الإثنين 8 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مصر وإفريقيا منذ العصور القديمة

مصر وإفريقيا منذ العصور القديمة

فى اليوم الخامس والعشرين من مايو كل عام يحتفل العالم باليوم العالمى لقارة إفريقيا، وهو اليوم الذى تأسسست فيه منظمة الوحدة الإفريقية.



إفريقيا التى تعنى باللاتينية سكان الكهوف هى أحد أعظم القارات وتمتلئ بالكنوز التى لا مثيل لها، ولذا سعت القوى الاستعمارية إلى السيطرة عليها.

ولقد لعبت مصر دورًا مهمًا فى تاريخ إفريقيا وتزعمت حركات التحرر منذ ستينيات القرن الماضى، لذا سنجد أسماء زعماء مصريين تحتل شوارع العديد من الدول الإفريقية لا سيما الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.

وإذا رجعنا بالتاريخ إلى العصور القديمة سنجد أن جنوب مصر وحدودها هناك، كانت تمثل أهمية كبرى وعمقًا للاستراتيجية المصرية منذ بداية عصر الأسرات (3000 قبل الميلاد) وربما قبلها.

وكان اسم النوبة هو الاسم الأشهر لحدود مصر الجنوبية، وكلمة النوبة من الكلمة المصرية نبو، وتعنى الذهب وأول من أطلق هذه التسمية كان أراتوسثنيس المؤرخ والجغرافى، وأيضًا أمين مكتبة الإسكندرية فى القرن الثالث قبل الميلاد، وقصد به المنطقة ما بين أسوان حتى الجندل الرابع.

أما اسم كوش فلم يظهر قبل عصر سنوسرت الأول حين ذكر فى نصوصه التعبير الأشهر والجديد على السياسة المصرية أنه تحرك بحدوده لكى يوسع حدود مصر.

ويقال إن كوش هو ابن حام ابن نوح، وقد ورد ذكر كوش 37 مرة فى الكتاب المقدس للإشارة إلى بلاد النوبة جنوب مصر، أما تسمية إثيوبيا فقد وردت فى الإلياذة مرتين، وفى الأوديسة ثلاث مرات، وهو اسم مركب من اليونانية إيثو وتعنى المحروق وأوبسيس أى الوجه فتكون الكلمة بمعنى الوجه المحروق تعبيرًا عن البشرة السمراء، كما ورد لفظ إثيوبيا لأكثر من مرة فى الكتاب المقدس، وقصد به كذلك جنوب مصر.

يقول ديودور إن السود كانوا من أوائل الخلق وأنهم أول من عبدوا الآلهة، وأما تسمية السودان فهى ترجع للمؤرخين العرب ويقول ابن خلدون إن كلمة السودان مرادفة للزنوج، واعتمد اسم السودان فى اتفاقية الحكم الثنائى عام 1899، والتى وقعها اللورد كرومر وبطرس غالى وزير الخارجية المصرى.

اهتم ملوك مصر منذ الأسرة الثالثة بالنوبة، ووصلت المتاجر المصرية حتى بوهن فى النوبة وربما امتد ذلك بالتواكب مع نفوذ سياسى كبير، ولعل أهم الأمثلة على الصلات الحضارية فى الدولة القديمة هو ونى الذى يحدثنا للمرة الأولى فى نصوصه عن المدجاى من وأوات وغيرها من مناطق النوبة، ويبدو أنه سبقه الوصول إلى محاجر وادى الهودى، حيث عثر على اسمي خوفو وخفرع ويبدو أن محبة ونى لأهل النوبة أعطته الحق فى أن يستعين بهم مرة ثانية فى عهد مرنرع الأول من الأسرة السادسة أن يحفر 5 قنوات عند الجندل الأول لتيسير التجارة بين مصر والنوبة عبر النيل، ويحكى عن علاقة مصر بالنوبة إنه قطع للملك تابوتًا من الجرانيت جرانيت أسود سماه تابوت الحى.

الشخصية الثانية التى تواصلت بقوة مع الجنوب كان حرخوف الذى تقع مقبرته فى قبة الشيخ على أبوالهوا، ويحكى حرخوف أنه قام بأربع حملات إلى النوبة اتخذ طريقين:

الأول موازٍ للنهر، والثانى كان طريقًا يصل بين الواحات فى الصحراء الغربية (طريق درب الأربعين) قال إنه وصل إلى منطقة إيام، وهى منطقة يعتقد أنها جنوب منطقة تسمى بطن الحجر، جنوب خط عرض 22 ويعتقد البعض الآخر أنها واحة دنقل، أما الاعتقاد الأكبر فيرى أنها جنوب الشلال الثانى، ولا تصل إلى الشلال الثالث.

الأهم أن حرخوف أشار فى أكثر من موضع إلى أنه يتجه نحو الجنوب للكشف عن طرق جديدة للمناطق البعيدة، وهو ما يعنى رغبة فى السيطرة والاطمئنان إلى قوة مصر وحماية حدودها فى الجنوب.

مع بداية الدولة الوسطى أشار الملك أمنمحات الأول متباهيًا إلى أنه ابن لسيدة من الجنوب وتحدث عن عظمتها ومكانتها، وقد سعى المصريون فى الدولة الوسطى لإقامة حصون لحماية الجنوب، حيث عثر كويبل عام 1896على مجموعة برديات فى مقبرة أسفل الرمسيوم وبها أسماء حصون نوبية ترجع لعصر الدولة الوسطى، وعددها (14 حصنًا).

ومع الدولة الحديثة وعصر الإمبراطورية المصرية كان الجنوب محورًا للعديد من الأحداث والحملات المصرية يقول أمنحتب الثالث إنه قام بحملة ضد الكوشيين، وكلف حاكم النوبة مرموزة بتجنيد النوبيين لمحاربة كوش الحقيرة. 

وفى العصر المتأخر تمكن حكام كوش من الوصول إلى عرش مصر مع الملك بيعنخى وأسرته، وأهمهم على الإطلاق طاهرقا الذى قاوم الأشوريين كأحد أبناء مصر، وليس من خارجها.

هكذا لعبت مصر دورًا محوريًا فى الجنوب لتأمين مشروعاتها وفرض نفوذها من خلال حملات عسكرية من خلال حملات تجارية، لعل أشهرها ما قامت به الملكة حتشبسوت فى بلاد بونت، والتى كانت إحدى مناطق العمق الاستراتيجى المصرى، والتى كرمتها النصوص المصرية القديمة بتعريفها أنها أرض الألهة.

حفظ الله مصر السمراء وعمقها الكبير إفريقيا.