الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«جت سليمة».. إحياء عالم الأساطير فى نسخة معاصرة

«جت سليمة».. إحياء عالم الأساطير فى نسخة معاصرة

فتحت دنيا سمير غانم صفحة جديدة مع عالم الحواديت؛ لتعيد وتصالح الجمهور بعمل فنى أقرب إلى ألف ليلة وليلة فى أوهامه وخيالاته من الدراما التقليدية؛ منذ سنوات ويخشى الإنتاج خوض هذه التجارب الشاقة؛ التى تتطلب حرفة أخرى ومستوى مختلفًا من الصناعة الشكلية فى الهيئة والإبهار؛ كيف يتمكن المنتج من إعادة الثقة للجمهور لمتابعة أعمال تحمل سياق الحلم والحواديت ويعيد له نفس الشغف الذى سبق وأن صنعته ليالى ألف ليلة وليلة فى زمن مضى؛ أقدم معها محمد أحمد السبكى على هذه التجربة واثقا فى البطلة وبإمكانياته؛ قدما عملا فنيا بإنتاج ضخم أعادنا إلى هذه العوالم بقلوب مطمئنة ونفس تواقة لها من جديد؛ صممت هذه العوالم والممالك الخيالية دون أن يغفل صناعها تفاصيل المكان والزمان من ملابس وديكورات جاءت عاكسة لخلفيته الخيالية فى أروع وأبهى أشكالها بداية من أرض النعام إلى مملكة الورد وسيدة الأنوف.



    «جت سليمة»..قد يصنفه البعض تصنيفا عمريا أقرب للأعمال الموجهة للأطفال لما يحمله من حواديت وخرافة وقصص تحمل قيمًا موجهة للطفل بشكل كبير مثل قصة «سندريللا» التى تأسست عليها قصة العمل من بدايته.. «سليمة» نموذج سندريللا بالعصر الحديث؛ فتاة تحيا مع زوجة أبيها التى قررت أن تعنفها وتستعبدها وتجعل منها خادمة لها ولبناتها؛ بينما هى فتاة مثقفة تمتلك مكتبة ورثتها عن والدها لكنها ضعيفة الشخصية مسالمة تخشى المواجهة واتخاذ القرار حتى ولو كانت تلك القرارات التى أكرهت عليها ستدمر حياتها؛ تتلاشى المشاكل من أجل العيش فى أمان؛ تتصور سليمة أن هذا النموذج من الحياة الكريهة سيضمن لها الأمان؛ لكنها عن طريق المصادفة تبدأ فى قراءة حدوتة لأخيها الصغير من أحد الكتب القديمة التى حصلت عليها بالمكتبة؛ تظهر لها بومة على طرف النافذة ومن ريشة هذا الطائر الجميل الذى تتفاءل به البطلة يسحبها الكتاب إلى عالمه السحرى لتنتقل وننتقل معها من عالمها الاعتيادى الآمن إلى عالم الخيال والأساطير.

تذهب سليمة مع أخيها عمر إلى «أرض النعام» وتظل محتفظة بهيئتها ولغتها المعاصرة حتى حقيبتها وهاتفها المحمول ظل معها حتى نهاية الرحلة؛ تسير البطلة إلى العالم الذى تم استدعاؤها إليه لتعيش فيه مغامرات وتحديات بين عوالم مختلفة وممالك متصارعة فى أرض النعام ومملكة الورد ومملكة الرمال؛ يتوه أخوها ومن هنا تبدأ مغامراتها وجرأتها فى مواجهة المخاطر التى تعرضت لها؛ لتعيد اكتشاف نفسها فى هذه الرحلة والمغامرة الخيالية حتى تعود إلى عالمها المعاصر محملة بحكمة المغامرة والتجربة التى منحتها القوة والجرأة على المواجهة بطرد زوجة أبيها ورفض بيع المكتبة والتخلص من خطبتها الكريهة.

بين الكوميديا والسباحة فى عالم الأساطير والمغامرات الخيالية أخذتنا دنيا سمير غانم والمخرج إسلام خيرى مع أبطال العمل إلى نوع آخر جديد على الدراما يداعب خيال الأطفال ويمتع شغف الكبار؛ شكلت دنيا مع محمد سلام الذى لعب دور المرشد الروحى لها فى هذه المغامرة ثنائى ونموذج فنى قوى لتردد البطل وخوفه من خوض المغامرة ومرشد البطل الروحى الذى يدفعه إلى خوض تلك المغامرة؛ لعب الاثنان بمهارة واحتراف كبير ليثبت سلام أقدامه ليس فقط ككوميديان له مذاق خاص فى لعب الكوميديا وأسلوبه المميز دائما بينما هو أيضا ممثل يجيد لعب كل الأدوار فى أشكال وأزمنة مختلفة؛ بجانب حضور دنيا وخفة روحها وحركتها فى التمثيل والغناء والاستعراض تحيى نموذج الفنانة الاستعراضية الشاملة صاحبة الألف وجه والأجدر والأحق بتقديم هذه النوعية من الأعمال لأعوام مقبلة؛ أتقن كل فرد فى العمل حرفته إلا من الوعى بالزمن واللغة؛ فقد أغفل الكتاب الاهتمام بصياغة لغة ملائمة للعالم الخيالى الذى انتقلت إليه سليمة؛ لم تتبدل كثيرًا اللغة بين أصحاب هذا العالم بتبدل الأزمنة؛ هناك فارق جوهرى بين العالم المعاصر الذى جاءت منه البطلة وبين العالم الخيالى الذى تم استدعاؤها إليه؛ النقلة بين العالمين تبدلت فى الصورة الملابس والديكورات والمكياج وأشكال الناس المختلفة وهيئتهم الغريبة؛ بينما فى صياغة الحوار بين أبطال أرض النعام أو مملكة الورد والرمال لم ينتظم دائما الحوار بصيغة كتبت على نغمة واحدة؛ وكأنهم من نفس عالم سليمة ربما الوحيدة التى أتقن فريق الكتابة صياغة حوارها وألفاظها أم العريف «العرافة» الفنانة سلوى محمد على التى أبدعت فى أداء دورها على مستوى التمثيل والهيئة الشكلية وكذلك كانت الأكثر تميزا بلغتها وتعويذها الأقرب إلى عالم السحرة والمشعوذين.

رغم أزمة إتقان صياغة لغة مناسبة لهذا العالم فى مواضع كثيرة إلا أن المسلسل نجح بتضافر كل عناصره الفنية حتى أن تميزه بدأ من تصميم التتر المحاكى لعالم فوازير رمضان فى الاستعراضات وكتابة الأغانى للشاعر أيمن بهجت قمر وألحان عمرو مصطفى؛ ترك الإثنان بصمتهما الكبرى فى العمل بالكامل بالأغانى التى تضمنها طبقا للمواقف التى تعرضت لها سليمة بأرض النعام؛ عندما تورطت بالغناء فى فرح بنت السلطان لإنقاذ أخيها مزج الشاعر أيمن بهجت قمر فى هذه الأغنية بين التركى والعربى وكانت من بين الأغانى المميزة غناء وألحان واستعراض وكذلك أغانى «مش محتاجة حد»؛ «الجمال معاملة»؛ «محظوظة بأصحابي» ليسجل «جت سليمة» إحياء مكتمل الأركان لعالم ألف ليلة وليلة فى نسخة معاصرة!