الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أبناء آخر زمن

أبناء آخر زمن

فى الأسبوع الماضى، وأثناء عودتى إلى المنزل، وفى أحد الشوارع الجانبية، وجدت تجمعًا لعدد من المواطنين، لا أعرف منهم إلا شخصًا واحدًا فهو من المنطقة القريبة من مقر سكنى، فاقتربت منه، وسألت عن سبب التجمع فى هذا المكان، فوجدته يبادرنى بأنه يريد مني مبلغًا من المال لشراء كفن لسيدة توفيت فى العمارة التى يقفون أمامها، رغم أن العمارة برج ضخم، وتعد من العمارات المعروفة فى المنطقة بأن قاطنيها من أصحاب الحال الميسور، فسألته ولماذا ونحن نعرف جميعًا أن قاطنى هذه العمارة من ميسورى الحال، فرد عليّ: إن هذه السيدة توفى زوجها وترك لها ابنًا واحدًا فقط كان قد استولى على أموال أبيه قبل موته، وغافل والدته واستولى على كل ثروتها وحتى الشقة التى توفيت فيها فهى باسمه وتركها، ويقيم حاليًا فى أحد الأماكن الراقية بالمدن الجديدة، وقاموا بالاتصال به وأخبروه بأن والدته قد توفيت، فرد عليهم أنه خارج القاهرة، ولن يستطيع حضور الدفنة وأغلق هاتفه وبعد أن رفض حتى دفع مصاريف جنازة والدته أو حضور دفنها وعزائها، وحتى زوجته أغلقت هى الأخرى هاتفها وكأنهم لا يعرفون أى شىء عن هذه السيدة المسكينة التى ربت ابنها وعلمته فى إحدى الجامعات الكبرى، إلا أن عقوق الوالدين ليس بالتعليم أو بالأموال أو بالشهادات والدراسات، هذا الابن العاق سوف يلاقى ما لم يكن يتوقعه فى مستقبله على الإطلاق خاصة أن عقوق الوالدين من الكبائر التى لا تغتفر، وهذا المثال ليس الوحيد على الإطلاق فالمحاكم والنيابات زاخرة بقضايا عقوق الوالدين،وضرب الأبناء للآباء بل طردهم ووضعهم فى دار المسنين طمعًا فى الشقة السكنية، أو طمعًا فى ميراث زائل، وأحيانًا كثيرة طمعًا فى الشقة حتى يتزوج الابن فيها أو تتزوج البنت فيها.



هؤلاء قد نزع الله من قلوبهم الرحمة والإنسانية وتركوا تعاليم دينهم ولم يعملوا لآخرتهم وخططوا لدنيا زائلة.

فعقوق الوالدين من الكبائر التى حرمها الله، وحذر منها أشد تحذير، وجعلها مذمومة فى الشرع الحكيم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، حيث نهى الدين الإسلامى فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة عن أى عمل أو قول يؤذى الوالدين حتى لو كلمة أف بمعنى الضجر فهى كلمة بسيطة مكونة من حرفين إلا أن عاقبتها كبيرة ولم يكن هناك خلاف قائم بين العلماء بتحريم عقوق الوالدين، وفى كل الأديان السماوية عقوق الوالدين محرم ومجرم ومنبوذ، وللأسف فى هذا العصر وبالتحديد فى هذا الوقت بالذات بعد ارتفاع الأسعار وانتشار الغلاء انتشر معه عقوق الوالدين فى مجتمعنا بكثرة بين الأبناء دون مبالاة بأى عواقب، وهو أمر راجع إلى البُعد عن الله سبحانه وتعالى وتعاليم الدين.

فكل يوم نقرأ أو نسمع ما يحدث للأسرة المصرية التى كانت فى الماضى مضرب الأمثال فى التماسك والمحبة والعطف والود، بعد أن سيطرت الحياة المادية على الجميع وتركنا إنسانيتنا ومحبتنا وأصبحنا نبحث عن متاع زائل.

المجتمع المصرى محتاج إلى إعادة ترتيب أولوياته، وعلى المؤسسات المسئولة سواء المؤسسات الدينية أو الاجتماعية أن يكون لها دور فعال فى إعادة نشر الوعى بحقوق الوالدين لدى الأبناء، وعليهم مسئولية كبرى فى تخصيص وقت كافٍ لمراجعة أنفسهم فى الحفاظ على الأسرة المصرية باستخدام كل الوسائل المتاحة حتى لا تتفكك الأسرة أكثر من ذلك.

حفظ الله مصر وحفظ شعبها وقيادتها.