طارق مرسى
«للحشاشين» وجوه كثيرة
كسبت دراما المتحدة الرهان والتريند والاحترام منذ اللحظة الأولى بباقات درامية متنوعة ترضى جميع الأذواق بنظام «استمتع براحتك» تاريخى واجتماعى أكشن وكوميدى .. دراما متنوعة فيها متعة للناس ومرحت فيها موهبة كل الأجيال من جميع الأعمال والكبير كبير فيها والوجوه الشابة واعدة وقادرة على تحقق فلسفة تواصل الأجيال وأرض مصر لا تنضب أبدًا، إلى جانب مواصلة الدور المصرى فى احتضان المواهب العربية ومنحها شهادة ميلاد واختام الحصانة وهو دور تاريخى ممتد ومطرد ولهذا شاهدنا هذا العام نيقولا معوض من لبنان فى الحشاشين وجومانا مراد فى عتبات البهجة وصبا مبارك فى لحظة غضب وعائشة بن أحمد فى «بدون سابق إنذار» والأسماء الأخيرة تواصل تألقها بامتياز لتؤكد أن نجاحها فى أعمال سابقة بمصر لم يكن صدفة.
لا أخف اهتمامى بمتابعة مسلسل «الحشاشين» فهو فى قائمة المفضلة منذ اليوم الأول بأثر رجعى لانحيازى للدراما التاريخية ولثقتى فى صُناع وفريق العمل بالكامل من مؤلف صاحب كرامات درامية وله فلسفة خاصة ورؤية عميقة وهو الكاتب عبد الرحيم كمال (راجعوا مسلسل جزيرة غمام مثلًا وليس حصرًا فى العام الماضى)، ومخرج يتمتع فرز أول وبمواصفات عالمية اتضحت فى معظم أعماله وهو بيتر ميمى «راجعوا ثلاثية الاختيار» بالإضافة إلى بطل وصل إلى عتبة النضج وهو كريم عبد العزيز ومعه الثلاثى أحمد عيد وفتحى عبدالوهاب واللبنانى المتحفز نيقولا معوض «عمر الخيام» ومع هذه الأسماء الواعدة ميرنا نور الدين والواعد إسلام جمال والوجوه التى تشكلت على مهل فى مقدمتها «نور إيهاب» وبسنت أبو باشا وجيهان الشماشرجى.
نجحت الحلقات الأولى بلوحاتها التشكيلية الممتعة فى جذب المشاهد ليس من أول لقطة بل من بداية التتر بصوت المنشد وائل الفشنى الذى يقدم إحساسًا جديدًا لرباعية شهيرة لعمر الخيام بعد أن سحرتنا بصوت كوكب الشرق أم كلثوم لكن «وائل» والمخرج والمؤلف يضعون هذه الرباعية فى قلب الحدث الدرامى: «سمعتُ صوتًا هاتفًا فى السحر .. نادى من الغيب غفاة البشر .. هبوا املأوا كأس المنى .. قبل أن تملأ كأسَ العمر كفُّ الَقَدر» وقبلها سطور للراوى باعتبار أن الأحداث تعود إلى القرن الـ 11 الميلادى وفيها الهدف والرسالة وأن الانقسام ساد الصفوف الإسلامية بعد تعدد المذاهب والطوائف، على الحكم وفى المسلسل ومن الحلقة الأولى اتضح الإصرار والترصد الغربى والتدخل لإشعال الفتن.
وما أشبه اليوم بالبارحة فحسن البنا القطب الإخوانى ما هو إلا حسن الصباح البطل الدموى فى المسلسل وامتداد للأفكار الهدامة واستخدام الإسلام للتربع على السلطة وروعة المسلسل فى أنه من نوعية دراما تنمية تحصين الوعى فالجميع بعد الحلقة الأولى استعاد كتبه ومراجعه لدراسة التاريخ وإعادة قراءته مرة أخرى ويعود الفضل لاستعادة هذه الخاصية للمسلسل ولهذه كانت أهمية أعمال الدراما التاريخية التى تنهل من التاريخ وتعيد قراءة الماضى، فمع مسلسل الحشاشين تستعيد متعة قراءة التاريخ لزيادة الفهم وفى الوقت نفسه استرجاع جغرافيا الماضى وتضاريسه وأيضًا تنمية للجانب الدينى والمشاهد فى مثل هذه الأعمال التى ترتقى بالذوق وتنمى الوعى وهو أمام الأحداث «فاعل ومنفعل وفعال» فى ملحمة درامية من وحى التاريخ ويحمل رسائل مهمة وليس وثيقة تاريخية ولا عزاء مبدئيًا لأساتذة التاريخ وعباقرة اللهجات.
للحشاشين وقفة أخرى لأنه عمل يستحق أكثر من وقفة ويستحق التأمل بعد أن أعاد دور العقل فى مسرح الحياة.