الإثنين 22 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سرديات المعرفة

سرديات المعرفة

المعرفة سواء أكانت لأمور مهمة وجادة أو لأمور تافهة ووضيعة تحتاج إلى أسلوب ووسيلة للانتقال من العارف بها إلى غير العارف بها، يسرى الأمر على التعليم بصوره المختلفة بداية من تعليم الأم لطفلها الرضيع مرورًا بالتعليم المدرسى فى رياض الأطفال وصولًا إلى التعليم الجامعى وما بعده.



يسرى الأمر نفسه فيما يخص التعليم الحر والتثقيف الحر أيضًا، كل أنواع اكتساب المعرفة تتم بهذه الصورة، أسلوب ووسيلة، ومع الانتقال إلى عصر المعلومات تغيرت الوسائل كثيرًا وتقدمت بل وزاد تأثيرها إلى الطغيان على الأساليب القديمة أيضًا، سواء بصورة جزئية أو كلية فى بعض الأحوال.

من أشهر الأساليب التى لا تخيب أبدًا هو أسلوب القصة أو الرواية أو الحدوتة، يمكن لأى شخص أن ينقل أى معرفة إلى من يجهلها من خلال وضعها فى إطار حكاية شيقة، رأينا هذا الأسلوب كثيرًا خلال رحلة التعليم الممتدة فنجد مدرسين يقومون بتقديم المادة العلمية فى هذا الشكل ورأينا تأثير هذا الأسلوب على استيعابنا وتذكرنا للمعلومات حتى بعد مرور عشرات السنين وحاليًا وجدنا عددًا من مقاطع الفيديو المصورة لمدرسين يقومون بشرح مواد معقدة كالمواد العلمية أو الفلسفية بأسلوب مسرحى يحتوى على حواديت وحكايات وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لبعض منهم خاصة من يستخدم ألفاظًا خارجة أو أمثلة لا تليق بالمعلم فإن النتيجة النهائية المؤكدة هى ثبات المعلومة فى الأذهان ثباتًا لا ينمحى أو يتزعزع.

ولعل هذا الميل الفطرى والطبيعى للحكايات هو ما يجعل مبيعات الكتب تتباين كثيرًا بين الكتب العلمية المكتوبة بأسلوب أكاديمى أو بسيط والكتب التى تتناول الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الدينية وبين الروايات والقصص، فالمقارنة دائمًا وفى كل دول العالم وعلى مدار سنوات عديدة هى دائمًا فى صالح الرواية.

أحيانًا يتم الدمج بين علم من العلوم وبين الرواية ولعل أشهر الأمثلة على ذلك الروايات التاريخية وهى التى يشعر قارئها فى النهاية بنوع من الامتلاء الأدبى والفهم والمعرفة لتلك الحقبة التاريخية التى تناولتها الرواية وبغض النظر عن الانتقادات التى توجه أحيانًا إلى المؤلف من كونه لا يلتزم بالأمانة العلمية فى نقل وقائع التاريخ أو الجنوح إلى الأغرب فى وصف الوقائع والنوايا وغيرهما.

الطبيعة السابقة تجعلنا ننظر إلى بعض الموضوعات الجافة بصورة مختلفة وهنا يطرح تساؤل حول أسلوب تناول وسرد تلك المعارف، هل من الممكن أن نشرح النظريات الاقتصادية من خلال رواية، أو نتناول إحدى الظواهر الاجتماعية أو أحد صراعات السياسة الدولية أو أحد مجالات التقنية الحديثة من خلال رواية، وإذا سلمنا بأن هذا الأسلوب مناسبًا فهل ستكتظ الرواية بمصطلحات وبأحداث غير مرتبطة بالمسار الدرامى فقط لكى تكتمل الرؤية العلمية وتتسم المطبوعة بالأمانة العلمية.

أسئلة كثيرة تدور فى الذهن، تحاول بعض التجارب المنفذة بالفعل الرد عليها، منها تجارب عالمية مثل روايات دان براون أو محلية مثل أعمال أحمد خالد توفيق وإلى أن نصل إلى صيغة توافقية مناسبة، تظل الأسئلة تدور فى ذهن كل من يحاول سرد المعرفة ونقلها إلى الجمهور.