الأحد 1 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر وإفريقيا من منبر لحركات التحرر.. لتأسيس الوحدة إلى «صوت القارة» فى الأزمات والتحديات

الرئيس جمال عبدالناصر مع قادة إفريقيا
الرئيس جمال عبدالناصر مع قادة إفريقيا

أعد الملف - أحمد أمبابى



أسست ثورة 23 يوليو 1952، نموذجًا لمسار العلاقات المصرية الإفريقية، حينما استعادت الدولة المصرية حضورها وتأثيرها فى محيطها القارى، ووضع الدائرة الإفريقية كأولوية ضمن أولويات تحرك السياسة الخارجية المصرية، لتقف “القاهرة” فى موقف الداعم والمساند لحركات التحرر الإفريقية من الاستعمار الأوروبى، وصولًا لدعم مسار الوحدة الإفريقية، وصولًا إلى الشراكة فى مواجهة التحديات ودعم جهود التنمية حاليًا، باعتبارها أولوية لمصر منذ ثورة 30 يونيو.

وما بين مشروع ثورة يوليو 1952، ومشروع ثورة 30 يونيو 2013، لم يختلف التقدير المصرى لاستراتيجية العلاقات مع الدول الإفريقية، بل يتطابق المشروعان، فى مكانة الدائرة الإفريقية، وفى صياغة رؤية جديدة للعلاقات تتعاطى مع تحديات كل مرحلة، لتحقيق غاية أساسية، تتمثل فى تأكيد الحضور والتأثير المصرى فى محيطها القارى، وحماية المصالح المصرية المختلفة بالقارة.

وارتبطت أولوية الدائرة الإفريقية وأهميتها فى سياسة مصر الخارجية، بمجموعة من المحددات والعوامل المهمة، على رأسها الموقع الجغرافى المميز للدول المصرية، وتقاطعاته مع دوائر أخرى، بداية من المنطقة العربية والشرق أوسطية، ومكانتها فى العالم الإسلامى، لكن من العوامل المؤثرة فى تحديد مكانة الدائرة الإفريقية فى أجندة أولويات مصر الخارجية، هو مدى إدراك النخبة الحاكمة وصانعى السياسة لأهميتها، وما تمثله من فرص وتحديات أو أخطار على مصالح مصر الاستراتيجية.

من هذا المنطلق، اختلف تقدير أهمية وأولوية الدائرة الإفريقية من فترة لأخرى، بين الأنظمة الحاكمة فى مصر، خصوصًا فى الفترة من بعد ثورة يوليو 1952 حتى الآن، وفقًا لواقع التحديات الإقليمية والدولية، وهو ما يمكن توضيحه فى المراحل الثلاث التالية.

يُنظر للعلاقات المصرية الإفريقية، بعد ثورة 23 يوليو، وتحديدًا فى فترة حكم الزعيم جمال عبد الناصر، باعتبارها فترة ذهبية فى العلاقات المصرية مع إفريقيا، فبعد ثورة 23 يوليو ظهرت فكرة الدوائر الثلاث للحركة السياسية المصرية، حيث احتلت إفريقيا المرتبة الثانية بعد العالم العربى فى أولوية السياسة الخارجية، ثم الدائرة الإسلامية فى المرتبة الثالثة، ووثق ذلك كتابات جمال عبد الناصر، وأهمها كتاب “فلسفة الثورة”.

وقام الدور الإقليمى المصرى، فى هذه الفترة، على عدد من الأسس والمبادئ المهمة، أهمها: مناهضة الاستعمار الأوروبى، ودعم تحرر الدول الإفريقية، ومناهضة النظم العنصرية فى القارة، وخصوصًا نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، ورفض أشكال الاستعمار الجديد وأشكال الهيمنة والتبعية الغربية، وتعزيز التضامن الإفريقى القارى بالمساهمية الإيجابية والفاعلة فى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية.

وقدمت مواقف عديدة لدعم الدول الإفريقية، امتد بها التأثير المصرى لغالبية دول القارة، وجاء فى مقدمة تلك الموقف دعم القاهرة لحركات التحرير الإفريقية، فقد كانت مصر أول دولة فى العالم تقدم لحركات التحرير الأسلحة والتدريب العسكرى المناسب، وظهر الدعم أيضًا بفتح مكاتب لحركات التحرير الإفريقية فى القاهرة، لإيجاد تواصل بين حركة التحرير الإفريقية وبين مصر ومع العالم الخارجى أيضًا، وكانت مصر أول بلد فى العالم يتجمع فيه عدد كبير من المكاتب السياسية الإفريقية، كما اهتم عبد الناصر بإنشاء جهاز إعلامى قوى لدعم التواصل مع إفريقيا، حتى أصبحت القاهرة العاصمة الأولى فى إفريقيا والعالم التى تعكس قضايا القارة ككل، ونقلت مصر بهذا التوجه الإحساس لجميع الأفارقة بأن مصر جزء لا يتجزأ من القارة الإفريقية.

نستطيع أن ننظر لمستوى العلاقات المصرية الإفريقية، خلال فترة الرئيس أنور السادات (1970 حتى 1981)، بأنها فترة استثمار لنتائج سياسات وتأثير مصر بالقارة فى عهد جمال عبدالناصر، وظهر ذلك فى معركة التحرير المصرية واسترداد أرض سيناء من إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، ووقفت غالبية الدول الإفريقية داعمة للدولة المصرية، حيث قطعت نحو ثمانى دول إفريقية علاقاتها مع إسرائيل بعد النكسة فى 1967، ثم قطعت 20 دولة علاقاتها مع إسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973، تضامنًا مع مصر.

فى هذه الفترة أصّلت الدولة المصرية لمسار العلاقات العربية الإفريقية، حيث استضافت القاهرة فى مارس 1977، أول مؤتمر قمة عربية إفريقية، شارك فيه 65 دولة عربية وإفريقية، صدر عنه إعلان سياسى من 13 بندًا، تعهدت فيه الدول العربية والإفريقية بتنمية علاقاتها على المستويين الثنائى ومتعدد الأطراف، وكان هذا المؤتمر انعكاسًا واضحًا للنشاط المصرى الفاعل فى الدائرتين العربية والإفريقية، خصوصًا وأن مسار العلاقات العربية الإفريقية تجمد نحو 33 عامًا.

وفى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، اتسمت سنوات حكمه الأولى، بالوقوف على الحياد فيما يتعلق بالقضايا الإفريقية، حيث واصلت الدولة المصرية دعمها للقضايا الإفريقية من خلال مساندة منظمة الوحدة الإفريقية، وخصوصًا فيما يتعلق بأدوارها فى القضايا المتفق عليها مثل تصفية الاستعمار، ومواجهة نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، ثم تراجع الاهتمام المصرى بالقارة، بعد محاولة اغتيال مبارك فى عام 1995، لصالح دوائر أخرى مثل الدائرة العربية والخليجية والمتوسطية.

-3 30 يونيو واستعادة التأثير المصرى بإفريقيا

بعد ثورة 30 يونيو، حيث بدأت الدولة المصرية مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مهمته كرئيس للجمهورية، بتنفيذ استراتيجية شاملة تتبنى سياسة الانفتاح على القارة الإفريقية، وتقدم مبدأ الشراكة مع دول حوض النيل التى ترتبط مصر معها بمصالح حيوية، وفى نفس الوقت وضع استراتيجية محددة للتعامل مع تحديات الأمن المائى وعلى رأسها ملف سد النهضة، استطاعت أن تقفز بمكانة التواجد المصرى إلى موضع متقدم، من دولة كانت عضويتها معلقة بعد 30 يونيو 2013، إلى رئاسة الاتحاد الإفريقى فى 2019.

سياسة الانفتاح والشراكة التى تبنتها الدولة المصرية ترجمتها تحركات عدة أهم ما يميزها استخدام الرئيس السيسى الدبلوماسية الرئاسية (رفعية المستوى) للتواصل مع زعماء دول القارة الإفريقية، وحرصه على المشاركة فى مختلف الفعاليات والاجتماعات التى تتناول قضايا الدول الإفريقية، وكان لذلك نتائج مؤثرة أهمها رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى خلال عام 2019، فضلًا عن الحضور المصرى فى فعاليات دولية كبرى تحدثت خلالها بصوت القارة الإفريقية.

وعلى مدى أكثر من 10 سنوات استطاعت الدولة المصرية أن تنفذ مجموعة من برامج التعاون المختلفة فى سبيل استعادة مكانتها وريادتها فى القارة الإفريقية، بل وأصبحت الدولة المصرية فى الفترة الأخيرة معبرة عن صوت القارة الإفريقى فى كثير من المجالات خصوصًا مجالات التغير المناخى والتنمية والأمن الغذائى والطاقة.. وهذا ما أكدت شهادات مجموعة من الخبراء والدبلوماسيين المختصين بالشأن الإفريقى.