الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من حفظ الآثار لـالتنسيق الحضارى

التراث المعمارى المصرى فى حماية حراس الحضارة

شهد عام 2001 م وضع اللبنة الأولى لجهاز التنسيق الحضارى، وذلك بصدور القرار الجمهورى بإنشائه عام 2001 م ، حيث تم افتتاح مقره بالقلعة فى أغسطس 2004م، بهدف إعادة القيم الجمالية للمدن المصرية، ومن ضمن مهام جهاز التنسيق الحضارى إعداد قاعدة بيانات شاملة لجميع المبانى التراثية ذات الطابع المميز بجميع محافظات الجمهورية، والتى يقوم بتسجيلها الجهاز عبر لجان الحصر التابعة له بالمحافظات، حيث يعد الدور الذى يقوم به الجهاز بمثابة امتداد لدور لجنة حفظ الآثار العربية فى الحفاظ على المحيط العمرانى والفراغات العامة لمناطق القاهرة القديمة.



المهندس محمد أبوسعدة: «التنسيق الحضارى» مهمته حماية إرث الماضى والمستقبل وسجلنا 7500 مبنى حتى الآن

يقوم الجهاز بدوره المنوط به فى مناطق القاهرة التاريخية والقاهرة الخديوية، وذلك بوضع خرائط لحدود تلك المناطق الخاضعة للحماية وكذلك الاشتراطات الخاصة بأعمال الحفاظ على المبانى ذات القيمة المعمارية المميزة ، مع عمل قاعدة بيانات لكل مبنى مسجل على القائمة يشمل الطراز المعمارى وتوصيف كامل لكل عناصر المبنى، ويعتبر بمثابة أرشيف وطنى للمبانى ذات الطراز المعمارى المتميز بكل محافظات الجمهورية.

وفى هذا السياق قال المهندس محمد أبوسعدة رئيس جهاز التنسيق الحضارى إنه فى القاهرة بعض المناطق نسيجها العمرانى نفسه يستحق الحفاظ ، مثل القاهرة الخديوية والتاريخية ومصر الجديدة والمعادى وجاردن سيتى، وخارج القاهرة هناك مدن مثل وبور فؤاد والإسكندرية القديمة، وقد سجلنا مؤخرا مدينة رشيد كى نحافظ على النسيج العمرانى الذى يشكل هذه المدينة، وذلك بتشريعات وقوانين تحميها.

وتابع أبو سعدة فى تصريحات لروز اليوسف: نحن لا نتعامل على الأثر كأثر،ولكننا نتعامل على انه مبنى ذى طابع مميز، وكل عمارات القاهرة الخديوية ملك أفراد ومؤسسات، وتسجيلنا لها لا يمنع حق الملكية أو التصرف فى العقار، لكننا نحظر الهدم نتيجة مستوى تصنيف المبنى ومستوى الخبراء واللجان الذين يسجلونه ، فهم من يحددون هل المبنى يعاد توظيفه من الداخل؟، وهل أحافظ عليه لواجهته الخارجية فقط أم لا؟، وهل يمكن تغيير بعض التفاصيل الداخلية كى نعيد استخدامه دون أن يؤثر ذلك على شكله مع محيط عمرانه الخارجى؟، كل هذه النقاط تضعها اللجان العلمية التى تسجل وبناء عليها يتحدد تصنيف المبنى، والقانون سمح أنه كوننا نسجل بلجان علمية فقد تكون هناك رؤى أخرى للجان اخري،ونتيجة ان معظم العقارات هى ملكية فردية لأفراد فمن حق المالك أن يتظلم من قرار التسجيل ومنعه من التصرف، ومن حقه طلب لجنة أخرى تعاين المبنى وتبدى رأيها، وبعد هذه اللجنة من حق مالك العقار او المبنى أن يلجأ للقضاء، ويمكن فى هذه الحالة اذا ما قرر القضاء تشكيل لجنة ثالثة، وكل هذه الخطوات الهدف منها أن نحافظ على التراث المعمارى والعمرانى فى المدن المصرية بشكل عام.

وقال: تجاوزنا 7500 مبنى مسجل على مستوى الجمهورية وأنا فخور وسعيد أنا سجلنا هذا العدد من المبانى، والقاهرة الخديوية بمفردها فيها 750 مبنى مسجل طراز معمارى مميز، منها فى حى عابدين 33 عقارا و حى غرب القاهرة 110 عقارات، وفى الأزبكية 130 عقارا والموسكى 23 عقارا والسيدة زينب 157 عقارا، وهناك 175 عقارا مسجلا تم تطويره و40 عقارا غير مسجل تم تطويره ضمن العقارات التى تم تطويرها داخل نطاق أحياء القاهرة الخديوية.

وتابع المهندس محمد أبو سعدة: دورنا ليس السعى فقط لتسجيل العمران الذى تركته أجيال سابقة، بل نسعى أن يكون المعمار الذى يتم بناؤه حاليا فى مختلف المحافظات المصرية متسقا مع تراثنا عامة،لأن هذا المعمار الحالى هو ما يشكل تراث المستقبل، ولذلك حريصون على التواصل مع المهندسين وخريجى الكليات المعمارية والتخصصات المختلفة فى هذا الإطار،حتى يكونوا مدركين لهوية المدينة عامة وأهمية الحفاظ عليها وشخصيتها المعمارية والعمرانية، ولدينا لجان عدة تتجول فى المحافظات وتفحص وتسجل، ومخرجات ونتائج هذه اللجان نستخدمها فى عمل أرشيف معمارى وتراثى، ومن سيأتى بعدنا فى الجهاز سيستكمل ذلك ويضيف عليه.

وأكد على أنه من المهم جداً أن يدرك الجيل الحالى الذى يعمل فى العمارة وما يتصل بها فى مصر حاليا أنه بعد 100 سنة العمارة فى مصر كيف سيكون شكلها؟، فهذا هو تراثنا الذى يميزنا والبصمة الوراثية لتراثنا، حيث إنه ليست قضيتنا رصد ما سبق وتسجيله فقط بل الحفاظ على تراث المستقبل المعمارى والعمرانى وحماية الشخصية والهوية المصرية التى تميزه ، فهذا ما جعل المعماريين فى العالم كله ينظرون لعمارة المهندس الراحل حسن فتحى على أنها عمارة مصرية لها بصمة مختلفة، وهذا يتحقق ليس بعمل فردى من الجهاز بل التعاون مع كل الجهات المختصة والمتخصصة، حيث إننا جميعا يجب الحفاظ على تراثنا وحمايته، وقد قمنا بعمل كثير من المبادرات للحفاظ على ذاكرة هذا الوطن وتراثه، وأصدرنا كتبا كثيرة وموقعنا على الإنترنت وضعنا عليه كثيرا مما قمنا به من عمل، وعدة كتب من التى أصدرناها كانت عن المدن المصرية وأهميتها ، لنعرف الناس القيمة المعمارية لأماكن مثل الزمالك وغيرها، وضرورة أنها يجب لا تخضع لقانون البناء الموحد، ولكن تعامل معاملة خاصة لها شخصيتها التراثية.

وقال إن ذاكرة المدينة ليست بناء ومبانى فقط بل والبشر أيضا، وليست فى القاهرة فقط، بل لدينا فى باقى المحافظات مبانى لها قيمة معمارية كبيرة جدا نسعى للحفاظ عليها،وذلك تحت شعار وضعناه هو»معا نحمى تراث مصر»، وهو الشعار الذى نعنى به كل الجهات والمؤسسات فى مصر وليس جهاز التنسيق الحضارى وحده فقط ، وهذا لا يعنى أنه ليست هناك مبانى نفقدها وتعديات من البعض ومشاكل لهدم هذا التراث ، لذلك نحن نشجع على الاستثمار فى التراث دون الاضرار به.

وأضاف: نشجع على إعادة النظر فى التشريعات، وتغيير بعض القوانين كى نقدم حوافز لأصحاب هذه العقارات التراثية، بحيث ينظرون لقيمتها أكثر من فكرة هدمها لبناء مبنى آخر قد يكون له مردود اقتصادى، ودورنا كدولة ومؤسسات ان نساعد على ذلك لحماية تراثنا، بحيث نقوم بتحفيز الأفراد على كيفية الاستفادة من المبانى أفضل من هدمها، وتجربة القاهرة فى هذا الاطار جيدة ، حيث إن المبانى التراثية هى أعلى قيمة فى أى مكان بالعالم، وعندما تذهب الى أى دولة ستجد ان أغلى وأعلى مبانى من حيث القيمة ستجدها فى منطقة وسط البلد، وما يتم حالياً وبدأ منذ فترة فى وسط البلد بالقاهرة هو إعادة إحياء لقلب المدينة النابض بالتراث وقيمة العمران فى وسط البلد.

كان من سلطتها هدم وإزالة التعديات

لجنة حفظ الآثار العربية.. 70عامًا من حماية كنوز العمارة الإسلامية 

إذا كنت من محبى التراث والآثار خاصة الآثار الإسلامية فربما تكون سمعت أسمها ولا تعرف الكثير عنها، وقد تستغرب من أسمها وتتساءل عن مهمتها والدور الذى قامت به؟، إنها لجنة حفظ الآثار العربية، والتى بدأت فكرتها ضمن إطار حركة عالمية للحفاظ على المدن والمواقع التاريخية فى أوروبا خاصة فى فرنسا بعد الثورة الفرنسية، حيث أنشئت لجنة حفظ الآثار التاريخية فى باريس عام 1837م وجمعية حفظ الآثار القديمة فى انجلترا عام 1877م.

وفى مصر بدأت فكرة تأسيس لجنة تهتم بالآثار الإسلامية وعمران القاهرة القديم فى نهاية عصرالخديو إسماعيل، وذلك باقتراح من المعمارى المجرى أوجست سالزمان، الذى كان يعمل حينها فى وزارة الأوقاف، إلا أن التطورات السياسية السريعة فى نهاية عصر الخديو إسماعيل لم تتح له الفرصة لإصدار الفرمان، وانتهى الأمر بنفيه إلى اسطنبول وتولى نجله محمد توفيق أمر البلاد من بعده.

وقد أصدر الخديو توفيق فى 18 ديسمبر 1887 م قرارًا بتأسيس لجنة حفظ الآثار القديمة العربية، برئاسة ناظر عموم الأوقاف، وعضوية كل من مصطفى فهمى باشا ومحمود سامى باشا ومحمود بك الفلكى وإسماعيل بك الفلكي، وفرنس بك وروجرس بك وتيجران بك وعزت أفندى ويعقوب أفندى صبرى، ومسيو بوردى وعلى أفندى فهمي، وقد نالت اللجنة منذ إنشائها وتأسيسها رعاية واهتمام حكام مصرخاصة منذ عصر الخديو توفيق وابنه عباس حلمي، مرورًا بملوك وحكام مصر حتى عصر الملك فاروق.

وتلخصت المهام الرئيسية للجنة كما وردت فى فرمان أو قرار إنشائها، وهى جرد المنشآت المعمارية وتقدير قيمتها الفنية وأصلها العربى الإسلامى، وتصنيفها نوعيًا ما بين أماكن للعبادة»مساجد وزوايا وخنقاوات»، وأماكن تحقق عائدًا ماديًا وإيرادات»حمامات ووكالات»، ومنشآت تعليمية»مدارس وكتاتيب»، ومبان سكنية وغيرها، بالإضافة لذلك كانت مهام اللجنة تتضمن تجميع ما يخرج من القصور والمساجد من مشربيات وأسقف وقطع فنية، لتجمع فى المتحف أو ما كان يسمى حينها دار الآثار العربية.

وكان من الأدوار الرئيسية للجنة عملية تنظيم محيط المبانى الأثرية، هدم المبانى المواجهة للأثر «إزالة التعديات»، وفرض على الملاك المجاورين ردود يبلغ عرضها عدة أمتار» حرم الأثر»، مما يسهل عملية ملاحظة الحالة الإنشائية للأثر وترميمه، كما يسهل ذلك تأمين الأثر وعزله داخل النسيج العمرانى للمدينة، كما كان أيضًا من مهام لجنة حفظ الآثار العربية النظر فى الرسومات والتصميمات التى تعمل عن المرمات»الترميمات» اللازمة للآثار، وحفظ وتسجيل تلك الرسومات.

وشهدت عضوية لجنة حفظ الآثار العربية منذ بداية أعمالها عام 1881 م وحتى نهاية أعمالها فى 1954م العديد من التغييرات والتبديلات، مثل يوليوس فرانز كبير المعماريين فى وزارة الأوقاف، وماكس هرتز وعلى بهجت وإدوارد روجرز وإمبرواز بودرى وجول بورجان وهارى فارنول وماكس فان برشم، وعلى مبارك ويعقوب أرتين، وحسين فخرى ومصطفى فهمى وأحمد ذكى ومرقص سميكة مؤسس المتحف القبطي، وكريزول.

 ونتج عن أعمال اللجنة عدد 303 محاضر و919 تقريرًا، وذلك على مدار فترة عملها من عام 1881 م وحتى عام 1954 م، ونشرت هذه التقارير والمحاضر فيما يعرف بكراسات لجنة حفظ الآثار العربية، وعددها 40 مجلدًا باللغة الفرنسية مسلسلة ومرتبة حسب أعمال اللجنة كل سنة أو عدة سنوات فى كراسة منفصلة، وذيلت هذه الكراسات بالصور واللوحات والفهارس، ولوحات هندسية ورفع وتوثيق للمبانى الأثرية من مساقط أفقية وواجهات وزخارف الأسقف والحوائط والأرضيات الرخامية الملونة.

كما نتج عن أعمال لجنة حفظ الآثار العربية آلاف الصور الفوتوغرافية الثمينة على شرائح زجاجية، وهى ما تعرف بالسلبيات الزجاجية Negatives، وقد قام أعضاء اللجنة والعاملون بها خاصة إلياس إسكندر حكيم المترجم والمحرر باللجنة وعلى بهجت وكيل دار الآثار العربية بترجمة 26 كراسة إلى اللغة العربية ونشرها، وذلك فى الفترة من 1882 وحتى 1909م، وقام المجلس الأعلى للآثار مؤخرًا بترجمة 3 كراسات من خلال مركز تسجيل الآثار الإسلامية والقبطية، وذلك بالتنسيق مع إدارة النشر العلمى بوزارة الآثار.