عصام عبد الجواد
المعدن المصرى الأصيل
فى الأيام القليلة الماضية لفت نظرى ثلاث وقائع فى غاية الأهمية، تؤكد أن المصريين من معدن مختلف، وأن الإنسان المصرى له جينات إنسانية تضرب فى جذور التاريخ، وتحكى عن هذا الإنسان الشهم الجدع الشجاع، الذى يبذل كل غالٍ ونفيس من أجل من حوله ومن أجل أن يثبت للآخرين أنه بالفعل مصرى أصيل.
كانت الواقعة الأولى، واقعة عمى ربيع كما يلقبونه، وهو بائع الفاكهة الصعيدى البسيط ابن مركز ببا بمحافظة بنى سويف، والذى يكسب قوت عيشه من بيع الفاكهة والخضار على عربة كارو فى الشارع، وعندما تصادف مرور قافلة إغاثة من عدد من عربات النقل متجهة إلى غزة، فما كان منه إلا أن يجرى أمامها ويحاول أن يرفع ما لديه من فاكهة فوق العربة فى منظر عفوى جدا ينم عن طيبة وشهامة هذا الرجل، الذى ألقى ثمرات البرتقال واليوسفى وسائر الفاكهة لديه فوق عربات النقل لكى تصل إلى أهلنا فى غزة، ولم يضع فى حسبانه أن يصوره أحد ولم ينتظر شيئا إلا أنه فعل ما يرضى ضميره وانصرف لحال سبيله، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المحسنين، فيتم نشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى وتتناقله الفضائيات ويصبح ترند وبعدها تتصل به إحدى الشركات أو الهيئات لتقرر شراء محل له يبيع فيه الفاكهة بدلا من وقوفه فى الشارع بالإضافة إلى رحلة حج هذا العام.
والواقعة الثانية هى واقعة عمى «عمر» كما يلقبه طلبة وطالبات قسم الإعلام بكلية آداب سوهاج العامل البسيط الذى أحبه الطلاب والأساتذة على حد سواء وشهد له الجميع بالأمانة وحسن الخلق على مدى أكثر من ثلاثين عاما عاصر فيها أجيالا كثيرة مرت عليه داخل الجامعة وتخرج على يديه العديد من كبار الصحفيين الذين يعملون الآن فى مختلف الصحف القومية منها والحزبية والخاصة وعدد آخر من الإعلاميين والإعلاميات الذين يعملون فى الفضائيات المصرية والعربية وعدد آخر ممن تحولوا إلى العمل الأكاديمى وظل عم «عمر» طوال هذه السنوات يحلم بأن تصبح ابنته «أسماء» كادرا من كواد قسم الإعلام الذى أفنى حياته بين جدرانه شاهدا على أفراحه وأحزانه، وبالفعل لم تخيب أسماء عمر ظنه التحقت بقسم الإعلام واجتهدت كثيرا وعقدت العزم على التفوق من أول سنة دراسية حتى آخر سنة لتحقق حلم والدها وتخرجت بتقدير عام امتياز مع مرتبة الشرف وحصلت على المركز الأول وتحقق الحلم وتم تعيينها معيدة بالكلية فى الأسبوع الماضى وسط فرحة عارمة بين أساتذة الجامعة وطلاب القسم الذين احتفلوا بأسماء ووالدها عم «عمر» حتى إن رئيس الجامعة الدكتور حسان النعمانى قام بتكريم عم «عمر» وابنته وأهداه درع الجامعة على تفانيه فى عمله ورعايته لأسرته وتفوق ابنته فى لفتة إنسانية ستظل محفورة فى ذاكرة أسماء ووالدها للأبد، وفى ذاكرتنا جميعا طوال حياتنا.
الواقعة الثالثة هى وقوف القائمين على جامعة سوهاج وجامعة الوادى الجديد وصمودهم فى وجه عمليات الغش والتدليس التى تحدث من طلاب الفرقة الأولى فى كليات الطب والصيدلة فى الفرقة الأولى حتى إنهم فى الترم الأول لهذا العام استطاعوا وقف المهزلة لدرجة أن الفرقة الأولى كلية الطب فى سوهاج بلغت نسبة النجاح 25٪ فقط، فتحية لهؤلاء جميعا مما يؤكد أن مصر بها معادن إنسانية نفيسة لن تجدها إلا فى مصر التى خرجت آلاف العلماء والموهوبين والأبطال فى كل مجال.
حفظ الله مصر وحفظ أهلها وشعبها وقيادتها.