الاغتيالات فى مرمى الاختراق الاستخباراتى
خبراء يطرحون السيناريوهات المحتملة بعد اغتيال هنية
نشوى يوسف ونورالدين أبوشقرة وأمانى عزام
أغرق حادث اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية، الرئيس الإيرانى الجديد مسعود بزشكيان، فى مستنقع الأزمات، بعد ساعات قليلة من توليه منصبه، حيث يواجه مطالب داخلية للرد على ما يُعد استهدافاً مُهيناً لحليف أثناء زيارته لطهران لحضور تنصيبه.
وتجيب «روزاليوسف» من خلال محللين سياسيين وخبراء أمنيين على التساؤلات الأكثر إثارة حول قضية اغتيال هنية والاختراق الأمنى وسيناريوهات الرد المحتمل، وقد أعلنت حركة حماس أمس اختيار يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسى خلفاً لهنية.
إعادة جدولة النظام الأمني.
من جانبه، قال اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق وخبير الأمن القومى لـ«روزاليوسف»، إن موضوع اختراق الأجهزة الأمنية هى ضربة قوية لإيران فى ظل محاولاتها توسيع نفوذها الإقليمي، لهذا يجب عليها مراجعة أنظمتها الأمنية، بعد إثارة الشكوك حول قوة الأمن الإيراني، لذلك ستعيد طهران الآن جدولة نظامها الاستخباراتى لتفادى أى اختراقات قادمة.
وحول ربط ما حدث من اغتيال لرئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية بمقتل الرئيس الإيرانى السابق إبراهيم رئيسي، يرى «رشاد» أن حوادث طائرات الهليكوبتر فى إيران واردة باستمرار فهى ليست عملية تخريب بقدر ما هى فشل فى عمليات الصيانة واستبدال قطع الغيار.
حول إمكانية الرد، أوضح أن إيران لابد أن ترد لأن ما حدث كان جرحا لكرامتها، لأنه هز نفوذها الإقليمي، لكن لابد أن نفهم أن الرد الإيرانى اليوم سيتم من خلال الأذرع الإيرانية، وحزب الله أحد الأذرع وأخطرها على إسرائيل من منطلق أن الأهداف الإسرائيلية بالنسبة لحزب الله قريبة جدا، لذلك لابد لحزب الله أن يثأر لإسماعيل هنية، لأن عدم الثأر يضع قيادات حزب الله فى خطر.
وأشار وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، إلى أنه نتيجة العمليات الأخيرة بدأت تتآكل عملية الردع الإسرائيلية، حيث كانت أكبر دولة رادعة فى المنطقة، إلا أنه الآن ومع ظهور جيل جديد من الصواريخ الإيرانية، مكنت إيران من الوصول للعمق الإسرائيلى بسهولة.
اغتيال رئيسى
من جهته، قال اللواء سمير فرج، الخبير الأمنى والاستراتيجي، إن إيران مخترقة من الداخل منذ اغتيال علماء الذرة الأربعة خلال عامى 2010-2012، مشيرًا إلى أن حادث اغتيال إسماعيل هنية داخل طهران يفتح الأذهان إلى إمكانية أن يكون سقوط مروحية الرئيس الإيرانى السابق إبراهيم رئيسى حادث اغتيال مدبر خاصة فى ظل سقوط الرئيس فى منطقة جبلية صعبة رغم الاحتياطات التى يتم اتخاذها فى رحلات ومواكب الرؤساء، بالإضافة لسقوط طائرته دون عن الطائرات التى كانت مرافقة له.
وأكد فرج لـ «روزاليوسف» أن إيران مضطرة هذه المرة للرد بشكل قوى لأنها وضعت فى موقف حرج أمام شعبها بعد اغتيال “هنية”، لافتًا إلى أنه عندما اعترفت الولايات المتحدة باغتيال قاسم سليمانى قائد قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثورى الإيرانى عام 2020، ردت إيران بضرب قاعدة عين الأسد الأمريكية فى شمال سوريا، لكن الرئيس السابق دونالد ترامب فضحهم أمام العالم بعد شهرين بأن الرد الإيرانى تم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية لحفظ ماء الوجه، وهو ما يعنى أن الرد هذه المرة ربما لا يكون منسق مسبقًا.
وأشار فرج، إلى أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل الأحداث، خاصة فى ظل رغبة إسرائيل توجيه ضربة استباقية لطهران، وسط تحذيرات أمريكية شديدة اللهجة لنتنياهو للتهدئة فهل سيستجيب رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى يسعى لإشعال الحرب، كما أن هناك ضغوطا أمريكية ومحاولات لتهدئة طهران ومنع رد قوى يمنع انزلاق المنطقة فى حرب شاملة، موضحًا أن إيران أمام تحدٍ كبير وهو الحفاظ على برنامجها النووي، وبالتالى فإن دخولها فى حرب كبرى ربما يؤدى إلى خسارتها برنامجها النووي، فضلا عن ضرورة الرد لاستعادة هيبتها، وبالتالى فإن الرد من الممكن أن يكون موجعًا ولكنه داخل قواعد الاشتباك، خاصة أن نتنياهو يسعى لاستغلال الفرصة لتوريط طهران والمنطقة فى حرب شاملة وعدم وقف إطلاق النار فى غزة.
استهداف المواقع العسكرية
وأكد الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، أن هناك حتمية داخل إيران بضرورة أن يكون هناك رد موجع تجاه إسرائيل، لكن الاختلاف الجوهرى داخل دوائر صنع القرار فى طهران حول مدى قوة الرد وتأثيره وآلية تنفيذه، موضحًا أن دائرة صنع القرار الإيرانى تبحث الآن عن تنفيذ عمليات نوعية تكون مؤثرة جدًا داخل إسرائيل، علاوة على أن الرد الإيرانى سيتناسب مع حجم انتهاك السيادة الإيرانية وإظهارها فى صورة الدولة الضعيفة أمام شعبها والمجتمع الدولي.
وتوقع، أن تستهدف طهران مواقع عسكرية، لافتًا إلى أنه يجرى الآن خلق قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين بعد أن كسرت إسرائيل قواعد الاشتباك الأساسية حتى لا تدخل المنطقة فى حرب إقليمية شاملة، موضحًا أنه من الضرورى أن يتم خلق قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين، لأنه فى حال ردت إسرائيل بشكل قوى على الرد الإيرانى المنتظر ستتحول المنطقة إلى منطقة صراع نفوذ دولي، مؤكدًا أن إيران وإسرائيل غير مستعدتان لدخول حرب شاملة ولكنها حرب الضرورة وحتمية الرد لحفظ ماء الوجه الإيراني.
روايات الاختراق
وأوضح د.فكرى سليم استاذ الدراسات الإيرانية، أن روايات الاختراق فى اغتيال إسماعيل هنية، متعددة وهى أن إسرائيل القاتل الأول من خلال استهدافه بصاروخ موجه أو طائرة مسيرة، مثلما فعلت بقاعدة أصفهان العسكرية، أما الرواية الثانية فهى التى تحدثت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية وقالت إنه اغتيل عن طريق عبوة ناسفة تم وضعها داخل مقر إقامته منذ فترة طويلة بغرفته الخاصة، بدار الضيافة التى كان يقيم فيها فى العاصمة طهران وتم تنفيذها عن بعد ولكن الأجهزة الأمنية فى إيران كذبت هذه السيناريوهات.
وأضاف: يأتى السيناريو الثالث من خلال الحرس الثورى والذى صرح بأن هنية تم اغتياله بقذيفة قصيرة المدى ذات رأس حربى يزن حوالى 7 كيلو جرامات تم إطلاقها من مكان قريب لدار الضيافة، حيث وجهت إيران وحماس أصابع الاتهام لجيش الاحتلال الذى التزم الصمت وقرر عدم التعليق على الحادث”، مؤكدًا أن هذا الاختراق ليس الأول من نوعه وفى اعتقادى انه لن يكون الأخير بسبب تكراره مرات عديدة من قبل دون أن تفلح إيران فى صد هذه الهجمات أو حتى صد الثغرات الأمنية التى يتم اختراقها.
هز صورة إيران الذهنية
ووضع د. محمد محسن أبو النور تحليلا حول اغتيال إسماعيل هنية فى طهران والرد الإيرانى المتوقع فى عدة نقاط هى: “اغتيال أهم شخصية فى المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل فى إيران ينال من إيران أكثر بكثير مما ينال من حماس؛ لأنه يهز الصورة الذهنية لإيران بعنف أمام داعميها ومناصريها بالداخل والخارج”، مؤكدًا أن توقيت الاغتيال له دلالة مهمة فى أول يوم لتولى الرئيس الإصلاحى مسعود بزشكيان مقاليد الرئاسة وهو تطور يشير لرغبة إسرائيل فى نثر الأشواك على طريق بزشكيان نحو أمريكا وإبعاد الرجل الإصلاحى وفريقه عن البيت الأبيض كلما كان ذلك ممكنا، إذا الزمان والمكان لهما أكبر الأثر فى هذه العملية الإسرائيلية ومن اتخذ هذا القرار فى تل أبيب يعرف أن إيران لن تتسامح مع مثل هذا العمل ولا يمكن لها أن تكتمه فى كبدها أو تمرره تحت أى ظرف؛ لأن حماية الضيف أهم من حماية أصحاب البيت”.. وأوضح أبو النور، أنه بالتالى الرد الإيرانى الجبرى سيعقد مسيرة المفاوضات الإيرانية – الأمريكية، خاصة أن بزشكيان وضع تلك المسألة كأولوية مركزية فى برنامجه الانتخابى وفى فترته الرئاسية التى ستنتهى عام ٢٠٢٨، كما أنه سيعقد مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن فى غزة، لافتا إلى أن طريقة الاغتيال بصاروخ موجه إلى جسد هنية وهو فى غرفة نومه تشير إلى أن هناك اختراقا أمنيا إلى أعمق الأعماق فى طهران، وأن هذا الانكشاف الأمنى سيجعل إيران مجبرة على فتح تحقيق على أعلى المستويات للعثور على الثغرات الاستخباراتية ومعرفة من يكون الـ”إيلى كوهين” فى مؤسسات الدولة، وهى بالمناسبة سبق وأعدمت مسئولا فى الحرس الثورى لتعاونه مع إدارة ترامب فى اغتيال قاسم سليماني.
وأكد أن الرد سيكون إيرانيا بشكل مباشر بالتزامن مع عمليات من حلفاء إيران فى المنطقة على غرار تجربة إبريل الماضي، وقد تلجأ إيران إلى سلسلة من الإجراءات بما فى ذلك احتجاز السفن فى مضيق هرمز أو اغتيال شخصيات بارزة فى تل أبيب أو شخصيات إسرائيلية نوعية بالخارج.