درجة على الخطوات
تختلف استراتيجية تصحيح الامتحانات وخاصة المواد الهندسية والرياضية من مصحح لآخر، فالبعض يرى أن أهم شيء أن تكون النتيجة النهائية للمسألة متطابقة مع النتيجة المعتمدة تماما وعليه فإن الطالب سيحصل على الدرجة النهائية فى حالة التطابق، وسيحصل على صفر كبير اذا كانت النتيجة غير ذلك، فيما يرى البعض الاخر من المصححين أن خطوات الحل التى اتبعها الطالب تستحق أن يحصل من خلالها على درجة أواكثر حتى وإن لم ينته الى النتيجة النهائة الصحيحة على اعتبار أن الخطوات السليمة أو شبه السليمة توضح كيف أن الطالب يفهم الموضوع، ويعرف الطريق اوالمسار أو الأسلوب الذى يجب أن يتم حل المسألة من خلاله بغض النظر عن مدى دقة الإجابة وأحيانا يتطرف أصحاب هذا المذهب بإعطاء درجة كبيرة تقترب من الدرجة النهائية فى حالة تطابق خطوات الحل من الخطوات النموذجية المطلوبة حتى وإن اختلفت النتيجة النهائية عن المطلوب.
معرفة خطوات الحل وسردها ومحاولة الوصول إلى النتيجة النهائية من خلالها هى الإشارة الأهم فى العملية التعليمية فهى تؤكد على درجة الفهم للموضوع فهما صحيحا فمن غير المعقول أن تكون الخطوات غير الصحيحة هى الطريق الى نتيجة سليمة ولا يمكن أن تعبر عن فهم سليم للمسألة.
أما فى عصر المعلومات فإن الأمور قد أصبحت اكثر خطورة، فالمعلومات كثيرة وأسلوب الحصول عليها فى غاية السهولة، مجرد جهاز حاسب أو تليفون ذكى متصل بشبكة الانترنت ومن خلال محركات البحث المنتشرة أو من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعى يستطيع المستخدم التعلم والاطلاع على أى موضوع اوحل اى مسألة، مجرد كلمات بسيطة يكتبها أو يهمس بها إلى هاتفه وخلال ثوان معدودة سيجد الإجابة النموذجية أو يجد الدراسة العلمية المطلوبة مكتوبة بأسلوب علمى رصين وهو ما يطرح اكثر من إشكالية فى علاقة الانسان بالعلم.
أول تلك الاشكاليات هو ضعف الذاكرة الإنسانية فعلى سبيل المثال يحدثنى أحد الأصدقاء عن ولع أبنائه بمصادر المعلومات المنتشرة على تلك الشبكة، ولع وصل الى درجة الايمان والتصديق بما ينشر من معلومات بصورة أكبر كثيرا من ايمانهم أو تصديقهم لما يقوله الاب من معلومات.
الإشكالية الثانية أن هؤلاء الأطفال يستطيعون الوصول إلى المعلومة فى ثوان معدودة ولكن للأسف إن حاول الاب إعادة السؤال عليهم بعد يوم او يومين لن يجد إجابة عالقة بأذهانهم بل سيجدهم يتجهون مرة أخرى إلى شبكة الانترنت لاستخراج المعلومة مرة أخرى.
هذا فى حالة المعلومات البسيطة أو العادية، أما فى حالة المعلومات المركبة أو المفاهيم المعقدة فإن الامر سيكون أخطر بكثير، حيث ستقل جدا قدرة الطالب على القيام بالعمليات العقلية الهامة مثل الفرز والمقارنة والتحليل وقياس المميزات والعيوب ومن ثم الوصول الى نتيجة أو قرار، ولذلك فإننى اعتقد أن أسلوب إعطاء الدرجة الكلية على الخطوات يجب أن يكون هو أسلوب التقييم فى المستقبل شريطة أن يتم ذلك فى غياب الاتصال بتلك الشبكات أو استخدامها فى اضيق الحدود على احسن تقدير.