الأربعاء 17 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع

ليـــل

الأعمال للفنان: وجيه يسى



يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]

 

ليـــل

 

قصة قصيرة

 

كتبتها - سوزان كمال  

 

كان صوتى وحيدًا، باردًا وخائفًا

 

ببطء أمشي، أجرجر عظامى نحو الباب، أعرف تلك الدقات جيدًا، يخفق قلبى النحيل، أنظر للساعة المعلقة على الحائط، ثلاث دقائق قبل الثانية، مظلم بيتى والليل قاسٍ..

أعرف تلك الطرقات جيدًا ..

أريد أن أعود إلى حجرتي، أهندم ثيابى، بيجامة نومى البنية التى تحبها، لا أقوى على الرجوع، وأخشى أن أتأخر عليها فترحل..

أفتح الباب، أتطلع إليها، بصعوبة أتنفس، يخفق قلبى خفقات سريعة..

أنظر إليها، أريد أن أملأ رئتيّ بوجهها..

أحاول أن ابتسم لكنها للمرة الأولى لا تبادلنى الابتسام..

أقول لها بصوت متهدج، كسير، ومهدود: إننى متعب ومريض صدقينى!

أتكلم وتصمت، تبكى، تلقى برأسها على صدرى يمامة طيبة مسالمة..

لا أقوى على رفع يدىّ لاحتضانها، أكتفى بتمتمات ودموع..

تسحبنى من يدى لنجلس على أريكتنا، تفتح النافذة، أنظر إلى المدينة التى يسيل دمعها..

أحاول أن أعتذر، تشير إلى فمى أن اصمت..

أعرف أنها تضمر الكثير والكثير من الحكايا لكنى أسكت..

بهدوء تتجه إلى المطبخ لتصنع لنا كوبان من القهوة مع اللبن، بينما ببطء أذهب إلى الحمام، أغسل وجهى كثيرًا كى أتأكد تمامًا أننى لست أحلم..

تضع القهوة على الطاولة، أفتح درج مكتبي، أُخرج قطعة شيكولاتة، أفتحها، أضعها فى كوبها كما تحب، تبتسم، تنير ابتسامتها وجهها، أفرح..

يا الله، ما زلت أستطيع الفرح!

تلومنى أن تركت شرفتى متربة هكذا، أنظر للشرفة أرى المدينة التى تضحك شوارعها وبناياتها..

أجلس قريبًا منها، محيطًا رأسى بيدىّ، تدنو، تفك تشابك كفيّ، تقبل رأسى وأقبل يديها..

تقول وهى تلمس لحيتى المبعثرة على وجهى: هل تعرف أننى أعرف ولدا وسيما، بوجه حليق..

جاد هو جدًا وقت الجد، وشديد خفة الظل حين نأنس ونتسامر، كنا على أريكة واحدة نقرأ، نكتب، نأكل، نفتعل غضبات مزيفة لنستمتع بصلح أبيض لذيذ، ونبتدأ الحب..

تهمس كأنها تكلم نفسها: لم أتوقف عن حبك!

_ ولا أنا..

تحكى وأحكى، كلانا يتكلم، تتداخل أصواتنا، وهى معى وأنا معها، ظمآنين كنا، نبحث عن الارتواء..

نضحك، تتناثر الضحكات وتبقى معلقة بسقف اللحظات التى نتشبث بها صغيران، فرحان..

بسرعة تمر الساعات، ضوء الصباح يتخلل بيتى لأول مرة منذ شهور طالت وتوقفت عن عدها..

تقول:  أنا جائعة

_ البيت خال من أى طعام..

أرتدى ملابسى بسرعة، تمسك بيدى كطفلة، ثم تتراجع..

اذهب انت اشترى لنا إفطارا ولا تتأخر..

أهبط درجات السلم تائهًا، هائمًا وسعيدًا..

تفاجئنى لفحة الهواء الباردة، والشارع المظلم إلا من ضوء مصباح على ناصيته، والمحلات المغلقة، والليل..

أصعد حائرًا، أنظر للساعة المعلقة على الحائط، وقد تجاوزت الثانية بخمس دقائق..