عصام عبد الجواد
الحرب المجيدة (2)
ما يحدث فى غزة ولبنان من اعتداء سافر على أرضهم وشعبهم وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بغير تمييز من قبل العدو الصهيونى هو فى الحقيقة منهج حياة لدى هذه الدولة الغاشمة التى أحلت لنفسها قتل كل ما هو حى يمشى أو يعيش على ظهر الأرض فهى تحرق الأخضر واليابس وتهدم الرمل والحجر بلا أى وازع دينى أو ضمير ودون أن تحركها مشاعر إنسانية.
فطوال الـ6 سنوات هى الفترة ما بين حرب 1967 وحتى حرب 1973 المجيدة كانت إسرائيل تحاول بشتى الطرق كسر إرادة المصريين بعملياتها العسكرية من خلال غارات جوية استطاعت خلالها ضرب مدرسة بحر البقر الابتدائية وقتلت الأطفال فى فصولهم وأثناء تلقيهم دروسهم دون أى وازع من ضمير أو دين، الأمر الذى جعل الجيش المصرى والشعب المصرى كله فى حالة استنفار للأخذ بالثأر فكانت حرب الاستنزاف على هذا المحتل الغاشم وتكبد فى هذه الحرب ما لم يكن يتوقعه أو يتصوره حتى كانت إشارات الانطلاق حول تحرير الأرض فى 6 أكتوبر 1973 وعبور خط برليف الذى لا يقهر بعد أن صورت إسرائيل للعالم أجمع أنها أنشأت أقوى مانع حصين لا تستطيع حتى القنبلة الذرية أن تقضى عليه لكن إرادة المصريين وعزيمتهم حطمت أحلام العدو وجعلته لا يصدق بعد أن استخدم الجيش المصرى أبسط شىء فى تحطيم هذا المانع باستخدام مضخات المياه لإزالة تلال الرمال التى قامت إسرائيل برفعها على شط القناة واستطاعت إرادة المصريين أن توقف كميات المتفجرات التى وضعتها القوات المحتلة فى باطن قناة السويس والتى كان يمكن أن تحول مياه القناة إلى بركان منفجر.
هذه الحرب حرب أكتوبر المجيدة كانت وستظل حرب إرادة حرب تحرير حقيقى فإذا رجعنا إلى أيام الحرب نجد شيئًا غريبًا جدًا حيث ثبت من خلال محاضر أقسام الشرطة والنيابات أنه طوال أيام الحرب لم يسجل قسم شرطة واحد أو نيابة واحدة محضر سرقة أو محضر تعد أو خناقة بين جار وجاره أو أخ وأخيه والغريب أيضًا أن البعض أكد أن هذه الفترة لم تحدث فيها حالة طلاق بين المتزوجين وهو ما يدل على أن إرادة المصريين الشعب والجيش كانت يدًا واحدة فى مواجهة هذا العدو الغاشم وكانت إرادة المصريين قد استقر فى وجدانها أنه لا شيء غير الحرب والنصر المبين وعودة الأرض لأصحابها ونسى الجميع مشاكله وحتى السلع التموينية لم تختف من الأسواق ولم يشك مواطن واحد من نقص أى سلعة أو اختفائها ولم يقم أى تاجر باستغلال الموقف برفع الأسعار بل كان الكل على قلب رجل واحد لا يفكر فى نفسه أو فى عائلته بل الجميع يفكر فقط فى الجيش المصرى والانتصار الذى لا بد أن يتحقق حتى تحقق بالفعل بالارادة والعزيمة القوية والتفاف الجميع حول جيشه وقياداته.
ومنذ اليوم الأول للحرب قام الشباب والشيوخ وحتى بعض السيدات من تسليم أنفسهم للمستشفيات وللهلال الأحمر وغيرها من الجهات لخدمة الجيش سواء لخدمة المصابين أو التبرع بالدماء لدرجة أن البعض يقول إن أكبر حملة للتبرع بالدماء بدون دعاية مسبقة كانت فى هذه الأيام التى سارع فيها المصريون بالتبرع بدمائهم للمستشفيات والمراكز الطبية حتى لا يكون هناك نقص من أى نوع من أنواع الدماء.
مصر بلد عظيم وجيشها جيش عظيم وإذا اتحدت الإرادة فى كل الأشياء لا تستطيع أى قوة على وجه الأرض أن تقف فى وجههم.
البعض الآن وفى هذا التوقيت بالذات ينظر حوله على الحدود المصرية شرقًا وغربًا وجنوبًا كلها مشتعلة وكلها فى حالة حرب والبعض يضع يده على قلبه خوفًا من أن يطولنا ما يحدث فى تلك الأماكن لكن الحقيقة أن إرادة المصريين واتحادهم هى أقوى محطم لأى محاولة لادخال مصر فى أى صراع مهما كان وإذا كتب علينا القتال فنحن أهل له بوحدتنا وإرادتنا فنحن خير أجناد الأرض.
حفظ الله مصر وشعبها وقيادتها.