الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الوفد.. وماذا بعد؟
كتب

الوفد.. وماذا بعد؟




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 06 - 12 - 2010


هل يؤدي الغضب الكاذب إلي ضياع الفرصة الأخيرة؟


(1)


أولاً: الماضي وحده لا يصنع الحاضر ولا المستقبل.. والشعارات التاريخية لا تكفي لمواجهة المشاكل الآنية.. انتهي زمن «يعيش الوفد ولو فيها رفد» و«لو اختار الوفد حجراً لانتخبناه».. الدنيا تغيرت كثيراً عن أيام الملكية.


وفد 2010 غير وفد ما قبل الثورة، والتركيبة الاجتماعية للمصريين ليست هي نفسها منذ ستين سنة، وكان من الضروري أن يتفاعل الوفد مع الحاضر منذ عودته للحياة السياسية، ولكنه يتقدم خطوة للأمام وخطوتين للخلف.


التاريخ ليس بطاقة انتخابية نضعها في الصندوق فترجح كفة مرشح عن آخر، والوفد الجديد لا يحمل من القديم سوي الاسم فقط، فليس فيه الآن سعد ولا النحاس ولا حتي فؤاد سراج الدين.


(2)
ثانياً: الوفد استنزف طاقاته في حروب داخلية.. صراعات وانشقاقات، وصلت ذروتها الدرامية في حوادث الحرق والاقتحام وتبادل الاتهامات بين نعمان جمعة ومحمود أباظة وأحمد ناصر، وقبلها صراعات أخري كثيرة لم تصل إلي هذا الحد من العنف.
حروب الاستنزاف الوفدية أدت إلي انصراف كثير من قياداته وكوادره وعزوفهم عن العمل الحزبي، وأدت إلي فترات صمت سياسي طويلة، لم يقم فيها الحزب بتفعيل أنشطة خارج القاهرة، أو حتي خارج مقره في منطقة الدقي.
الحسنة الوحيدة هي أن تقاليد الماضي حافظت علي ماء وجه الحزب، ولم تجعله يلقي نفس مصير الانهيار الذي واجه أحزاباً أخري كثيرة بعد رحيل زعاماتها التاريخية، مثل حزب الأحرار بعد رحيل مصطفي كامل مراد.
(3)
ثالثاً: نزاهة الانتخابات تعني فقط خسارة الحزب الوطني.. حتي لو أشرف علي الانتخابات ملائكة، كان الوفد سيتهمها بالتزوير، لأنه بني دعايته علي أن نزاهة الانتخابات هي أن يفقد الحزب الوطني أكبر عدد من المقاعد.
لجأ الوفد إلي استخدام شعارات وعبارات مفخخة لها دوي لفظي ولكنها خالية من المضمون الحقيقي، مثل عبارة «الحزب الوطني يقوم بسطو مسلح علي إرادة الأمة».. وهو كلام مرسل وهلامي ولا يمكن إثباته أو تأكيده.
لم يعط الوفد نفسه فرصة للمراجعة الهادئة والتفكير العميق، بل انساق وراء الغاضبين الذين فشلوا في الانتخابات، وفرضوا قرار الانسحاب علي مكتبه التنفيذي، وأوقعوا الحزب في حالة تخبط شديدة.
(4)
رابعاً: الوفد حصل علي الأصوات التي تعكس شعبيته، كان متوقعا أن يحرز ثمانية مقاعد في الجولتين، وهي أعلي نسبة يحصل عليها في ال20 سنة الأخيرة، وفي ظل الفردي والقائمة والإشراف القضائي واللجنة القضائية.
استمر الوفد في سياسة خداع الذات، بدلاً من وقفة صريحة وجادة، واعتبر الانسحاب «قراراً تاريخياً» و«فضحاً للنظام عالمياً» و«مقدمة لموقف شعبي رافض»، وغيرها من عبارات تهدئة الخواطر، وليس اقتحام أسباب الفشل.
الشعبية لن تأتي أبداً ب222 مرشحاً للحزب معظمهم إما لم ينزلوا الدوائر إلا قبل الانتخابات ب48 ساعة، أو أنهم انضموا للوفد علي عجل ليضعهم علي قوائمه متصورين أنه يمكن أن يقدم لهم الدعم والمساندة.
(5)
خامساً: الانسحاب هو الانتكاسة الثانية للوفد بعد سنة 1990 .. كان الوفد قبل سنة 90 يحصد مقاعد يصل عددها إلي نحو 35 مقعداً، ولكنه قرر المقاطعة سنة 90 وبعدها لم يزد عدد المقاعد التي يحققها علي ستة.
الناس لا ينتخبون من يقاطعون وينسحبون، ولا يعنيهم أن يكون المرشح «وطني» أو «وفد»، ولكن يهمهم بالدرجة الأولي أن يكون النائب متواجداً بينهم ولا يفارقهم ولا يغادر للحياة في القاهرة.
تصور بعض مرشحي الوفد أن الجماهير سوف تستقبلهم بالزغاريد في الدوائر التي تطؤها أقدامهم لأول مرة.. بأمارة إيه؟ خصوصا إذا كان هناك نواب يعيشون بينهم طيلة السنوات الخمس الماضية.
(6)
سادساً: الوفد واللعب الغامض مع المحظورة.. الوفد ليس المحظورة لأنه حزب شرعي ويعمل تحت مظلة الدستور والقانون، وله الحق في أن يخوض الانتخابات كحزب سياسي له برنامج معلن.
أضير الوفد كثيراً من بعض التصرفات والتربيطات السرية والمعلنة مع الجماعة المحظورة، وكان يتصور أنه سيحصل علي بعض أصوات مؤيديها، وهو هنا أيضا يرتكب خطأ تاريخياً كبيراً.
المفترض أن يكون الوفد علي طرف النقيض مع المحظورة باعتباره يرفع شعار «الهلال والصليب» منذ نشأته، ما أدي إلي التشكيك في توجهاته بسبب الغموض الذي يشوب مواقفه.
(7)
سابعاً: الوفد.. وماذا بعد؟ سوف يستمر الحزب في عناده ويصعد الحرب ضد نزاهة الانتخابات والتشكيك في شرعية مجلس الشعب القادم.. هذا ما أتوقعه وإن فعل ذلك ستكون الخطيئة التاريخية الثالثة.
الأولي: هي المقاطعة سنة 90، والثانية: هي الانسحاب 2010، والثالثة: هي التحلي بروح الثأر والرغبة في الانتقام من الحزب الوطني، لأنه كان يتصور أنه سيحصل علي عدد كبير من المقاعد بمقتضي صفقة ضمنية.
أو أن يترك الحزب الفرصة أمام الفائزين من أعضائه للانضمام للبرلمان دون اتخاذ إجراءات غاضبة بفصلهم، ثم أن يحاول بعد ذلك استقطاب بعض المستقلين الناجحين، وهذا أفضل بكثير من مغادرة الملعب السياسي في السنوات القادمة.


E-Mail : [email protected]