أطلقوا شرارة 30 يونيو المجيدة
مثقفون.. مقاتلون حتى التنوير
مروة مظلوم
أشكال مختلفة من الاحتلال واجهتها مصر على مر تاريخها لم تفلح فى تغيير الهوية المصرية إذ تصدى لها الشعب لسنوات وعقود وقرون، لم تفلح ثقافة مغايرة أن تضع بصمتها على المجتمع المصرى.
بداية النهاية لحكم الجماعة الإرهابية فى مصر بدأت بدأت مع تولى علاء عبد العزيز لحقيبة وزارة الثقافة ومحاولتهم فرض رؤاهم وأفكارهم على ثقافة المصريين، حيث استهل عهده بالإطاحة بالقيادات الثقافية من مناصبها، بداية بإنهاء ندب قيادات بارزة منها الدكتور أحمد مجاهد، رئيس هيئة الكتاب السابق، والفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة الأسبق ورئيس دار الأوبرا وقتها، واختيار بدلاء لهم منتمين لجماعة الإخوان، حينها استشعر الأدباء والمثقفون نيتهم بـ «أخونة الثقافة» فقرروا الاعتصام فى دار الأوبرا المصرية ومنها إلى مقر الوزارة نفسها.
الحفاظ على الهوية
عن ترتيبات الإعتصام يروى الفنان الكبير د.أحمد نوار شهادته للحدث فيقول: ما حدث كانت مفاجأة لى وللمثقفين استدعت الالتفاف الفورى وتوحيد الطاقات فكان هناك الفنان والكاتب والناقد والمخرج المسرحى والمؤلف، الاعتصام شمل الجميع، كنت وقتها خارج القاهرة وعدت فورًا وانضممت للمثثقفين بمكتب وزير الثقافة الكائن بشارع شجرة الدر بالزمالك، الأهداف من وراء الاعتصام كانت واضحة وكامنة فى عقل وروح كل مثقف، وهى الحفاظ على الهوية وعدم طمسها ومنعهم من إحلال أفراد الجماعة فى مواقع قيادية فى وزارة الثقافة بهدف “أخونة الثقافة” .. وعليه كانت المحرك الرئيسى للإعلان المباشر للمواجهة ورفض حكم الإخوان وهو أمر اتفق عليه جموع المعتصمين آنذاك.
عن رد فعل الإخوان على الاعتصام آنذاك يكمل «نوار» حديثه «كان رد الفعل ضعيفًا وهزيلًا، أرسلوا فريقًا استولى على جزء من الرصيف لمقاومة ما يحدث فى محاولة منهم للتشويش على صوت المثقفين الذى وصل إلى أرجاء الوطن.. كلنا كنا متوقعين غضبهم ولكن الأوان قد فات، فلم يستطيعوا وقف طوفان المثقفين الذى انطلق وتوجه إلى ميدان التحرير، وتحركت كل جموع الشعب خلف المثقفين فى اتجاه واحد وهو رفض حكم الإخوان.
خلاص من أيدى الظلام
يقول الكاتب الكبير يوسف القعيد: إن الاعتصام بدأ بمطلب بسيط وهو إقالة الوزير الإخوانى وانتهى بمطلب أعم وأشمل برحيل الجماعة عن الحكم، مكثنا فى الوزارة عدة أيام، فالاعتصام استمر 45 يومًا وسرنا بمطالبنا تلك عبر شوارع الزمالك إلى كوبرى القبة وشارع قصر النيل ومن ميدان التحرير إلى قصر الاتحادية، حيث سار عدد ضخم من جموع المثقفين ممن مثلوا الخريطة الإبداعية فى مصر للتخلص من الحكم الإخوانى.. اتفق المثقفون للمرة الأولى على رأى واحد وانتقلوا إلى ميدان التحرير وعندما تضاعف العدد آلاف مؤلفة تحركنا إلى الاتحادية لعزل مرسى وحددنا مطلبنا من القائد عبد الفتاح السيسى لتولى الأمر.
ويؤكد “القعيد” أن وزير الثقافة علاء عبد العزيز اختفى تمامًا ولم يظهر فى مبنى الوزارة الثقافة بشارع شجر الدر فى الزمالك ولم نره ولا العاملين معه ومكثنا داخل المبنى لأيام تزايد خلالها عدد المعتصمين بشكل غير عادى وتلقينا الدعم من أشقائنا العرب وأدباء الأقاليم دعمًا بلاحدود وفى دار الأوبرا دعمتنا د.إيناس عبد الدايم وقدمت لنا أكثر مما حلمنا به مما سهل عملنا وهو موقف مشرف لن ننساه لها أبدًا، كان معنا موظفون من الوزارة لم تمنعهم مناصبهم من المشاركة فى الاعتصام وهو موقف شجاع أيضًا من موظفى الدولة.
وعلى مدار 45 يومًا استمر اعتصام المثقفين داخل وخارج وزارة الثقافة، وبدلًا من المطالبة بإقالة وزير الثقافة الإخوانى من منصبه، طالبوا بالإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإهاربية، وحينها شهد الاعتصام انضمام العديد والعديد من المواطنين المصريين الخائفين على هوية وطنهم، والرافضين لحكم الإخوان، وانطلقت حينها ثورة 30 يونيو المجيدة، التى خلصت مصر من أيدى الظلام.
وقوف بجانب الحق
وعن كتائب المثقفين المشاركين فى الاعتصام يقول الناقد د.مدحت الجيار «دائمًا للمثقف المصرى موقف سابق وسريع للأحداث التاريخية الكبرى ودائمًا ما يكون هذا الموقف مقاسًا على رغبات الشعب المصرى بحيث يرتاح المثقف لقبول الشعب لآرائه، ومن وجهة نظرى موقف جميع المثقفين المشاركين فى الاعتصام وقتها كان مشرفًا لأنهم وقفوا بجانب الحق فى عمق الأزمة التى مرت بها مصر أثناء حكم الإخوان فى جميع مؤسسات الدولة وما لمسه المواطن العادى من محاولات لتغيير معتقداته والتأثير على هويته.. موقف المثقفين فى هذا الاعتصام كان مشرفًا، على مرمى بصرى كنت أنظر لشوارع وسط البلد فلا أجد موطئًا لقدم، الشوارع كانت متخمة بالبشر وكأنها بنيت على البشر، 30 يونيو فى اعتقادى هو إحدى العلامات المهمة لتطور مصر فى العصر الحديث والرئيس عبد الفتاح السيسى دائمًا ما يذكر ذلك ونحن جميعا أبناء هذا الحدث الضخم وأتمنى الحفاظ على وحدتنا الوطنية.
ويضيف «الجيار» حسب ما أذكر كنا داخل الوزارة من أساتذة الجامعة وكبار الصحفيين والسياسيين على قلب رجل واحد لم نتوقع دعم العاملين بالوزارة لنا، غير المشاركين فى الاعتصام كانوا يحضرون لنا كراسى خارج المبنى لنجلس عليها لامتلاء المبنى بحشود المعتصمين من الداخل وانضم البعض الآخر لنا.. وبينما كان وزير الإخوان علاء عبد العزيز، يقوم بإحدى جولاته فى قطاعات الثقافة لصبغها واحتلالها بقيادات الإخوان الإرهابية، ذهب الكاتب الكبير بهاء طاهر وبرفقته الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، والشاعر الكبير سيد حجاب، والكاتبة الكبيرة فتحية العسال، إلى وزارة الثقافة فى الزمالك، وطلبوا لقاء الوزير الإخوانى، وحينما قيل لهم بأنه غير موجود فى مكتبه فأعلن بهاء طاهر عن الاعتصام من داخل وزارة الثقافة، لينتقل على الفور اعتصام المثقفين من دار الأوبرا إلى الوزارة فى الزمالك. ومع مرور الوقت.
كانت أعداد المثقفين تتزايد أمام بوابة وزارة الثقافة، وحينما علم الوزير الإخوانى بما حدث، لم يعد إلى مكتبه حتى للقاء المثقفين بداخلها، بل أعلن عن احتلالها، ليرد عليه بهاء طاهر بأن اعتصام المثقفين لا يعبر عن أشخاص بعينهم أو جهة أو فصيل أو حزب، لكنه يعبر عن المثقفين كافة، الذين يرون أن مصر تعانى سيطرة فاشية، تحاول صبغ الثقافة المصرية بصبغة يقال: إنها إسلامية، فى حين أن الثقافة الإسلامية بعيدة كل البعد عنهم؛ لأنها غنية بمعالمهما وتفاصيلها، خاصة أن الشعب المصرى متدين بالفطرة، وأن المثقفين لم يمنعوا أحدًا من دخول الثقافة بمن فيهم الوزير الإخوانى نفسه.