مؤتمر الواعظات الأول عقد برعاية ودعم الرئيس السيسى
علماء الدين يطرحون رؤيتهم لدور المرأة فى الدعوة وبناء الأسرة
أشرف أبو الريش
لم يأت حديث الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف عن المرأة من فراغ، فلقد صدق عندما أكد أن المرأة مفتاح نجاح الحياة، ولبنة بناء الأوطان، ونبع العطاء الذى لا ينضب، ورغم قوة الرجل فى الظاهر، إلا أنها هى التى تثبّت فؤاد الرجل وتقويه؛ ترضيها كلمة طيبة فكيف بعشرة عمر طيبة! هى الأم وإن كانت ابنة أو أختًا أو زوجة، يحتويها الرجل ظاهرًا لكنها تحتوى عقله وهمّته باطنًا، وتمسح همومه بما أودع الله فيها من رحمة.
وأكد وزير الأوقاف أن المرأة خلقت لتكرّم، كما أن الأوطان خلقت للوفاء، جاء ذلك خلال افتتاح أعمال المؤتمر الدولى الأول للواعظات الذى عقد بالقاهرة بحضور دولى كبير من قادة الفكر فى العالم العربى والإسلامى الغربى.
فى البداية يقول الشيخ بويار سباهيو/ المفتى العام لجمهورية ألبانيا، رئيس المشيخة الإسلامية الألبانية فى حديثه عن دور المرأة المسلمة فى خدمة المجتمع: إن للمرأة المسلمة دورًا حيويًّا فى بناء وتطوير المجتمعات الإسلامية، فإلى جانب أدوارها الأساسية كأم ومربية، تُسهم المرأة المسلمة فى مجالات متعددة كالتعليم، والصحة كطبيبة وممرضة، والاقتصاد، والسياسة، والعمل الخيرى، وغير ذلك.
وقال: إن المرأة كان لها دور فى السياسة، حيث تظهر المرأة المسلمة فى المشهد السياسى كقائدة ومؤثرة، تسعى إلى تحقيق العدالة والمساواة وتطوير السياسات التى تدعم حقوق المرأة.
وعن دور المـرأة فى بناء الوعى السياسى يؤكد الدكتور عبدالله مبروك النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ بجامعة الأزهر، أن مصطلح الحقوق السياسية يعنى: مجموعة الحقوق التى تثبت للإنسان ذكرًا كان أو أنثى، ويقدر بها على أن يمارس نشاطه السياسى فى ظل حماية التشريع والمجتمع لتلك الممارسة ومنع تعطيلها، وكفالة حق الفرد فى الحرص عليها.
مجالات مشاركة المرأة السياسية
تتحدد معالم هذه المجالات من خلال المجالس النيابية والتشريعية والمحلية، وهذه المجالات قد تكون على المستوى القومى للدولة، وقد تكون على المستوى الإقليمى المتمثل فى المجالس المحلية للمحافظات والمدن والقرى، وهو ما يتسق مع اتساع مشاركة المرأة والاهتمام بها فى الجمهورية الجديدة.
وعن أهمية مشاركة المرأة فى تلك المجالات يؤكد النجار أن مشاركة المرأة فى كل تلك المجالات يمثل لها أهمية تفوّق فى نطاق تطبيقها، ومجالاتها المجالس النيابية ذات الطابع القومى.
وفى نفس السياق تؤكد الدكتورة إيمان كمال حسن بحيرى الواعظة بالأوقاف والأستاذ بكلية الطب عن المرأة المسلمة والتحدى الحضارى، أن الإسلام كرم المرأة وجعلها مكلفة كالرجل فى عبادة ربها، وكان النبى صلى الله عليه وسلم حفيًّا بتوعية المرأة وتوجيهها وإشراكها فى مسئولية بناء المجتمع المسلم، فنجد ذلك فيما رواه الشيخان عن ابن جريج، قال: أخبرنى عطاء عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قام يومَ الفِطرِ فصلَّى، فبدأَ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خَطَبَ الناسَ. فلما فَرَغَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم نزَلَ، وأَتَى النِّساءَ فَذَكَرهُنَّ، وهو يتوكأُ على يدِ بِلالٍ...) (كما صلى الله عليه وسلم اهتم بتوعيتها التوعية الفكرية والشعورية لذلك أمر بخروج النساء جميعًا لصلاة العيد حتى الحُيَّض منهنَّ).
دور المرأة فى بناء الأسرة
وما أحوجنا اليوم إلى دور المرأة فى تنشئة الطفل وبناء الأسرة فى ظل التحديات الشرسة الراهنة والتآمر على الإسلام من أعدائه، وقد ذكر القرآن المرأة وأعطاها حقوقها بوصفها إنسانًا، وكرمها بوصفها أنثى، وبوصفها بنتًا وزوجة وأمًّا، كما كرمها بوصفها عضوًا فى المجتمع، ولا تخفى علينا السيرة الشريفة من بدايتها لنهايتها لم يغب دور المرأة أبدًا.
وفى ضوء متغيرات العصر الحديث أُمليت علينا ثقافاتٌ وأفكار تؤثر فى فهم أفراد الأسرة لواجباتهم مما يؤثر بالسلب على وحدة بناء المجتمع، ومن ثم ترابط الأجيال وإدراكهم لطبيعة ثقافتهم الأصلية مما يوهن ويضعف الأسرة أصلًا والمجتمع كنتيجة لذلك.
وتؤكد الدكتورة إيمان كمال، أن الحياة الزوجية حياة اجتماعية لا بد لها من رئيس، حيث إن المجتمعين لا بد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم فى بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يُرجَع إلى رأيه فى الخلاف: لئلا يعمل كل ضد الآخر فتفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام، والرجل أحق بالرياسة؛ لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله..) كما حافظ الإسلام على كرامة المرأة فتوعد من يتطاولون على كرامة النساء الفضليات، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
وترى أن مسئولية الأم تجاه أسرتها المستقبلية وأولادها تبدأ بحسن اختيار الزوج المناسب لها ليكون أبًا صالحًا لأولادها، حيث كفل لها الشرع حق اختيار الزوج، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا» ، وأرشدنا النبى صلى الله عليه وسلم إلى حسن اختيار الزوج بالحديث الشريف: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير».
وتتابع: مسئولية الأم فى تربية الأولاد وتكوين شخصيتهم أكبر من مسئولية الأب، لقرب الأولاد من أمهم ولكثرة الوقت الذى يقضونه معها، ولمعرفتها الدقيقة بكل أحوالهم وتحركاتهم فى فترة النشأة والمراهقة الخطيرة فى حياة الطفل العقلية والنفسية والجسدية، وهى تدرك مسئوليتها الكاملة فى تربية أولادها التى عبّر عنها القرآن بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.
وعبّر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ فى أهلهِ ومسئولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةٌ فى بيت زوجِها ومسئولة عن رَعِيَتها، والخادمُ رَاعٍ فى مالِ سيدهِ ومسئولٌ عن رعيتهِ، فكلكم راعٍ ومسئولٌ عن رَعيتَّه» فالأم التى تعى مسئوليتها تجاه أولادها وبيتها، تعلم أولادها المسئولية وتكون قدوة لهم، فتربى بنتها لتكون زوجة صالحة وأمًّا واعية ومشاركة فى بناء المجتمع، وتربى ابنها ليكون زوجًا صالحًا وأبًا واعيًا، رجلًا شجاعًا، وقائدًا مغوارًا وحكيمًا، والأم المسلمة الواعية الحكيمة تسوى بين أولادها وتعدل بينهم فلا تفضل أحدًا منهم على الآخر فى الأمور كلها، سواء أكان ذلك فى النفقة أم الهبة أم المعاملة، فينشأ الولد نشأة نقية بعيدة عن الحقد والحسد والغيرة، وتكون نفسه مليئة بالرضا والتفاؤل والمحبة والإيثار والتسامح.
وقد اتسعت رحمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالإناث فشملت إلى جانب البنات الأخوات أيضًا، فعن سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يكون لأحدٍ ثلاثُ بَنَاتٍ، أو ثلاثُ أخَوَاتٍ، فَيُحسِنُ إليهنَّ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ» .
والمرأة المسلمة النابهة لا تدعو على أولادها، امتثالًا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الذى نهى عن الدعاء على الأولاد خشية أن يوافق الدعاء ساعة استجابة، وذلك فى حديث جابر الطويل الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا منَ اللهِ ساعةً يُسألُ فيها عطاءٌ فيستجيب لكم» وما دعت أم طائشة على أولادها إلا وندمت على فعلتها.
دور الزوجة فى الإسلام
بحسب د. إيمان: يجب على الزوجة المسلمة حفظ مال الزوج وكتم أسراره، وألا تُدخل بيته أحدًا دون إذنه، وفى بيان هذه الحقوق أحاديث كثيرة، منها: ما جاء فى خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا فإنما هنَّ عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة، فإن فعلن فاهجروهنَّ فى المضاجع واضربوهنَّ ضربًا غير مُبْرِحٍ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا، إن لكم من نسائكم حقًّا ولنسائكم عليكم حقًّا، فأما حقُّكم على نسائكم فلا يوطئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذنَّ فى بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهنَّ عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهنَّ وطعامهنَّ»، والتاريخ الإسلامى مليء بمؤمنات زوجات قدوة لكل زوجة مسلمة، فالسيدة خديجة هذه المرأة التى تزوجت بالنبى صلى الله عليه وسلم، فلم يتزوج عليها حتى ماتت، أفضل نساء أهل الجنة مع فاطمة، ومريم، وآسيا، هذه المرأة التى لما قص عليها النبى صلى الله عليه وسلم ما حصل له فى الغار من نزول جبريل، والأمر بالقراءة، فأخذته إلى ابن عمها «ورقة بن نوفل، لتضرب لنا مثلًا فى حرص الزوجة على ما ينفع زوجها، وحرصها على تنفيس كربات زوجها وعلى التخفيف عنه».
والمرأة المؤمنة تدرك أهمية دور الرجل فى الحياة الأسرية فلا تنتقص من قدره ولا تستغنى عن وجوده، كما نرى حديثًا فى كثير من الأسر تستغنى الزوجة عن الزوج والأب بطلب الطلاق لأهون الأسباب وأبسط الخلافات أو تنتزع منه القوامة فتكون هى صاحبة القرارات والمهمات الأسرية تظن بذلك أنها تستطيع أن تقوم بمسئوليات الأسرة والأبناء كاملة بمفردها، مما يستنفذ طاقتها ويهدر وقتها ويصيبها بالتوتر وينتقص من أنوثتها فتنهكها الأمراض الجسدية والنفسية، ويؤثر بالسلب على الأسرة والأبناء، والمرأة المسلمة الراشدة مطيعة لزوجها دومًا فى غير معصية لا تتذمر من ضيق ذات اليد أو ضعف الحال، ومن أبرز وجوه طاعة المرأة المسلمة لزوجها حسن تبعلها لزوجها كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم «إذا صَلَّت المرأة خمسها، وصامت شَهرَها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها، قيل لها: ادخلى الجنةَ من أى الأبواب شِئْتِ».
نساء السلف الصالح
فالزوجة المسلمة تتزين لزوجها لتسر عينه وتدخل السرور على قلبه وهذا ما كانت عليه نساء السلف الصالح، العاكفات على عبادة ربهن وعلى رأسهن أم المؤمنين السيدة عائشة، وغيرها كن يرتدين الثياب الفاخرة، ويتخذن الحلىّ فى الحضر والسفر تجملًا لأزواجهن، فقد علمن أن زينتهن يجب أن تكون فى المقام الأول لأزواجهن، لا لرفيقاتهن.
وإن إصلاح الأُسرة والمجتمع يبدأ ببناء المرأة المسلمة، وعلى المرأة المسلمة أن تستنفر قواها، وأن تستثمر طاقاتها أجمع لمواجهة التحديات والتآمر من أعداء الإسلام، وعلى المرأة المسلمة- أيضًا- أن تتعلم العقيدة الصحيحة أولًا، ثم تتدبر القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة التى تطبق على أرض الواقع وتعلمها لأطفالها؛ لأنهما دستور المسلم.
من جانبه أكد الدكتور أنس ليفاكوفيتش رئيس المشيخة الإسلامية فى البوسنة والهرسك، أن المرأة المسلمة فى البوسنة والهرسك تتمتع بكل الحقوق والمساواة فى التعليم والمناصب الكبرى فى الدولة، بالإضاف أن هناك تجربة عظيمة لسيدات البوسنة، حيث حصلت المرأة عندنا على أعلى المناصب فى الدولة، ولدينا سيدات يرتدين الحجاب ويشغلن مناصب وزارية، ومناصب عليا فى البرلمان ويديرن شركات كبرى فى البوسنة والهرسك.
وقال: إن المشيخة الإسلامية تعمل لتمكين المرأة ودعمها لتصل إلى أعلى المراتب والمناصب فى دولتنا وهذا واجب شرعًا وقانونًا.