الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد فوزه بجائزة سرد الذهب

الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس الشارقة للتراث: موروثنا العربى ثرى ويجب علينا إعادة تقديمه للأجيال الجديدة

ما بين شطوط الإبداع تبحر سفن المبدعين لاسيما إن كانوا متذوقين للعديد من الأنواع الأدبية تواقين لتجارب السفر والتوغل فى دروب التراث وهكذا هو الدكتور عبدالعزيز عبدالرحمن المسلم شاعر وكاتب وباحث إماراتى، ولد فى الشارقة عام 1966م، ويشغل منصب رئيس معهد الشارقة للتراث، صدرت له مجموعة من المؤلفات منها: كتاب «موسوعة الكائنات الخرافية فى التراث الإماراتي: دراسة فى المخيلة الشعبية»، ومجموعة «بنات واق واق: وحكايات أخرى» التى حصل بها على جائزة «سرد الذهب» عن فرع السرود الشعبية عام 2023م. 



ولد الشاعر عبد العزيز عبد الرحمن المسلم فى الشارقة عام 1966، ودرس التاريخ والحضارة الإسلامية فى بيروت والشارقة، وتخصص فى التراث الثقافى ونال الدكتوراة فى التاريخ والتراث من جامعة الحسن الثانى بالمملكة المغربية، برز فى منتصف الثمانينيّات حتى منتصف التسعينيات كشاعر عامى، ثم أسس مع مجموعة من أصدقائه مجلة (مزون) عام 1990 المختصة بالشعر والإبداع الشعبى، فى ذات الوقت عيّن مسئولا عن التراث الثقافى فى إمارة الشارقة فتوسعت اهتماماته فى عموم التراث الثقافى، وهو يعمل منذ العام 1987 حتى الآن فى حقل التراث الثقافى. يُعد عبدالعزيز المسلم من رواد التراث والثقافة الإماراتية، أفردت جريدة ذا ناشيونال الإمارتية فى مقاله لها مجهوداته من أجل نشر القصص الأدبية.

أعد وقدم عددا من البرامج فى الشعر الشعبي، اسم ومعنى وقصيدة (إذاعة أبوظبى 1990)، ديوان زايد (تليفزيون أبوظبى 2018)، شدو الحروف (تلفزيون الشارقة 2020).

نشر كتابه (خراريف) وهى دراسات فى الكائنات الخرافية ثم حوّل بعضها إلى برنامج تلفزيونى بنفس العنوان، ثم نشر كتابه (حكايات خرافية) و(النيّة ذهب) ومجموعة حكايات خرافية أخرى فى إصدارات مختلفة، منها حكاية أمير البحار الفائزة بجائزة العويس للإبداع عام 2015، ثم توج ذلك بإصدار موسوعة الكائنات الخرافية فى التراث الإماراتى.

ترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية الإسبانية والروسية والهندية.

كتب فى عدد من الصحف والمجلات الإماراتية، كما كتب فى دوريات ومجلات عربية، ارتبط اسمه بالتراث الثقافى والحكايات الشعبية، منذ منتصف الثمانينات، أعاد كتابة عدد كبير من الحكايات الإماراتية، كما كتب عدداً من الدراسات والأبحاث فى التراث الثقافى، وكان له دور فى مجال التراث الثقافى محليا وعربيا، ومثّل الإمارات فى منظمات دولية مثل: اليونسكو، الوايبو، الإيكروم، ايرسيكا.

باحث مهتم بالتراث الثقافى العربى، يعمل على دعم المشاريع العربية وتشجيع الباحثين والمؤسسات المعنية بذلك، ساهم بالارتقاء بنظرة المجتمع للتراث، وكرّس جهوده الشخصية وخبراته وسلطاته فى المؤسسات التى ينتمى لها، لوضع التراث فى مكانته التى يستحقها، إلى جانب المعارف والثقافات الأصيلة.

حاضر فى مادة التراث بُغية التنوير بأهمية التراث الثقافى والتوعية بحاجة المجتمع إليه، أصدر مؤلفات عدة فى الأدب والتراث.

● ما الذى شكل مخيلتك وذائقتك الشعرية فى البدء؟

- كان لى وافر الحظ فى معرفة شاعر من أهم شعراء الفكاهة المولودين بطلع القون العشرين راشد بن طناف كان صديق جدى وهو شاعر عجيب يذكرنى بالشاعر أبى نواس وتنقل بين عدة أماكن فى الامارات ومات فى الشارقة.

وقد التقيت به فى سنة 1980 ولأنه كان ضريرا كنا نكتبه القصائد عندما ينشدها وهو من أكثر الشعراء تلاعباً باللغة ومفرداتها بشكل يثير الدهشة والإعجاب معا.

لكن بدايتى الحقيقية كنت طفلا لم أتجاوز الثلاثة عشر سنة كان لدى كشكول أسود أدون فيه ما أجربه من كتابات على بحور وأنواع شعرية مختلفة كحداء البنات وهو نوع شعرى معروف لدينا فى الامارات وكان لوالدتى فضل كبير فى هذا لأنها حافظة كبيرة للحكايات وللشعر ثم جاء دور ابن خالتى الاكبر وهو شاعر فصيح وعامى متمكن فبدأ يوجهنى بدوره هو الآخر وينصحنى بالقراءة وحضور الندوات والأمسيات الشعرية وكنت استجيب بالفعل.

وفى عام 1985 كانت اكتملت رؤيتى الشعرية فقررت تقديم نفسى للوسط الشعرى وراسلت العديد من المجلات والجرائد الثقافية لكنى لم أوفق فى النشر وقتها.

حتى بعثت فى منتصف الثمانينيات الى قطر لعمل دبلوم التراث وهناك قابلت صحفى قرأ لى وأعجب بما كتبت ونشره لى وكان هذا أول طريق النشر. ومن بعده بدأت أدعى لأمسيات شعرية لالقاء القصائد ولكننى كنت أفضل إلقاء قصائد للشاعر الراحل راشد بن طناف.

وفى ديسمبر 1990 طبعت مجموعتى الشعرية الأولى وانتقدنى الآخرون لأننى لم أنتهج نهج الشعر النبطى كما هو معتاد وفضلت كتابة الشعر غير البيتى كنوع من التجريب وشجعت هذا النوع من الشعر.

ثم اجتاحنى شغفى بالحكايات الشعبى وبدأت فى تقديم البرامج الخاصة بالحكايات الخرافية مثل برنامج «خراريف» وبرنامج خاص بالشعر ك «شدو الحروف».

● كيف تستلهم أفكار كتاباتك؟

- القصائد أحيانا تكون وجدانية وأحيانا بتأثير المحيط العام ولكن بدخول التكنولوجيا بدأنا بإرسال مقتطفات شعرية صغيرة نسميها رباعيات وهكذا أجمعهم وأطبعهم وأختار العنوان يكون من داخل الديوان نفسه.

إنتاجى الشعرى بشكل عام أقل كتاباتى الأدبية، ولكننى لم أتوقف عن الكتابة سواء شعرية أو سردية أو فكرية.

لكن بدات أعود للشعر خاصة بعد عمل قناتى على التيك توك وأسميتها «شو يقول» وهى جملة دارجة بمعنى على رأى المثل ورحت ألقى بها الشعر ولاقت الأشعار رواجا كبيرا حتى الآن على منصات مختلفة.

● كيف ترى واقعنا العربى شعريا؟

- جاءنا زمن اخترعت فيه البحور والأشكال المختلفة كالحر والتفعيلة والنثرى ولكننا الآن نمشى على المدارس القديمة ولا أرى أصوات لافتة الآن مثل الشاعر عبدالرحمن الأبنودى ونازك الملائكة وفاروق جويدة وغيرهم لكن الآن لا أرى هذا التجديد.

ولكن للأسف بعض العرب اصبحوا يقلدون شعر الهايكو اليابانى رغم أن لدينا نحن العرب نوعا مشابها لهذا النوع باسم التوقيعات، أنا أحب الهايكو لكن بلغته وليس بلغتنا فلدينا موروثنا الإبداعى الثرى.

● حدثنا عن طقوسك الإبداعية فى الكتابة؟

- أظن أننى مختلف عن المعتاد بعض الشيء فأنا لا أحب أن أكتب فى هدوء، بل مستحيل، أحب الكتابة وسط الزحام فلا تضجرنى الأصوات أو المقاطعات ولا ينقطع تركيزى بل يأتينى الالهام وأستغرق فى الكتابة بلا انقطاع وكذلك أحب الاضاءة القوية ولا أرتاح فى الإضاءة الخافتىة أو المتوسطة وكأن الونس يرافق الالهام لدى.

● حدثنا عن الكتاب الفائز بجائزة سرد الذهب؟

- نشرت مجموعات قصصية من قبل واعدت تقديم بعض القصص التراثية التى تحتاج للتنقيح فى ثلاثين كتابة شعبية من الامارات أشهرها قصة مشهورة تسمى بنات الواق واق ونشرت الكتاب ووقعت الكتاب بمعرض الشارقة ثم معرض أبو ظبى ونصحنى أحد زملائى بالعمل بالتقديم فى جائزة سرد الذهب بفرع السرود الشعبية، وفوجئت بدكتور على بن تميم يبشرنى بالفوز فى اتصال تليفونى مفاجئ وكانت فرحة كبيرة.

● كيف ترى التوازن بين الإبداع والعمل خاصة مع الأجيال الجديدة؟

- الجميع يعمل، لكن ما الاسلوب المتبع عند غالبية الناس والأفراد، أنه أسلوب العادة، عمل اعتيادى والتعود على أداء معين لساعات معينة كل يوم، فنحن نرى ذلك الموظف او العامل أو البائع يقوم بأداء واجبه بالحدود الدنيا دون اى اضافة ودون ان يقدم اى جديد.. وقد يكون ذلك الجديد مجرد ابتسامة أو توجيه أو إرشاد أو حتى تغاضى. 

لكن الروتينيين لا يكلفون أنفسهم عناء ولا يتقدمون بخطوة فيها منفعة للآخرين.

وقد نتساءل هل كل عمل فيه إبداع؟ أقول نعم كل عمل فيه إبداع إذا كان مؤدى هذا العمل يريد أن يبدع ويختلف بل ويتميز وهذا ينطبق على الكاتب والشاعر والرسام والمهندس وحتى الخباز والطباخ والميكانيكى والسائق. 

فلماذا نفضل شخصا على آخر؟ فقط نفضله لخبرته واجتهاده ومهارته وجودة عمله الذى سعى لتطويره وهذا هو ما أسميه الإبداع.

المشكلة فى تصورى أن ظاهرة تراجع الابداع المرافق للاجتهاد اصبحت تتفشى أكثر من اللازم فى الاجيال الجديدة حتى وإن أظهروا أداءا متميزا فإنما يظهروه فقط ان أظهروه للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى وهذا تقليد اعمى لنمط الحياة الأمريكية بسبب سيطرة الإعلام الأمريكى على الإعلام العربى.

● فى رأيك هل سيظل الكتاب الورقى على مكانته برغم الرقمنة؟

- فى رأيى الاهم والفيصل دائما هو مضمون الكتاب، لكن لا يمكننا اغفال الراحة فى القراءة، فالعلاقة مع الكتاب الورقى بحجمه وألوانه ورائحة الحبر والورق تختلف اختلافا كليا عن مشاهدة شاشة صغيرة تعرض صورة ورقة أو حروفا متراصة تنبعث من نورساطع.

هذه التساؤلات وغيرها كانت بالفعل موضوع ندوة نظمها معهد الشارقة للتراث فى رمضان بمكتبة الموروث، واستشهد بعضهم بمسألة غلق الصحف والمجلات وتحولها إلى رقمية لكن تلك المسألة تختلف كثيرا حيث إن الصحف تعتمد على الاخبار وعلى تغطية الأحداث، وتلك الاخبار باتت تصل فى موعد حدوثها عبر الجوالات واجهزة الحاسوب اللوحة، ما نفى سبب وجود الصحف.

لا شك أن الكتاب الرقمى قيم فى مضمونه خفيفا فى حمله، لكنه متعب فى تأثيره فى الصحة ولا تستطيع أن تبنى علاقة معه ود كتلك التى تبنيها مع الكتاب الورقى فضلا عن مشكلة ارتباطه بالطاقة بشكل رئيسى.

الخلاصة أن اختفاء بعض المخترعات الانسانية من عدمه رهين بجوهر العلاقة بين تلك المخترعات مع غيرها، فالانسان سكن البيت وهو لا يزال يغير شكله لكنه يبقى على مضمونه، وكذلك الكتاب فهو لا يزال يغير لونه وطريقة رص الأورا وشكل الغلاف لكن الكتاب باق.

● لك كتاب فى أدب الرحلات بعنوان «مدونة مسافر» حدثنا عن علاقتك بالسفر وكيف يؤثر فيك؟

- للسفر فوائد عديدة وثمينة للغاية أهمها الكشف عن معادن الناس وأخلاقهم فالسفر امتحان كبير لا ينجح فيه إلا من تربى على الفضيلة والعادات الاصيلة، أضافة الى الفوائد المادية ففيه تشرع التجارة المباشرة والبسيطة.

وقد كان العرب فيما مضى يأخذون معهم كثيرًا من منتجات البر والبحر والمشغولات الحرفية لبيعها فى سفرهم فضلا عن توسيع المعارف واكتساب الثقافة والخبرات والحكمة.. وبشكل شخصى فقد استفدت كثيرا من رحلاتى فى دول العالم بحكم عملى وانشغالى بالتراث، وتعلقت بالكثير من المدن التى تأثرت بها.