عصام عبد الجواد
الانتصار العظيم
بالرغم من مرور 50 عامًا بالتمام والكمال على حرب أكتوبر 1973، فإنها ما زالت محفورة فى ذاكرة التاريخ العسكرى كأعظم الحروب وأهمها على الإطلاق، ولعل الأجيال الجديدة من الشعب المصرى التى لم تعش هذه الفترة، بدءًا من هزيمة حرب 1967 التى استولت فيها إسرائيل على شبه جزيرة سيناء بالكامل، ورفعت أعلامها على الضفة الشرقية لقناة السويس، وتوقف حركة الملاحة والتى استمرت مدة ست سنوات، حقق فيها الشعب المصرى العظيم إعجازًا عسكريًا ما زال حتى الآن يدرس فى المدارس العسكرية فى العديد من دول العالم، وكيف أن الجيش المصرى العظيم استطاع أن يقضى على مقولة: إن خط بارليف الحاجز المنيع لا يقهر، ولن يستطيع الجيش المصرى الاقتراب منه، وإلا سيتعرض لجهنم الحمراء، فما كان من أبطال مصر إلا تحطيم هذا المانع الحصين فى ست ساعات فقط، وتحطيم مقولة الجيش الذى لا يقهر، مما جعل العدو الإسرائيلى يشعر بحالة انكسار كبيرة، جعلت قادته فى حالة انهيار كامل، ليس وقت الحرب فقط بل طوال سنوات عديدة ،وحتى الآن عندما يتذكر أى إسرائيلى من الأجيال التى عاصرت حرب أكتوبر المجيدة فهو يشعر بحالة حزن شديدة، وتملأ عيونه الدموع من شدة ما حدث.
كان من نتائج حرب أكتوبر وانتصاراته أن تغير شكل المعركة والصراع مع العدو الإسرائيلى، ليس على المستوى العسكرى فقط، بل على المستوى السياسى بعد أن تغير شكل الصراع فى منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كان أشبه بالرجل المريض، فى ظل وقوف الدول الكبرى وموافقتها على الحالة الموجودة وقتها وهى حالة «اللا حرب واللا سلم» القائمة بين الدول العربية وبين إسرائيل.
والواقع يقول: إن القوات المسلحة المصرية وجموع الشعب المصرى بدأت تستعد للانتصار العظيم فور هزيمة 67 بعد أن أعادت القوات المسلحة المصرية تنظيم قواتها،وظهر واضحًا تماسك الجبهة الداخلية للبلاد، وأصبح كل هم المصريين الأخذ بالثأر من العدو الصهيونى، واستطاعت القوات المسلحة المصرية أن ترفع الروح المعنوية لجنودها، وللشعب المصرى كله خلال حرب الاستنزاف التى بدأت عقب هزيمة 67 وحققت مجموعة نجاحات ضد العدو جعلت كل المصريين فى حالة نفسية ومعنوية مرتفعة تنتظر هذا النصر العظيم الذى تشكل فى 1973 بتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر وتحطيم خط بارليف المنيع وضرب 90٪ من مطارات الجيش الإسرائيلى فى أول ضربة جوية للطيران المصرى، مما دفع قادة إسرائيل للاستنجاد بالأمريكان حتى يخرجوهم من هذه الورطة التى لم يكن يتوقعها أحد منهم وبدأ البكاء والعويل فى إسرائيل من شدة الصدمة التى جعلتهم يعيشون فى خنادق تحت الأرض لشهور طويلة خوفًا من هجوم الجيش المصرى عليهم فى منازلهم.
حرب أكتوبر العظيمة لم تكن حربًا عادية، ولم يكن انتصارًا عاديًا، بل كان إنجازًا لم يسبق له إنجاز فى التاريخ، ولم يكن تحطيم خط برليف هو تحطيم لحاجز مائى أو ساتر ترابى، بل كان تحطيمًا للظلم والقهر والخوف، والانطلاق نحو العزة والكرامة والنصر العظيم، حفظ الله مصر وشعبها وقياداتها وأدام الله علينا انتصاراتنا وأفراحنا.