جزء من تاريخ الفن ومن حق الشعب الاطلاع عليه بدلا من العبث به ووصوله إلى أيد غير أمينة مثلما حدث مع تراث نور الشريف ورمسيس مرزوق، وبدأت الجمعية تحت مظلة وزارة الثقافة محاولة إيجاد صيغ قانونية لإدارة هذا الملف والتوفيق بين حقوق الورثة وحقوق عشاقهم ومعجبيهم عن طريق إيداع المقتنيات فى مكان أمين ومتاحف تتبع وزارة الثقافة، وهو الاتجاه الذى تتبناه الجمعية مع المركز القومى للمسرح والفنون برئاسة ياسر صادق الذى نجح فى إنشاء متحف يجمع تراث المشاهير يجعل من السهل ليس المحافظة عليه، بل تسهيل مهمة عرضه لعشاق الفن والإبداع وأيضا للباحثين والدارسين للاطلاع عليه.