الأحد 28 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وعسى أن تحبوا شيئًا

وعسى أن تحبوا شيئًا

فى الجزء الثانى من الآية 216 من سورة البقرة يقول المولى عز وجل «وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ» وذلك بعد الجزء الأول الذى يقول «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»، ثم يختتم الآية قائلًا «وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، أى أن معرفة الخير من الشرالحقيقيين ليسا كما يظهران أو كما يعتقد الإنسان دائمًا، ففى أحوال كثيرة تحدث أمور يعتبرها البشر من الشرور وذلك فى ظاهرها، أما باطنها فإنه الخير والخير كله، والعكس صحيح أيضا، فكم من الأمور التى تبدو خيرًا ولكنها ليست كذلك.



والحقيقة أننا لا نهمل شطرى الآية بنفس الاعتبار والتسليم، ربما نميل أكثر إلى أن الشر فى باطنه خير وذلك على سبيل التسرية أو التقبل، أما الشطر الثانى فإننا فى الغالب لا نعامله نفس المعاملة، فكيف يكون ما نحب هو شر لنا، كيف تكون الصحة ويكون النجاح والمال والمنصب وحب الناس-الظاهرى- من الشرور، هذا أمر يصعب على النفس استيعابه، ربما لأن الخير يرتبط بمعان أخرى منها أن الخير دلالة على رضا الله وهو حقيقى بالطبع و لكن ليس فى كل الحالات كما نعتقد.

يسير هذا المعنى مع إحساس الإنسان واستقباله لأمور كثيرة تمر به و يتاثر بها مثل أمر الرزق والمثال على هذا يأتى فى سورة الفجر فى الآية 15 «فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ» حيث يعتقد الإنسان أن اتساع الرزق هو من باب تكريم الله له دائمًا كما أن من يضيق رزقه يعتقد أن ما يمر به هو نوع من أنواع الإهانة دائمًا أيضا وذلك كما جاء فى الآية 16 من نفس السورة «وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَهَانَنِ» ومن هنا تأتى أول كلمة فى الآية التالية لتنفى هذا الاعتقاد حيث يقول المولى على وجل «كلا»، أى أن الأمر ليس كما يبدو أو ليس كما فهمه الإنسان وخاصة أن الآيتين السابقتين بدأتا بلفظ «الابتلاء» أى أن توسعة الرزق أو تضييقه هما نوعان من أنواع الابتلاء أى الاختبار.

الأمثلة على هذا الأمر كثيرة أيضا منها القصة الشهيرة للصحابى ثعلبة بن حاطب الأنصارى الذى أتى مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم سائلًا إياه أن يدعو له الله أن يرزقه مالا وفيرا فكان رد النبى الكريم عليه أن قال له «ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه» وهو ما دفعه للانصراف، إلا أنه كرر السؤال عدة مرات تالية حتى دعا له فى النهاية قائلًا «اللهم ارزق ثعلبة مالا» ومنذ تلك اللحظة أخذ رزقه فى الاتساع حتى إنه كان يربى غنمًا قيل إن غنم ثعلبة ينمو كما ينمو الدود من كثرته وهو ما زاد من مشاغله حتى إنه ترك صلاة الجماعة ماعدا صلاة الجمعة وهى التى تركها بعد ذلك وانقطع عن المسجد تماما، ثم انقطع عن دفع الصدقة و الزكاة ووصفها بالجزية حتى انتقل رسول الله الى جوار ربه واستمر الخلفاء الراشدين من بعده فى عدم قبول ما عرضه ثعلبة من مال حتى مات فى عهد عثمان.