الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحل الصعب فى السودان

ما بين جنيف والقاهرة، شهدت الأزمة السودانية حراكا دوليا جديدا، أملا فى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، وحلحلة الأزمة الداخلية، بتحريك مسارات الحل، لوقف الحرب الداخلية والمستمرة على مدى 16 شهرا، وإنقاذ الوضع الإنسانى للمتضررين من تلك الحرب.



وفيما يعكس الصعوبات التى ما زالت تقف حجر عثرة، أمام حلول الأزمة السودانية، لم تنجح جهود “الوساطة الدولية”، فى جمع طرفى الحرب فى مفاوضات “جنيف” التى دعت لها الولايات المتحدة الأمريكية فى 14 أغسطس الجاري، بل ما زالت الاجتماعات تجرى “بصيغة أحادية”، بين الأطراف «الجيش السودانى وعناصر الدعم السريع» أملا فى إنهاء الأزمة الداخلية.

خلال الأسبوع الماضى، ترقب ملايين السودانيين، ما ستسفر عنه المفاوضات التى دعت لها الخارجية الأمريكية فى العاصمة السويسرية جنيف، بحضور أطراف دولية وإقليمية، غير أن سقف الآمال تضاءل مع إعلان الحكومة السودانية عدم المشاركة فى تلك المحادثات قبل تنفيذ بنود اتفاق جدة الذى تم توقيعه فى 13 مايو 2023، قبل أن تستجيب الحكومة للاتصالات التى جرت مع قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، بإرسال وفد حكومى للقاهرة وليس لجينيف، من أجل التشاور فى آليات تنفيذ اتفاق جدة.

وما بين تلك التطورات الدراماتيكية فى مسارات التفاوض لإنهاء الأزمة السودانية، ما زالت حالة الترقب مستمرة، حول مدى تعاطى طرفى الحرب مع الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لوضع حد للحرب الداخلية، وإنهاء معاناة ملايين من السودانيين.

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربًا داخلية، بين الجيش السودانى، و”قوات الدعم السريع”، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت “نحو 13 مليون سودانى للفرار داخليًا وخارجيًا لدول الجوار”، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

مفاوضات جنيف

البداية كانت، بدعوة الخارجية الأمريكية لمبادرة جديدة، تجمع طرفى القتال فى السودان (الجيش، وقوات الدعم السريع)، فى محادثات بسويسرا، 14 أغسطس الجارى، بهدف العمل على إنهاء الحرب، وذلك بحضور ممثلين من الاتحاد الإفريقي، ودول إقليمية كمراقبين، مثل مصر والسعودية والإمارات.

ورفضت الحكومة السودانية المشاركة فى اجتماعات جينيف، فى الوقت الذى حضر فيه ممثلون عن قوات “الدعم السريع”، وتمسكت الحكومة السودانية أولا بتنفيذ مخرجات (اتفاق جدة) الإنسانى، الذى تم التوصل إليه فى 11 مايو 2023.

واتفاق جدة، هو الاتفاق الذى تم توقيعه بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، بعد مفاوضات استضافتها مدينة جدة السعودية، بمبادرة سعودية – أمريكية، عقب اندلاع الحرب الداخلية بالسودان، ونص على حماية المدنيين والمرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.

ومع بداية مشاورات جنيف، بحضور ممثلين للدعم السريع، وفى غياب الحكومة، قال بيان مشترك للأطراف المشاركة فيه (أمريكا ومصر والسعودية والإمارات وسويسرا والاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة)، “تكثيف الجهود الدبلوماسية لدعم السودان ووقف الأعمال العدائية”، وأضاف البيان “ نعمل بالاستناد لنتائج اجتماعات جدة السابقة والجهود الأخرى والقانون الإنسانى الدولى لحل الأزمة فى السودان”.

اتصالات مصرية أمريكية

بالتزامن مع بدء اجتماعات جينيف، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية، والوسطاء الدوليون المشاركون، وعلى رأسهم مصر، من الاتصالات مع قادة الجيش السودانى، أملا فى التعاطى مع مسار الحل الدولى، وأجرى وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى هذا الصدد، اتصالا مع رئيس مجلس السيادة الانتقالى عبدالفتاح البرهان، الأربعاء 14 أغسطس، وخلال الاتصال أكد البرهان أن “الموقف السودانى ثابت، ويتمسك بتنفيذ اتفاق إعلان جدة”، مشيرا إلى أنه “ليس هناك مانع لجلوس الحكومة السودانية مع ممثلى منبر جدة (المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية)، للنقاش معهم حول كيفية التنفيذ، مع رفض مشاركة أطراف وسيطة أخرى”.

وعشية المباحثات التقى عضو مجلس السيادة السودانى، نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول شمس الدين كباشى، السفير المصرى بالسودان هانى صلاح، قدم كباشى، شرحًا مفصلًا لموقف الحكومة السودانية فيما يتعلق بمفاوضات جينيف ومنبر جدة وجميع المسارات التى من شأنها أن تسهم فى استقرار وأمن ووحدة السودان. 

من جانبه، أعرب السفير المصرى بالسودان فى تصريح صحفى عقب اللقاء، عن شكره وتقديره للسودان حكومة وشعبًا، مؤكدًا عزم بلاده على الاستمرار فى دعم الحكومة السودانية لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام، مشيرًا إلى استمرار دعم الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى لكل المبادرات التى يمكن أن تفضى إلى وقف الحرب فى السودان.

مفاوضات حكومية فى القاهرة 

بعد اتصالات مكثفة من الوسطاء الدوليين، قررت الحكومة السودانية، إرسال وفد حكومى للقاهرة، للقاء وفد من الإدارة الأمريكية “لمناقشة رؤية الحكومة فى إنفاذ اتفاق جدة”، وذلك بعد اتصالات المبعوث الأمريكى إلى السودان والحكومة المصرية، حسب بيان من مجلس السيادة السودانى.

وأعلن المبعوث الأمريكى الخاص للسودان، وصوله للقاهرة الثلاثاء الماضى، لإطلاع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، وكبار المسئولين المصريين، على نتائج اجتماعات جينيف، وقال إنه سيلتقى وفدا من الحكومة السودانية بشأن مشاركة القوات المسلحة السودانية فى جهود الوساطة فى سويسرا، وقال إن المشاورات تستهدف “تعزيز وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين فى السودان، وضمان الامتثال للالتزامات الواردة فى إعلان جدة، فضلًا عن وقف الأعمال العدائية فى السودان”.

وسبق نفى المبعوث الأمريكى للسودان، انتهاء المفاوضات الدولية فى جنيف، وقال فى تصريحات صحفية، إن “الوفود المشاركة فى المفاوضات تريد استمرار الاجتماعات الجارية لتحقيق نتائج على الأرض”، مشيرًا إلى أنه “سيواصل (المفاوضات الأحادية) مع الطرفين للحصول على الالتزامات الممكنة”.

وقبل بدء مباحثات جينيف، رحب المبعوث الأمريكى فى السودان، بالوفد المصرى المشارك، وقال فى تغريدة على حسابه الرسمى، “يشرفنى أن أرحب بالوفد المصرى لإجراء محادثات حاسمة حول الأزمة السودانية، وأنا ممتن للقاهرة لكونها شريكا استراتيجيا فى جهودنا المشتركة لإنهاء الصراع ومعالجة الأزمة الإنسانية، ونتطلع إلى دورهم الحيوى فى دفع هذه المناقشات الدبلوماسية قدما”.

المقاربة المصرية للحل

اعتبر السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن “الرؤية الأمريكية المقدمة فى مفاوضات جينيف لحل الأزمة السودانية، قريبة من المقاربة المصرية للحل فى السودان”، وقال إن “الجانب الأمريكى يركز على سبل إنفاذ المساعدات الإنسانية، وإشراك القوى السياسية فى الحل”، مشيرا إلى أن ذلك “يتوافق مع مخرجات مؤتمر القاهرة للقوى السياسية والمدنية السودانية، التى قدمت توصيات لإنهاء الحرب وتوصيل المساعدات الإغاثية للمتضررين، والتأسيس لحل سياسى شامل تشارك فيه كل الأطراف السودانية”.

وقال حليمة، إن “الادارة الأمريكية استحدثت منبر جنيف، للتعاطى مع الأزمة السودانية، وتحقيق نتائج إيجابية فى ملف السودان، حتى يمكن استثماره فى الانتخابات الأمريكية المقبلة”.

وقال إن موافقة الحكومة السودانية، على إرسال وفد للقاهرة للتفاوض مع المبعوث الأمريكى، أدت إلى “رفض الجيش السودانى الجلوس مع طرف الدعم السريع، فى أى مباحثات، قبل تنفيذ مخرجات مسار جدة الإنساني”.

بينما ربط، صلاح خليل الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية، بين النجاح فى تحقيق انفراجة فى حل الأزمة السودانية، وبين تركيز مشاورات الحكومة السودانية مع المبعوث الأمريكى فى القاهرة على آليات تنفيذ اتفاق جدة، بضمانة من مصر، وقال إن “ المفاوضات لن تحقق شيئًا حال ممارسة الجانب الأمريكى ضغوطا على الجيش السودانى”.

وأوضح أن الأزمة فى السودان “لا تحتاج لمبادرات جديدة ولكن تنفيذ ما تم التوصل إليه فى المفاوضات السابقة”.

دعم إنسانى مستمر

تتخذ الجهود المصرية، لإنهاء الأزمة فى السودان، مسارات عديدة، فى مقدمتها العمل على لم شمل الفرقاء والقوى السياسية السودانية، وهو ما تحقق فى عقد مؤتمر للقوى السياسية السودانية فى القاهرة بداية شهر يوليو الماضى، تحت عنوان معا لوقف الحرب فى السودان”، بحضور تكتلات القوى السياسية الرئيسية مثل “الكتلة الديمقراطية وقوى الحراك الوطنى، وتنسيقية القوى المدنية (تقدم)”، وتضمن البيان الختامى للمؤتمر توصيات تتعلق بثلاثة مسارات أساسية “وقف الحرب الداخلية، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، والتأسيس لحل سياسى شامل تشارك فيه كل الأطراف السودانية”.

وسبق ذلك استضافة القاهرة قمة دول جوار السودان فى 13 يوليو 2023، لبحث سُبل إنهاء الصراع والتداعيات السلبية له على دول الجوار، ووضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة فى السودان بصورة سلمية، وفى سبتمبر 2023 عُقد الاجتماع الثانى لوزراء خارجية دول جوار السودان، بمقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك. 

وفى نوفمبر 2023، احتضنت مصر، مؤتمر “القضايا الإنسانية فى السودان 2023”، بحضور أكثر من 400 مشارك وجرى خلالها التوافق على الدعوة إلى “توسيع مظلة القوى الداعمة لإيقاف الحرب فى السودان”، وفتحت مصر أبوابها للشعب السودانى الفار من الحرب.