الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعتذارات متكررة

اعتذارات متكررة

احتاج كل فترة أن عيد تكرار اعتذارى لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم وذلك لأننى لم أكن من معجبيها فى مقتبل العمر، ولا أدرى لمذا كان الأمر كذلك، هل لأننى لم أكن من هواة الأغانى بصفة عامة أم أن الأغانى الشبابية والأجنبية الصاخبة والمنتشرة آنذاك لفتت النظر والانتباه، أم هى أعراض متلازمة رفض كل ما هوقديم وتقليدى والتى تنتاب الشباب فيبحثون عن أساليب نقض الثوابت والقواعد والبقاء طوال الوقت خارج الصندق وهوما يتوارى مع الزمن فيكتشفون أن المسلمات والقواعد والأسس القديمة هى الحقيقية وهى الصحيحة بل إن التفكير داخل الصندوق يكون فى أغلب الحالات أكثر منطقية وفائدة من بدأ الحياة بالتفكير خارجه.  



على أية حال اعتذارى للسيدة أم كلثوم سيتكرر لأن ما قدمته من أعمال متكاملة فى غاية الإبداع، بداية من الكلمات ثم اللحن ثم التوزيع الموسيقى ثم بالطبع صوتها القوى المعبر والمتميز أيضًا.  

فى الماضى كنت أتعجب من ردة فعل الجمهور إزاء جملة موسيقية أوعبارة أوكلمة أوحتى «آهة» نصدر منها على المسرح، لماذا يهللون ولماذا يصفقون ولماذا يطلبون إعادة هذا المقطع مرة أخرى ولماذا يصرخ الحاج سعيد الطحان واقفًا ممسكًا بطرف جلبابه قائلًا «تانى والنبى ياست..ده أنا جايلك من طنطا» وفى نفس الوقت نجد الشاعر الكبير أحمد رامى جالسًا ممسكًا بوجهه مغمضًا عينيه حالمًا سابحًا فى الكلمات والصوت واللحن، أوتجد الناس فى الطرقات وفى المنازل يلتفون حول أجهزة الراديو يستمعون مع اختلاف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هذا العجب استمر مدة ليست بالبسيطة حتى فهمت وعرفت كيف أن الإتقان والموهبة يصنعان المعجزات.  

إتقان الكلمة واختيارها واللحن وتوزيعاته ثم إتقان الصوت للتعبير ومخارج الألفاظ ثم انتقال الصوت للتعبير عن الإحساس وهنا نشعر بأن الروح هى التى تتكلم وليست الأفواه أوالألسنة.  

اعتذاراتى تشمل أيضًا لروايات وكتابات وبرامج كنت أعدها عادية أوأقل من العادية ولكن وبعد مرور كل تلك السنوات وكلما صادفتنى أى من أعمال الماضى أجدنى منبهرًا مستمتعًا مندهشًا من هذا الكم من الإبداع والإتقان والقيمة والبساطة،كما أن تلك الأعمال الرائعة تجعلنى دائمًا معتذرًا لمن صنعوها ولزمنهم الجميل الذى لم أكن اعتبره كذلك فى حينه.