الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ناثان دوس: منحوتاتى تنتصر للإنسان والفكرة همى الأول

حوار - أحمــد رزق



من عمق أرض مصر، ومن قرية بتل العمارنة بمحافظة المنيا خرج ناثان دوس محملًا بأصالة بلد ذى حضارة ممتدة وكواحد من أبرز الموهوبين فى جيل التسعينيات حمل على كتفيه هموم فن النحت وبجهد واعِ وفكر متحرر واصل الماضى بالحاضر، فأعماله ومن أول مواجهة لها تنبئك بعلو هذا الفن ولأن مشواره الفنى ملىء بالزخم والتنوع الفنى والثقافى كان هذا الحوار:

■ كيف تشكلت تجاربك الفنية؟

- فى تجربتى الفنية مراحل مختلفة تشكلت فى محاور أعمل عليها فى فترة كنت أشتغل على الدين والواقع السياسى وقراءة الأدب والفلسفة، الفترة الأخيرة اختزلت أعمالى لصالح الإنسان فانحزت لقضاياه من فشل وتعب وانكسار وانتصرت لأحلامه ونجاحه واهتمامى به أكثر من التركيز على الدين أو أى أيديولوجية.

الدين كان أحد المصادر المهمة لكن الآن أنحاز للإنسان ولإرادته وقوته، فالفن الذى يخدم أيديولوجية معينة فن مؤدلج، لا يتم الاهتمام به، والفن الذى يخدم الإنسان فن باقٍ.. فمثلا تمثال صلب المسيح - وهو رمز غير مباشر - مصلوب بدون صليب بين السماء والأرض أسيراً للبطولة فالإنسان معلق بينها مشدود للأرض بشهواته وملذاته وتواق للسماء بالروحانيات وطلبا للنجاة.

■ تمثال د.مجدى يعقوب أثار الاهتمام كيف جاءت فكرته؟

- قبل الحديث عن تمثال د.مجدى يعقوب يجب أن أذكر أننى شرفت وجيلى جيل التسعينيات بوجود سمبوزيوم النحت الدولى بأسوان بداية من عام 96 على يد فناننا الكبير آدم حنين ووصوله الآن للدورة الـ27، ومن خلاله خرج أجيال من النحاتين يجيدون استخدام الخامات الصلبة، وشرفت فى دورتى الـ25، والـ26 والتى كانت مهداة للفنان آدم حنين أن أكون القومسيير بعد وفاته، وأقمت له تمثالًا بطول 2متر و70سم بالجرانيت الأحمر بجانب عملى كقومسيير وبعد أن شاهد محافظ أسوان التمثال طلب منى عمل تمثال للدكتور مجدى يعقوب أما عن التمثال فهو كونسبت تنويرى البورتريه فى قمة مسلة بسمو بازع وعالٍ كالنخيل وأسفله أربع نوافذ متقاطعة تمثل شهرة الرجل وانفتاحه على العالم، والخيط الضعيف المعلق به القلب هو الأمل للمريض والحب المتعلق لمن يحبونه لبلوغ الشفاء على يديه، والشمعة الموقدة كالشمعة فى الكنيسة توقد للعلماء ؛لرفع الألم وخامات التمثال مختلفة فالبورتريه والمسلة جرانيت أسوان، أما القلب فجرانيت مختلف “جرانيت الغردقة” وهو أحمر مائل للبنى فهو أقرب للون القلب فعلًا.

■ يقودنا اختلاف الخامات للتطعيم واستخدام الخامات المختلفة فى العمل الواحد ومدى الاستفادة من تنوع مصادر الخامة؟

- التطعيم قديم قدم الحضارة البرونز والحجر استخدم قديمًا والفكرة تقود الخامة مثل تجربتى «عارضات الأزياء» الأطراف، والبورتريه من البرونز والجسد من الرخام ؛فالتطعيم عندى له معنى، وفكرة، وهدف غير مفتعل وجملة فى مكانها.

وخلال تجربتى الممتدة عبر ربع قرن فقد خضت مرحلتين الأولى تجاوزت 10 سنوات، وكنت أتعامل مع الحجر، ثم 8 سنوات متصلة مع خامة البرونز، والآن أخلط تجربتى بالتطعيم المخلوط بينها، وهناك أعمال تحتاج للحجر، وأخرى تريد البرونز؛ فالفكرة تنادى على الخامة.. وأدوات العمل متغيرة؛ فالحجر أدواته مختلفة والبرونز أسبك أعمالى بنفسى.

■ بمناسبة البرونز لك أعمال دقيقة يصعب تنفيذها.. فما هى تجربتك مع مسبك البرونز؟

- نعم هذا صحيح، فأنا أسبك أعمالى داخل المسبك الخاص بى والذى أقمته بعد رحلة مشاهدة للمسابك فى مختلف دول العالم حتى من خلال اطلاعى على «الإنترنت» قمت بتجارب مختلفة حتى أقمت مسبكى الخاص ورغم دراستى الأكاديمية، فأنا أنصح الشباب والطلبة الذين لم يلتحقوا بكليات الفنون ولديهم الموهبة أن يشاهدوا تجارب الآخرين على «الإنترنت» و«جوجل» جامعة مفتوحة للجميع، فالتكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين فتشاهد من خلال تجارب الآخرين وعلى جانب آخر يصيبنا بالكسل المعرفى وعدم الاجتهاد للوصول للمعلومة.

■ واضح من بعض أعمالك تأثرك بالدين.. فما مدى ذلك التأثر على أعمالك؟

- هذا صحيح فنشأتى دينية حتى أن والدى أرادنى قسيسًا، ولكن دراستى للفنون غيرت مسار حياتى ولكن فكرة الدين تؤسرنا فى كل النواحى والمواضيع الحياتية، وأحيانا يكون الدين مصدرًا لجهلنا وتعاستنا، حرمانية النحت إشكالية كبيرة فقد حرّمته الديانات المختلفة كلها فالمؤسسة الدينية تريده خادمًا لها، والنحت لم يتحرر إلا بعد خروجه من المعبد إلى الجاليرى.. والفن عظيم والنحت موهبة يضعها الخالق فى الإنسان، وهو فن متأصل ففى الفترات القديمة الكل كان يمارس النحت.. والحقيقة أننا قد تراجعنا عن فكرة التحريم بعد أن أدركنا أن الفنون لها أثر عظيم على الإنسان ؛فالإنسان الموهوب أكثر اتزانًا والفن يثرى الحضارة والموهبة تثرى الإبداع.

■ هل مر النحت المصرى بمراحل على مدى تاريخه القريب؟

- فترة مختار كانت أفضل حالِ من حالتنا الراهنة كنا أكثر ليبرالية وكان هناك مشروع قومى نعمل عليه وارتفعت قيمة الفنون.. وبعد ذلك ومع انتشار النعرات الدينية هجر الطلبة أقسام النحت بكليات الفنون.. الحرمانية الآن لا يؤيدها المنطق ؛لأن العقيدة تمكنت فى القلوب وكلنا مدركون لذلك، والدراسات الدينية الآن تؤيد ذلك فلا يوجد عاقل لا يفرق بين التمثال وما يعبد فترة التحريم الأولى كانت بعد خروج الناس من فترات وثنية، وما أحوجنا الآن لعقلية دينية تتصدى لكل هذه الأفكار.

■ هل نريد بالضرورة مشروعًا قوميًا للارتقاء بالفنون؟

- لاشك أننا نرى مشروعًا قوميًا ضخمًا «العاصمة الإدارية الجديدة».. ولكن أين نصيب الفنون والأعمال الميدانية منها يجب أن تكون هناك مساحات كبيرة لذلك.

■ هل لدينا نحاتون على قدر مسئولية مثل هذه الأعمال؟

- لدينا نحاتون عندهم رؤية تمكنهم من ذلك وتكليفهم، حتى لو بالأمر المباشر والمنوط بهذا التكليف الحكومة والوزراء والمحافظين ورؤساء الأحياء وأن تكون رؤيتهم واحدة.. نحن نبدو كدولة مؤسسات، ولكن الواقع أن الكل يعمل باتجاه.. ولكن أولًا هل لدينا ثقافة الأعمال الميدانية.. لدينا تجربة رائدة لم تشهد غيرها وهى «مشروع ميدان الجلاء» للفنان حسن كامل لتمثال طه حسين ولكن تجربة لم تتكرر، وعلى وزارة الثقافة تكليف الفنانين الكبار نظرًا لأعمالهم وتاريخهم الفنى وتكليف لجنة وطنية لاختيار الأعمال بعيدًا عن الواسطة والشللية و«الكوبي».

■ كيف ترتقى بالإنسان المصرى من خلال الفنون؟

- الزيارات الميدانية للمعارض والمساجد والكنائس زيارات مهمة لتنمية المهارات والثقافة الفنية للشباب والتأثير فى رؤيتهم واختياراتهم فى الاقتناء فالإبداع له سمات مختلفة فعليهم رؤية ما هو جديد أمام المنحوتة أو العمل الفنى.

عن نفسى فأنا لدى مريدون يترددون على الأتيلييه سواء طلبة أو مهتمين بالفنون وكثير خرج من ورشتى.. ودائمًا أقول للجيل الحالى أنهم أكثر حظًا فلديهم غنى بصرى متاح من خلال التكنولوجيا الحديثة وفى نفس الوقت أحذرهم من فقدهم لنعمة السعى والشغف.

■ وهل جيلك أقل حظًا من الجيل الحالى؟

- أنا محظوظ لأننى ابن الريف، فالبيت الريفى نصفه يعيش فيه الإنسان والنصف الآخر للحيوانات والطيور وأمامك زراعات ممتدة، فعلاقتى بالزرع والحيوان والحشرات علاقة وثيقة، فأنا أتعايش مع متحف حيوان مفتوح وفى أعمالى لا أحتاج لتشريح الحيوان أو الطير فأنا أعلم جميع أطواره المختلفة.. وأنا مثل الفلاح أنتظر نمو وتطور عملى الفنى وأعمل على الفكرة وهذا هو همى الأول.