الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«روزاليوسف» تبحث عن 12 جنيها!

«روزاليوسف» تبحث عن 12 جنيها!

أخيرًا حصلت السيدة «روزاليوسف» من وزارة الداخلية على تصريح بإصدار مجلتها، واستقر الرأى على أن تكون مجلة أدبية راقية ذات أسلوب عال، وتمضى «روزاليوسف» قائلة:



وإذا بنا أمام مشكلة عويصة، أين الأثنى عشر جنيهًا التى لا بد منها لتكاليف العدد الأول، وأنا لا أملك درهمًا واحدًا وأصدقائى جميعًا على الحميد المجيد، وهذه التكاليف قدرها الصديق «إبراهيم خليل» وكان الزميل أحمد حسن يتظاهر بالوجاهة والثراء فينفق عن سعة ويصر على دفع الحساب وقد كنا نعتقد أن الزميل الوجيه ينق من إيراد أملاكه وعقاراته، ولكن تبين فيما بعد أن كل ما يملكه الزميل من حطام الدنيا هو بضعة قراريط!

ورأى هذا الزميل حيرتنا فانتابته حمى الكرم الحاتمى، وأظهر استعداده لدفع تكاليف العدد الأول، ولكنه أرجأ الدفع ريثما يجد بائعًا ابن حلال يشترى قيراطًا أو أقل من قراريطه العتيدة!

وساورنى الاطمئنان من هذه الناحية ورحت أرتب سير العمل فى المجلة، فدعوت أصدقائى إلى جلسة مستعجلة لبحث هذا الأمر الخطير، وفى هذا الاجتماع تم توزيع العمل على الطريقة الآتية:

يتولى «إبراهيم خليل أعمال المجلة الإدارية، أما التحرير فيتولاه حضرات «زكى طليمات» و«محمد التابعى» و«محمود عزمى! أما أحمد حسن فإنه يعاون القسمين بما عُهد فيه من تكاسل وتلكؤ، واقتصرت مهمتى أنا على الإشراف العام على شئون المجلة جميعها.

وكان التابعى يقوم بتحرير القسم المسرحى فى جريدة الأهرام، وقد كان وقتذاك فى الإسكندرية فاتصلت به تليفونيًا ودارت بيننا المحادثة التالية:

ـ أنت مادريتش يا أستاذ؟!

ـ دريت على إيه؟

ـ إنك تعينت فى مجلتى مندوبًا مسرحيًا!

ـ مجلتك؟! هى فين؟

ـ مجلة «روزاليوسف» يا أخى!

ـ انتى بتتكلمى جد؟

ـ أمال باتكلم ايه؟ اعمل حسابك بقى أنك تستعفى من الأهرام وتشتغل فى المجلة!

ـ وحياة أبوكى بلاش هزار!

ـ يا أخى أنا مش بهزر

ـ أنا والله يا ست مش مصدق ! طيب اسم المجلة إيه؟

ـ «روزاليوسف»!

ـ لا بقى ده لازم مقلب عاوزة تعمليه فيَّ هو ده معقول؟

وتمضى «روزاليوسف» قائلة: وعند هذا الحد لم أطق تبلد الزميل على هذا النحو، فبعثت إليه على أسلاك التليفون بعبارات التعقيب المر، لم أنس أن أذكره بعدم الفهم.. وإلى آخر ما حضر من ذاكرتى من عبارات، وإزاء هذا اضطر الزميل أن يؤمن، وأن يعد بالحضور فورًا إلى القاهرة للمساهمة فى تحرير المجلة.

وأخذ الزملاء أعضاء هيئة التحرير يعملون بكل جد ونشاط، وكل منهم ينمق ألفاظه، ويستوحى بطون القواميس ليحشر فى مقاله ما تيسر من الكلمات اللغوية العويصة تمشيًا مع الأدب العالى.. المتفق عليه ليكون هو اللون الأدبى المسيطر على المجلة.

ولم يشذ واحد منهم عن هذه القاعدة، قاعدة التعميق فى الأسلوب، حتى الأستاذ «التابعى» الذى كان معروفًا بخفة أسلوبه، فقد طرح خفة الأسلوب جانبًا واستعار لغة «سيبويه» ليتحدث بها إلى الممثلين والممثلات فى القسم الفنى الذى اضطلع به.

وهنا عرضت لنا مسألة الإدارة وأين تكون، ودار فى خاطرى أن أستأجر مكانًا فى حى راق وأزود الإدارة بالأثاثات الفاخرة والرياش الثمينة ولكن سرعان ما تلاشى هذا الخاطر حين ذكرت أن يدى صفر من المال اللازم.

وكنت أقطن فى منزل يملكه المغفور له أمير الشعراء ويقع بشارع جلال وكان مسكنى يقع فى الطابق الرابع، ويجب على الصاعد أن يرقى نحو خمسة وتسعين سلمًا ليصل إلى باب الشقة ولم يكن لى أن اختار فاضطررت لتخصيص قسم من مسكنى لإدارة المجلة، فكان المحررون المساكين يصعدون إلى الإدارة على آخر نفس، ويظل كل منهم نحو بضع دقائق يجفف عرقه، ويسترد أنفاسه حتى يتمكن بعد هذه العملية من الكلام فيلقى بالتحية. وللذكريات بقية .