الثلاثاء 16 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عبدالحليم حافظ يغنى لموسى صبرى!

عبدالحليم حافظ يغنى لموسى صبرى!

ما أكثر وأعجب حكايات الكاتب الكبير الأستاذ موسى صبرى مع أهل الفن خاصة عندما كان يرأس تحرير مجلة «الجيل» فى خمسينيات القرن الماضى، ومن أغرب هذه الحكاية ما جرى بينه وبين العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.



موسى صبرى فى كتابه الممتع «عشاق صاحبة الجلالة» يروى التفاصيل قائلا: كانت لى تجربة مع أهل الفن لا أستطيع أن أنساها! وأسبق فأقول إنها تجربة سياسية لا تجربة حب!

كنت قد قررت دخول انتخابات مجلس الأمة عام 1957 واخترت دائرة قصر النيل حيث أسكن وحيث يوجد أكبر عدد من الناخبين القراء للصحف وفوجئت بأن المرشح أمامى مجدى حسنين أحد الضباط الأحرار وقد رشحته الثورة، وكان يرأس مشروع مديرية التحرير وكان يملك من الامكانيات السياسية والمادية ما لا أملك!

فقررت أن أختار أرخص وسائل الدعاية الانتخابية وأنجحها فكرت فى الإعلان القصير الذى يتكون من ثلاثة سطور فقط فى مكان ثابت بالجريدة يوميا ولم ألجأ إلى الأسلوب التقليدى فى كتابته!

فكرت فى المنشورات التى يوزعها الطلبة على منازل الدائرة، شقة شقة بعد أن قسمت العمل طبقا لخريطة تفصيلية أحضرتها من المساحة!

وفكرت فى الاجتماعات النسائية التى تتحدث إلى الناخبين تليفونيا وتناقشهم، فكرت فى وصول المنشورات مع بائعات الورود فى محلات بيع الزهور ومع كوب اللبن فى الصباح حتى لافتات الشوارع اختصرت فى عددها بسبب التكاليف وسجلت عليها شعارات صادقة من القلب مثل «كاتب حر لم يركع لحاكم» وعندما كتب مجدى حسنين لافتات انتخبوا مجدى حسنين مؤسس مديرية التحرير كتبت لافتات تحتها انتخبوا موسى صبرى الذى لم يؤسس مديرية التحرير!

وقبل كل هذا فكرت فى أسلوب حديث لم يستخدم من قبل وهو الأغنية الانتخابية وتحمس أصدقائى من أهل الفن، فكتب عبدالعزيز سلام الأغنية وأسرع بليغ حمدى بتلحينها وكان المفروض أن تغنيها المطربة «صباح» ثم تطبع منها عدة أشرطة ونذيعها فى المقاهى والميادين لتجمع كل الناس ثم نبدأ بعد ذلك المناقشات الانتخابية.

وفوجئت بعبدالحليم حافظ يزورنى فى أخبار اليوم وقال لى: أريد أن أسهم فى دعايتك الانتخابية وهذا العرض منى عن اقتناع كامل!

وكاشفته بفكرتى فأصر على أن يغنى هو الأغنية قبل «صباح» ووافقت مرحبا وشاكرًا وكان تخطيطى أن استخدم الأغنية فى الأيام الثلاثة الأخيرة قبل يوم التصويت حتى تكون مفاجأة ناجحة!

وفعلا سجلنا الأغنية فى ستديو مصر مع فرقة أحمد فؤاد حسن وقال عبدالحليم للموسيقيين قبل التسجيل أرجو أن تكون هذه الأغنية سراً أريد منكم كلمة شرف بعدم إذاعتها نحن الآن فى معركة ومن عوامل نجاحها أن أحتفظ بأسلحتى السرية حتى استخدمها مفاجأة وسجلنا الأغنية وطبعنا منها عدداً من الأشرطة.

واشتد لهيب المعركة وكنت أنشر كل يوم إعلانا عن مكان الأغنية وتحدث التجمعات وتبدأ المناقشات مما دوى بضجة انتخابية كبرى.. وذات صباح فوجئت كل الصحف: الأخبار والأهرام والجمهورية ببيان مطول أخذ مساحة ثلاثة أعمدة من الفنان عبدالحليم حافظ قال فيه إنه يؤيد البطل الثائر مجدى حسنين وأنه عندما سجل هذه الأغنية لم يكن يعلم على الاطلاق أن منافسى هو «مجدى حسنين».

هذه هى خلاصة البيان وهو مغاير للحقيقة لأن عبدالحليم كان يعلم تماما وصدمت وقررت أن أنشر بيانا رداً على كلامه ولكننى قررت الصمت بعد أن علمت بالضغط الأدبى بل التهديد الذى تعرض له عبدالحليم لكى يذيع هذا البيان الذى كتب له ووقع عليه، ونصحنى بذلك مصطفى أمين وقال لى: يجب أن تقدر ظروف عبدالحليم!

ولم تتم الانتخابات لأن الحكومة قررت إغلاق الدائرة على مجدى حسنين ووصل إلى مجلس الأمة بغير انتخابات، ومحت الأيام آثار هذا الحادث من نفسى وعادت الصداقة مع عبدالحليم حافظ كما كانت.