وداعا الاقتصاد السرى
4 تريليونات جنيه تستعد للدوران فى عجلة الإنتاج
سلوى عثمان
ظل الاقتصاد غير الرسمى “السرى”، الذى يستحوذ على 40% من حجم الناتج المحلي، بعيدًا عن أعين الدولة لسنوات طوال، إلى أن أصدرت وزارة المالية حزمة من القرارات لضم “اقتصاد الظل” إلى الاقتصاد الرسمي، ما يعنى دخول 4 تريليونات جنيه إلى خزانة الدولة.
وضع خبراء محددات رئيسية لنجاح هذه المنظومة من خلال حوكمة الأعمال والتوسع فى الإدارة الإلكترونية، مع ضرورة اتباع سياسة الشمول المالى فى كل العمليات.
نهاية العشوائية
تصل نسبة “اقتصاد الظل” فى الدول النامية إلى 50%، بينما يبلغ فى مصر 40%، وهذه العشوائية المتمثلة فى الاقتصاد “غير الرسمى” ينتج عنها حرمان تلك الدول من إيرادات ضريبية ستساهم فى رفع معدلات الإنفاق على القطاعات المختلفة مثل التعليم والصحة، بحسب الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية.
وأضاف: الدولة قررت إنهاء تلك الحالة العشوائية بضم الاقتصاد غير الرسمي، وكبح البيروقراطية، وتحقيق العدالة الضريبية، فتلك أهم العوائق التى تواجه عملية التنمية فى الاقتصاديات النامية.
وأشار “السيد” إلى أن الاقتصاد غير الرسمى له أضراره على الدولة والمواطن وجميع العاملين، فالدولة لا تحصل على الضرائب والرسوم المستحقة، وبالتالى لا يحصل المواطن على خدمة لائقة من منشآت الاقتصاد السري، فضلا عن ضياع الحق فى الفاتورة التى تضمن استبدال المنتج.
وتطرق مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية إلى العاملين بالقطاع غير الرسمى الذين تضيع حقوقهم العمالية والتأمينية بسبب عدم تطبيق قوانين العمل فى هذا القطاع، وعدم وجود صرف لمستحقات العاملين عند تركهم العمل فى المنشآت التابعة لهذا القطاع.
ولفت إلى أن الدولة بدأت بالتحول للشمول المالى وتطبيق قواعد وقوانين الرقمنة الاقتصادية منذ عام ٢٠١٧ وتكوين قاعدة بيانات لكل الشركات والمنشآت والمصانع العاملة فى مصر وإلغاء التعامل النقدى والتحول للدفع الالكترونى وتطبيق منظومة الفاتورة الالكترونية؛ لتضييق الخناق على قطاع الاقتصاد غير الرسمى الذى انخفض كثيرا فى السنوات القليلة الماضية.
وأشار إلى أن التيسيرات التى تم الإفصاح عنها جاءت لتفتح صفحة جديدة مع هذا النوع من المشروعات ومنشآت الاقتصاد غير الرسمي.
إهدار أموال الدعم
“كارثة” بهذه الكلمة وصف الدكتور محمد الشوادفي، أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة الزقازيق الاقتصاد غير الرسمي، لما له من تداعيات سلبية على حجم الاقتصاد الرسمى أبرزها إهدار أموال الدعم.
فى الوقت نفسه، رغم المزايا التى يحققها الاقتصاد غير الرسمى من تخفيف البطالة، فإنه يُهدر حق العاملين به فى رعاية تأمينية وصحية لائقة تضمن حياة كريمة لهؤلاء العاملين.
وضع “الشوادفى” خطوطًا عريضة وآليات لضمان نجاح منظومة ضم الاقتصاد غير الرسمى إلى منظومة الدولة الشرعية، وذلك من خلال حوكمة جميع الأعمال، وكذا التوسع فى الإدارة الالكترونية.
وشدد أستاذ الاستثمار والتمويل على ضرورة تسهيل إجراءات التسجيل للمشروعات وتحجيم البيروقراطية، خاصة فيما يتعلق بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
لذا طالب “الشوادفي” بضرورة وضع قواعد للعمالة وتنظيمها من خلال التأمينات وخلافه، مؤكدا أن هناك صعوبة فى الممارسات التى تتم داخل الدولة مما يجعل هناك عزوفا عن الانضمام للاقتصاد الرسمى، فإذا لم يتم وضع تسهيلات فى الضرائب والتأمينات ستبقى الحال كما هى عليه.
مزايا الإصلاح الضريبي
يلتقط خيط الحديث الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد بجامعة أسوان، ليوضح أهمية الإصلاحات الضريبية التى اتخذتها وزارة المالية وانعكاسها على توسيع قاعدة الاقتصاد الرسمي.
وقال «عنبر» إن ما تم الإعلان عنه من خلال حزمة القرارات والتسهيلات الضريبية، وإعطاء قدر أكبر لدى المستثمرين خاصة غير المسجلين فى الضرائب، سوف يساهم فى دخول شريحة كبيرة فى جعبة الاقتصاد الرسمي، بالإضافة إلى استفادتهم من الحوافز التصديرية عن طريق الدعم التصديري، خاصة أن مصر المحور الرئيسى للتجارة البينية وفتح نوافذ للدول الإفريقية، إذ إن منطقة التجارة الحرة القارية هى أكبر منظمة نستطيع من خلالها فتح أسواق جديدة.
وأشار عنبر إلى أن رفع كفاءة وتأهيل الموظفين يرفع نسبة الضرائب، مؤكدًا أنه ليس للحكومة رفاهية الاختيار لضم الاقتصاد غير الرسمي.
السيولة النقدية
من جانبه أكد الدكتور محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات ورئيس لجنة الضرائب بالاتحاد، أن انتشار الاقتصاد غير الرسمى يؤدى إلى زيادة المعاملات النقدية وضعف الشمول المالى ومن ثم معدلات النمو فى السيولة النقدية، وهو ما يؤثر على كفاءة استخدام البنك المركزى لسياسته النقدية فى السيطرة على معدلات التضخم.
وتابع: يؤثر انتشار الاقتصاد غير الرسمى أيضا على النسيج الاجتماعى وشيوع منظومة من القيم السلبية المعوقة لتقدم المجتمع، حيث إن أغلب العاملين فى هذا الاقتصاد من الفئات الأقل حظًا فى تلقى التعليم الكافى.
وأشار البهى إلى أن من أهم الإجراءات التى اتخذتها الدولة فى محاولتها لدمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمي، زيادة نسبة الشمول المالي، والتى تستهدف تشجيع المصريين للتعامل والاستفادة بالخدمات التى تقدمها المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية، إلا أن الطريق ما زال طويلا أمام هذه الجهود اللازمة لدمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى بسبب المعوقات التى تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.