الأربعاء 3 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المفكر اللبنانى رضوان السيد فى حوار لـ«روزاليوسف»: مصر بقيادة السيسى استعادت ريادتها إقليميًا ودوليًا

المفكر اللبنانى رضوان السيد
المفكر اللبنانى رضوان السيد

حوار - محمد شعبان



لم تكن ثورة المصريين فى ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣ ضد تنظيم الإخوان الإرهابى، مجرد ثورة مصرية داخلية فقط، بل كانت حدثًا مذهلًا فى تداعياته عربيًا وإقليميًا ودوليًا، بحسب الوصف الذى استخدمه المفكر العربى البارز الدكتور رضوان السيد، فى حواره مع «روزاليوسف»، كما أكد أن ما تشهده مصر حاليًا هو ثورة تصحيح طالت كل الاتجاهات لصالح مصر وصالح سائر العرب، مشددًا على أن الشعب والجيش بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى استطاعوا التغلب على الحصار أو الحصارات التى جرى التخطيط لها من جانب أطراف مختلفة، للإضرار بمصر، وبحكم دراساته المتخصصة والرصينة فى مجال الدراسات الإسلامية والفكر السياسى، أرجع عميد كلية الدراسات الإنسانية بجامعة محمد بن زايد، سقوط تنظيم الإخوان ومشروعهم الإرهابى لجملة أسباب، أبرزها طبيعة المشروع الإخوانى القائم على التمييز والتفرقة بين المصريين، فضلًا عن حالة الفوضى والعشوائية التى شهدتها البلاد خلال حكم محمد مرسى . ولم يكتفِ المفكر اللبنانى الكبير، بوصف واقع تجربة الإخوان خلال حكمهم مصر، بل كشف عن عدة جوانب كارثية كانت تنتظر مصر حال استمرارهم فى الحكم- لا قدر الله - يأتى فى مقدمتها تفكيك الدولة الوطنية، حيث يعد هذا الأمر ركيزة بنيوية فى فكر هذا التنظيم الإرهابى منذ تأسيسه على يد حسن البنا، فضلًا عن تكفير كل من هو خارج التنظيم؛ فالتنظيم يمثل «الإسلام» حصرًا، وفق هذا الفكر الضال..  وإلى نص الحوار:

■ كيف ترى ثورة 30 يونيو بعد مرور أكثر من عشر سنوات؟

- أراها حدثا مذهلا، من خلال هذه النهضة القائمة حاليا بهذه الكفاءة والمسئولية، لقد كان الحدث ذاته- ثورة المصريين - وقت وقوعه نصف نجاح، ثم جاءت الخطوات التالية : استعادة الاستقرار، استعادة مسار الدولة والإدارة، والانطلاق فى المشروعات الكبرى التى تجاوزت حتى الأحلام، والعمل المستمر على استعادة مكانة مصر العربية والإقليمية والدولية، وإلى جانب ذلك كله مواجهة الحصار أو الحصارات التى جرى التخطيط لها من جانب أطراف مختلفة، بهدف الإضرار بمصر والعرب عمومًا.

هذه السنوات العشر كانت -بحق - مذهلة فى اندفاعها وفى إنجازاتها على كل المستويات.

■ ما قراءتك لما قام به الجيش المصرى بقيادة الفريق السيسى لحماية إرادة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو؟

- ما قام به الجيش المصرى بقيادة الرئيس السيسي، هو استعادة مسار مصر الأصيل المتلائم مع هويتها وانتمائها، لمصر فى الأزمنة الحديثة منطلقات هي: منطلق الاستقلال، والدولة المدنية، بالإضافة إلى القيم والمبادئ التى رسّختها ثورة ٢٣ يوليو، وقد كان مسار الإخوان مخلًا بهذه المنطلقات وبالأهداف الحديثة لمصر دولة ومجتمعًا، لذلك جاء الجيش والمجتمع بقيادة السيسى لاستعادة مصر وتجديدها، مصر اليوم حاضرة فى كل ملفات العرب والمحيط؛ حيث نمت بالاستقرار والتنمية الإمكانيات والقدرات. 

مصر تعمل من خلال ثورة التصحيح فى شتى الاتجاهات لصالحها وصالح سائر العرب، كل ذلك ما كان متصورًا لولا حركة التصحيح التى قام بها الجيش والشعب بقيادة الرئيس السيسى.

■ ما أهمية 30 يونيو عربيًا وإقليميًا؟

-  هناك أهمية فائقة وثلاثية؛ وليست أهمية واحدة لحدث 30 يونيو؛ فعلى المستوى العربي : عادت مصر إلى صدارة دول الجامعة العربية، وها هى تقود الكثيرين فى الملفات ومنها ملف غزة وما تشهده من أحداث وتداعيات وجرائم لا إنسانية.

على المستوى الإقليمى استعادت مصر دورها وريادتها فى إفريقيا وآسيا وفى ملفات البحر المتوسط. 

أما فى الجانب الدولى فهى حاضرة ومؤثرة وفاعلة لدى مختلف الأطراف الدولية؛ فهى مؤثرة فى ملف السلم العالمى، وهى أيضًا قوة مهمة لدى الطرف الأمريكى والأوروبى، وهى أيضًا حليف بالغ الأهمية عند الصين وروسيا، باختصار عالم اليوم هو عالم حضور مصر، ولو استمر الإخوان -لا قدر الله-  فى السلطة أو قريبين منها، ما تمكنت مصر من تحقيق هذا التأثير والفاعلية عربيا وإقليميا ودوليا، فكنا سنخسر مصر عربيا، ولتغير شكل الإقليم، ثورة المصريين فى 30 يونيه حدث تاريخى وفق أى تقدير أو حساب، لأنها أعادت ترتيب أوراق الإقليم والعالم.

■ برأيك ما السبب الرئيس لسقوط الإخوان؟

-  توجد عدة أسباب أدت لسقوط الإخوان أولها: هو مشروعهم الأصولى للدولة الذى يفرق فئات الشعب المصري، ويخلق تمييزًا بينها، ويدعو لإقامة دولة دينية، السبب الثاني: سياسات الفوضى والفساد والانتقام، وعشوائية الاجراءات الاقتصادية والمالية، فكانوا- وهنا المفارقة- يعملون بعقلية المعارضة فى قلب الدولة التى تولوا إدارتها. السبب الثالث:انهم استأثروا بكل السلطات ولم يشركوا معهم القوى السياسية والثقافية من الاتجاهات المختلفة، وبجانب هذه الأسباب هناك ظروف داخلية وإقليمية عجلت بسقوط الإخوان المدوى.

■ لو انتقلنا الى الجانب الفكرى فيما يخص الإسلام السياسى وتنظيم الإخوان الإرهابي، ما اعتراضك على استخدام الدين فى السياسة؟

- توجد عدة اعتراضات وهي: نعم نحن نؤمن أن الإسلام هو نهج حياة ولدينا عباداته الناهية عن الفحشاء والمنكر، ولدينا قيمه الهادية، لكن الإيمان بأنه يملك نظرية ثابتة وموحاة ومحددة فى السياسة والاجتماع والاقتصاد وتسيير أمور الدولة، غير صحيح وهو تكليف للدين والإنسان بما لا يطاق، ثانيا: السلطة حق الناس وهى اجتهادية ومصلحية، وليست عقائدية أو دينية وهذا رأى علمائنا القدامى، والشرعية منوطة بتحقيق المصالح ورضا الناس وليست أمرًا دينيًا، وليس للدولة وظيفة دينية اللهم صون وحماية الحريات الدينية عقيدةً وعبادةً وممارسةً لسائر مواطنيها..ثالثًا: لا شيء أخطر من استخدام الدين فى التنافس السياسي، ذلك لأن الدين ضمير المجتمع والتنافس باسمه يشرذمه ويشرذم المجتمع وعباداته ومنظومته القيمية.

■ لكن جميع تنظيمات الإسلام السياسى تقول إن التاريخ الإسلامى على امتداده شهد تلازمًا بين الدين والدولة لتطبيق الشريعة؟

- هذه صورة غير صحيحة، أولًا: يجب أن نعلم أن الشريعة هى الإسلام وطالما وجد مسلمون يصلون ويصومون ويقيمون شعائر الإسلام فالشريعة إذًا مطبقة، والدولة فى عصور الإسلام الوسطية، ما كانت تقوم على تطبيق الشريعة، ولا كان التشريع بيدها. فالشريعة - وهى مكونة من عقائد وعبادات وأخلاقيات ومعاملات - كانت بيد المتكلمين وعلماء الأصول، أما التشريع والقضاء فكانا بيد الفقهاء - والأمة كانت هى مصدر السلطات وكانت هى التى تحتضن القرآن والدين والشريعة ومنظومتها الأخلاقية، ما أود التأكيد عليه هو أن الشريعة هى الدين وهى مطبقة كما لم تطبق من قبل، وديننا لا يملك مذهبًا سياسيًا، وإنما يملك قواعد قيمية وأخلاقية تفيد فى الدنيا وفى السياسة، لكنها لا تصنع دولة، ولا نمطًا سياسيًا.

■ هل معنى ذلك أنه كان هناك فصل بين الدين والدولة فى تجربة المسلمين قديمًا؟

- لا، لم يكن هناك فصل بل كان هناك تجاور بين الدين والسلطة باعتبارهما مجالين متمايزين، وهذا على النقيض تمامًا من فهم تنظيمات الإسلام السياسي، التى تدعو إلى دولة دينية صريحة، كما فى شعار حسن البنا: الإسلام مصحف وسيف، وهذا أمر غريب عن الإسلام وتجارب المسلمين.

 

محرر روز اليوسف مع المفكر العربى البارز
محرر روز اليوسف مع المفكر العربى البارز

 

■ قلت فى كتابك «أزمنة التغيير» إن تنظيم الإخوان الارهابى يكفر المجتمع ما دليلك على ذلك؟

- هذا الأمر بدأ مع حسن البنا وليس مع سيد قطب كما هو شائع، البنا طابق أو وحد بين التنظيم والعقيدة وذلك يظهر جليا فى رسالة البنا للمؤتمر الخامس حيث أوضح أن أهدافهم هي: تكوين الفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم ثم الحكومة المسلمة فالخلافة الإسلامية فأستاذية العالم، ويتم ذلك على ثلاث مراحل: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة، وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين. وبعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج ماذا يعنى هذا كله؟ يعنى أنه كان يكفر المجتمع والأفراد؛ بدليل دعوته لتكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة؛ فليس هناك مسلمون وفق تصوره، فالأمر عند البنا كان يعنى العودة إلى مرحلة دعوة الإسلام، كما كان الأمر فى عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، عندما أرسل للمشركين.

أيضا أطلق البنا على التنظيم لفظة «جماعة» وهى كلمة لها دلالات وحمولات دينية وتراثية تفيد حصر الإسلام فى التنظيم فقط، ومن ثم لم يعد للمجتمع أو المؤسسات الدينية أية أهمية روحية لدى أعضاء التنظيم، لأنهم هم وتنظيمهم هم الممثلون للإسلام فقط، والآخرون ممن خارج التنظيم، هم خارج الإسلام، لذلك اكتسب التنظيم «قداسة دينية» دفعت حسن البنا ذات مرة إلى القول إن اختفاء الجماعة من علامات قيام الساعة!

■ ماذا عن موقف الأزهر من الإخوان؟ 

- الأزهر منذ نشأة تنظيم الإخوان كان رافضًا لفكرهم، فعلى سبيل المثال الإمام محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر فى أربعينيات القرن الماضي، قال لحسن البنا: لا أفهم ما معنى نظام الإسلام الذى تتحدثون عنه كثيرًا، وأنه واجب التطبيق، وأنكم القائمون على تطبيقه. نفس الأمر كان من الشيخين الجليلين:محمد عبدالله دراز ومحمد أبوزهرة، فقد ظلا ينكران أن يكون فى الإسلام مذهب سياسى بمقتضى الكتاب والسنة، والمسلمون مكلفون بتطبيقه، أيضًا هل يمكن أن ينسى أحد دور شيخ الأزهر الحالى الإمام الدكتور أحمد الطيب، الذى انحاز للمصريين فى 30 يونيو، عندما رفضوا نظام حكم الإخوان ممثلًا فى محمد مرسي، نقطة أخيرة وهى أن موقف الأزهر متطابق تمامًا مع موقف الإسلام السنى من ظاهرة الإسلام السياسى التى يمكن ردها لجذور شيعية وليست سنية.

■ ما الفرق بين الإسلام السنى والإسلام الشيعى فى مسألة الدولة؟

- الدولة فى التفكير السنى القديم مصلحية اجتهادية وليست من العقائد، والإمامة لدى الشيعة من أصول الاعتقاد، لكن جزءها السياسى أو العام «مهدوى» يعنى مؤجّل ينتظر ظهور المهدى المنتظر وتحقيقها وإقامتها من دون ظهور المنتظر افتئات على حقه وعلى الدين، لكن قبل ثورة الخمينى فى إيران عام ١٩٧٩م، ظهرت فكرة ولاية الفقيه ومرشد الثورة الذى يحل محل المهدى حتى ظهوره.

■ لديك اهتمام خاص بالدولة الوطنية وضرورة الدفاع عنها ضد محاولات تفكيكها من قبل تنظيمات الإسلام السياسي، لماذا تعادى هذه التيارات الدولة الوطنية وتحاول القضاء عليها؟

- قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من ذكر عدة نقاط تتعلق بفكرة الدولة الوطنية:

أولًا: الدولة الوطنية بالمعنى المعروف الآن نشأت عقب الحربين العالميتين، بديلًا عن فكرة الدولة القومية- أى الدولة التى تضم كل الناطقين بلغة واحدة - بمعنى أن كل دولة لا تطلع إلى ما وراء حدودها التاريخية، وقام النظام العالمى الجديد على هذا الأمر

ثانيًا: العالم العربى لم تكن لديه مشكلة مع فكرة الدولة الوطنية، لكن المشكلة جاءت إلينا من مسلمى الهند، فعند جلاء بريطانيا عن الهند، ترتب على ذلك انشقاق المناطق ذات الكثرة المسلمة عن الهند وعرفت بدولة باكستان، نتيجة دعوة أبى الأعلى المودودي، الذى دعا لما سماه دستور إسلامى وهوية إسلامية للدولة، ولأول مرة يعرف الوعى العربى أو المسلم دولة تقوم على الإسلام كدين، يقال إن الإخوان عن طريق سيد قطب قد تأثروا بهذه الفكرة من المودودي، وهذا غير صحيح فالإخوان من قبل المودودى ومنذ أيام حسن البنا لديهم مشكلة مع الدولة الحديثة، وعبد القادر عودة كتب قبل المودودى عن تناقض القانون الوضعى مع الدين.

منذ الستينيات وبفضل كتابات سيد قطب أخذ المسار الذى خطه حسن البنا طريقه للإعلان عن نفسه بوضوح بتكفير الدولة الوطنية باعتبارها نظامًا متغربًا وجاهليًا.

■ لكنهم يقولون: الإسلام لم يعرف مثل هذه الدولة الوطنية طوال تاريخه؟

- كما سبقت الإشارة، مثل هذه الأمور تخضع للمصلحة والاجتهاد من أجل إقامة العدل والاستقرار وتحقيق مصالح الناس، إن نظام الدولة الحديثة هو نظام عالمى لا يمكن التخلى عنه أو الخروج عليه، إذ من طريقه تتحقق المصالح الضرورية للناس، أما فيما يخص عدم معرفة المسلمين لفكرة الدولة الوطنية، فنحن لو تأملنا بنود وثيقة المدينة التى وضعها الرسول- صلى الله عليه وسلم- نجد انها راعت مصالح الجماعة وفق مقتضيات الواقع فى عصره، فى حين ان النظام الذى أقامه الخلفاء الراشدون، كان مختلفًا عن ذلك الذى أسسته وثيقة المدينة النبوية، ولو ظل النظام الراشدى صالحًا لقضاء مصالح الناس لما زال، كما زال النظام الأموى بعده، فالفيصل فى مثل هذه الأمور هو تحقيق المصلحة وهذا متحقق فى الدولة الوطنية، فلماذا نعاديها ونعمل على تفكيكها مثلما تفعل التنظيمات المتطرفة بحجة عدم توافقها مع الشريعة الإسلامية!