الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 مئوية الفرعون الذهبى

مئوية الفرعون الذهبى

فى 4 نوفمبر 1922 أى منذ مائة عام، عندما كان عالم الآثار البريطانى هوارد كارتر يقوم بحفريات عند مدخل النفق المؤدى إلى قبر رمسيس السادس فى وادى الملوك لاحظ وجود قبو كبير واستمر بالتنقيب الدقيق إلى ان دخل إلى الغرفة التى تضم ضريح توت عنخ آمون, وفى 16 فبراير 1923 كان هوارد كارتر أول إنسان منذ أكثر من 3000 سنة يطأ قدمه أرض الغرفة التى تحوى تابوت توت عنخ آمون, وكان المشهد فى غاية الروعة له والذى كان ينظر إلى الغرفة من خلال فتحة وبيده شمعة ويقال إن مساعده سأله «هل بإمكانك ان ترى أى شىء ؟» فجاوبه كارتر «نعم أنى أرى أشياء رائعة، وأحدث هذا الاكتشاف ضجة إعلامية واسعة النطاق فى العالم، واحتل هذا الاكتشاف عناوين الصحف فى جميع أنحاء العالم، وأكثر ما أثار إعجاب الناس لم يكن مومياء توت ولكن القرابين والكنوز التى دفنت معه بالكامل، ووصفها كارتر بأنها «مزيج غريب ورائع من الأشياء المذهلة والجميلة، تعد مقبرة الملك الفرعونى توت عنخ آمون وكنوزها أيقونة لمصر ولا يزال اكتشافها أحد أهم الاكتشافات الأثرية حتى الآن، وذات شهرة عالمية لأنها المقبرة الملكية الوحيدة بوادى الملوك التى تم اكتشاف محتوياتها سليمة وكاملة، ومقبرة الفرعون الصغير ضمت رغم صغرها خمسة آلاف وثلاثمائة وثمانى وتسعين قطعة تشمل القناع الذهبى الرائع وثلاثة توابيت على هيئة الإنسان، أحدها من الذهب الخالص، وأن تلك الأمتعة توضح كيف كان القبر الملكى يجهز ويعد،  فهناك أمتعة الحياة اليومية كالدمى واللعب، ثم مجموعة من أثاث مكتمل وأدوات ومعدات حربية، وتماثيل للأرباب تتعلق بدفن الملك وما يؤدى له من شعائر، وبوق توت عنخ آمون الشهير المصنوع من الفضة وآخر من النحاس، هذه القطع تعكس أيضا  نمط الحياة فى القصر الملكى، وتشمل الأشياء التى كان توت عنخ آمون سيستخدمها فى حياته اليومية فى العالم الآخر، مثل الملابس والمجوهرات ومستحضرات التجميل والبخور والأثاث والكراسى والألعاب والأوانى المصنوعة من مجموعة متنوعة من المواد والمركبات والأسلحة وغيرها وكل هذه المحتويات الآن بالمتحف الكبير، وتكشف أيضا عن عظمة الحضارة المصرية القديمة وما وصلت إليه من مستوى  صناعى وفنى رفيع، وتوت عنخ آمون هو أحد فراعنة الأسرة القديمة، وكان فرعون مصر من 1334 ق.م إلى 1325 المصرية الثامنة عشر فى تاريخ مصر وهو ابن الملك أخناتون (أمنحتب الرابع) وقد أعلن المجلس الأعلى للآثار المصرية فى شهر أبريل عام 2010 أنه بناء على اختبارات الحمض النووى، تبين أن توت عنخ آمون هو ابن الملك أخناتون (والذى أحدث ثورة دينية فى العقيدة المصرية القديمة، بعد أن نقل العاصمة من طيبة (الأقصر) إلى عاصمته الجديدة أخت أتون بالمنيا وحاول توحيد آلهة مصر القديمة المتعددة بما فيها الإله آمون فى شكل الإله الواحد آتون وهو زوج الملكة الشهيرة صاحبة أشهر تمثال نصفى فى عالم الأثار والذى يزين أكبر قاعة فى متحف برلين بألمانيا تحت حراسة مشددة تمنع تصوير التمثال من قبل الزائرين).



توفى توت عنخ آمون فى ظروف غامضة ومجهولة، ليحكم بعده وزيره السابق (آى) والذى تزوج من عنخ إسن أمون أرملة توت عنخ آمون، ومن الجدير بالذكر ان الأدلة التاريخية تشير إلى وجود وزيرين لتوت عنخ آمون أحدهما (آى) الذى تم ذكره والآخر كان اسمه (حور محب) وهناك أدلة أثرية تؤكد أنه بعد وفاة توت عنخ آمون استلم الوزير (آى) مقاليد الحكم لفترة قصيرة ليحل محله الوزير الثانى (حور محب) الذى جاء  برمسيس الأول ليكون الأسرة التاسعة عشر والتى ضمت الفراعنة العظام ابنه الملك سيتى الأول وابنه رمسيس الثانى وابنه مرنبتاح الذين حافظوا على كيان الإمبراطورية المصرية فى ذلك الوقت. 

وقد اثير الجدل حول اكتشاف المقبرة، وتقول بعض المصادر إن أول من كشف عن مدخل مقبرة توت عنخ آمون عن طريق الصدفة ويدل كارتر عليه هو الطفل حسين عبدالرسول والذى كان يعمل ضمن عمال الحفر عندما وجد درجة سلم فرعونية، وبدأ كارتر الحفر فى هذا المكان ، حيث وجد 16 درجة جديدة، ثم أدخل رأسه فى نافذة المقبرة ومعه مصباح من الغاز، وقال جملته الشهيرة «اليوم هو يوم الأيام»، ويقال أيضا  إنه من شدة سعادة «كارتر» بالكشف الأثرى وبالدور الذى لعبه الطفل حسين عبدالرسول، ألبسه إحدى قلائد الملك توت عنخ آمون الذهبية، وأمر مصوره الخاص أن يلتقط له صورة بالقلادة، وما زالت هذه الصورة تزين منزل عائلة «عبدالرسول» حتى الآن، وبهذه المناسبة يجب أن نذكر الدور الذى لعبه المسئولون بالدولة وعلى رأسهم مرقص حنا باشا وزير الاشغال وكانت الأثار تتبعه إداريا، فى الحفاظ على المقبره من النهب،  حيث فرض حراسة مشددة فور اكتشافها وجعل ضباطا مصريين يفتشون الداخل والخارج منها حتى هوارد كارتر نفسه، كما أمر بتسجيل محتويات المقبرة ونقلها تحت حراسة مشددة من الشرطة المصرية للمتحف المصرى فى القاهرة لضمان تأمينها وسلامتها، واليوم يحتفل معرض جديد فى مكتبات بودليان بجامعة أكسفورد فى انجلترا، بعنوان «توت عنخ آمون: التنقيب فى الأرشيف» بالذكرى المئوية لاكتشاف عالم المصريات البريطانى هوارد كارتر وفريقه للمقبرة الشهيرة، وتسلط الصور المضاءة بشكل مذهل، بالإضافة إلى الرسائل والخطط والرسومات واليوميات من أرشيف كارتر، ضوءاً جديدا على قصة التنقيب الذى استمر 10 سنوات.

وهكذا فعل الملك توت أكثر مما فعل جميع رفاقه الفراعنة وهو إلقاء الضوء على عظمة الحضارة المصرية وما وصلت إليه من مستوى صناعى وفنى رفيع  واجتماعى غير مسبوق فى دول العالم، وأيضا تعزيز الدراسة الحديثة والاهتمام بالتاريخ المصرى القديم. (وتحيا مصر...... أم الدنيا).