الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صدقى باشا والصحافة: غرام وانتقام!

صدقى باشا والصحافة: غرام وانتقام!

الغريب فى مسيرة إسماعيل صدقى باشا وعلاقته بالصحافة وحربه بلا هوادة ضدها، أنه عمل صحفيًا أثناء دراسته فى مدرسة - كلية - الحقوق!!



يقول صدقى باشا فى مذكراته: دخلت مدرسة الحقوق وكان من زملائى فى الفصل «محمد توفيق نسيم» - وأصبح رئيس وزراء فيما بعد - وأحمد لطفى السيد ومن زملائى فى المدرسة مصطفى كامل وعبدالخالق ثروت - رئيس الوزراء فيما بعد، وقد اشتغلت بالصحافة أثناء دراستى بهذه المدرسة، فحررت مع مصطفى كامل فى مجلة «المدرسة» التى أنشأناها ثم أنشأت مع لطفى السيد مجلة الشرائع وهى مجلة قانونية فكنت أحرر فيها فصولًا فى القانون والاقتصاد وكنت ميالًا بطبعى إلى المسائل الاقتصادية.

وأذكر أننى وأنا بالسنة الثالثة بالحقوق اشتركت مع مصطفى كامل فى تنظيم مظاهرة للطلبة بمنح البلاد الدستور.

وعندما أصبح صدقى باشا رئيسًا للوزراء فى عام 1930 ضاق ذرعًا بالصحافة وصادر صحفًا ومجلات كانت «روزاليوسف» فى مقدمة هذه المجلات والصحف وفى مذكراته يعترف بأن الصحافة أقوى سلاح حورب به ويضيف: أن الصحافة قوة تستطيع أن تبنى وتستطيع أن تهدم واستطاعتها فى الهدم أشد منها فى البناء خصوصًا فى بلد لم ينضج بعد النضوج الكافى ولم يتعود التفكير الذاتى، ولو أنه كانت جوارى صحافة مؤيدة قوية لما استطاع خصومى أن ينجحوا فى محاربة دستور سنة 1930 ذلك الدستور الذى بينت كيف وضع بعناية ورؤية ودقة، والذى كان من أرقى دساتير العالم وأقلها عيوبًا بالنسبة لدستور 1923.

بل أنه كان خاليًا من تلك العيوب التى عانتها البلاد فى الماضى، وتعانيها الآن! ولكن خصومى استطاعوا أن يحاربوننى بأقوى سلاح وهو الصحافة، وقد كانت لهم صحافة ذات دعايات حزبية تنشرها فى البلاد وكانت حرة من كل قيد فأمكنها أن تشوه أغراض هذا الدستور الجديد ومبادئه الحقة، ووجدت من قرائها من يصدق هذه الدعايات أو من يحاربها تحت أهواء السياسة وأقدار الظروف.

على الرغم من هذه الحرب الشعواء التى كانت تشنها الصحافة ويشنها خصومى، فإنى لم أعبأ بذلك أثناء توليتى للحكم، لأنها كانت حربًا حزبية أو قل إنها شخصية لا تهدف إلى المصلحة العامة، بل تهدف إلى مصلحة شخص أو حزب معين، ولو أنها كانت لوجه الوطن ولمصلحة البلاد العليا بعيدة عن الشهوة لما أخذت هذه الصفة التى كانت تتسم بها طول مدة وجودى فى الحكم.

والغريب واللافت للنظر أن صدقى باشا لم يتحدث أبدًا فى مذكراته عن صحيفة «الشعب» التى أنشأها ورفض د.طه حسين رئاسة تحريرها، ويروى الكاتب الكبير محمد زكى عبدالقادر الذى كان مسئولًا لفترة عن هذه الجريدة فيقول: كانت الجريدة لا تقرأ لأن الناس لم يكونوا مؤمنين بسياسة صدقى باشا ولا بدستوره الذى أصدره، وكان صدقى باشا إذا أراد أن يدلى بتصريح أدلى به إلى «الأهرام» أو المقطم، ويغضب عبدالمجيد نافع - رئيس التحرير - ويصرخ: أمال جريدته فين؟.

كان الرجل يبذل غاية جهده فى تحبير المقالات وملئها بأعظم الشتائم فى الوفد والوفديين، فلا يرد عليه أحد ولا على جريدته أحد، بينما الحملة على صدقى باشا وسياسته وحكومته لا تقف ولا تلين.

وأخيرًا ترحل حكومة صدقى باشا فى سبتمبر سنة 1933 وللذكريات بقية!