أ.د. رضا عوض
اليوم العالمى للمرأة
يحتفل العالم فى الثامن من مارس كل عام باليوم العالمى للمرأة، وتعود البداية فى اختيار هذا اليوم الى سنة 1856 عندما خرج آلاف النساء للاحتجاج فى شوارع نيويورك على الظروف الصعبة التى كن يعملن فيها، ونجحت هذه المسيرة فى دفع المسئولين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال وكيفية التعامل معها ووضع حلول لهذه المشكلة، ولم تحل المشكلة حلا جذريا.
ففى 8 مارس 1908م عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد فى شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعًا من الخبز اليابس وباقات من الورود فى خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية شعار «خبز وورود، وطالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع.
وانضمت إلى الحركة نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق فى الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية.
وقد ساهمت النساء الأمريكيات فى دفع الدول الأوروبية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكى بتخصيص يوم واحد فى السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمى بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة، غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمى للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة من ذلك، لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبنى تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارًا يدعو دول العالم إلى اعتماد أى يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس، وتحول بالتالى ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم فى مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن. أما عن الحركة النسائية فى مصر، فتعتبر أقدم حركة نسوية مُنظّمة فى العالم العربى.
تطوّرت هذه الحركة فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر حيث تم تأسيس أول منظمة نسائية غير حكومية فى 1891. وفى أعقاب ثورة 1919 التى شهدت مشاركة كبيرة من النساء فى التظاهرات التى اندلعت ضد الاستعمار البريطانى، أدركت المرأة المصرية مدى أهمية تلك اللحظة، وأصرّت على عدم هدر فرصة الحفاظ على حضورها وتوسيع نطاقه وتفاعله ضمن المجال العام، وتم تشكيل أول اتحاد نسائى فى عام 1923 وتم إصدار أول قانون يحدّد السن الأدنى للزواج (16 للنساء و18 للرجال) فى العام نفسه.
خلال النصف الأول من القرن العشرين الذى يُعتبر ذروة الحركة النسوية المصرية، استمرت النساء فى كسر الهيمنة الذكورية الحاضرة فى مجالات عدّة، وذلك عندما صارت المرأة أستاذة فى الجامعة وطيّارة وطبيبة ومهندسة ورئيسة نقابة وعالمة فيزياء ذرية ووزيرة. ولا حاجة لذكر أن المرأة المصرية كانت الأولى فى البلاد العربية التى يتم انتخابها فى البرلمان وذلك فى عام .1957.
وحديثا أنشأت الدولة المجلس الوطنى للمرأة الذى لعب دورًا محوريًا فى تطوير التشريعات الجديدة لصالح النساء مثل تعديل قوانين الأحوال الشخصية، وكذلك تم تجريم (الختان والتشوية)، ورفع الحد الأدنى لسن الزواج من 16 إلى 18، ومنح المرأة الحق فى إعطاء جنسيتها لأبنائها إذا لم تكن متزوجة من مصرى. ونحن الآن فى القرن الحادى والعشرين، والعالم ينطلق نحو آفاق فى العلم والفن ونظريات المعرفة والسلوك والقيم المادية والروحية على حد سواء، فالمرأة العربية هى نصف العالم العربى عددًا، عقولًا وأرواحًا، ولا بد أن يكون لها دورها فى تشكيل عالم أفضل فى القرن الواحد والعشرين، عالم أكثر عدلًا وحريةً وحُبًّا وتعاوُنًا.