دبلـومـاسية التنميـة
أحمد إمبابى
فى مبادرة مصرية جديدة، تستهدف تعزيز شراكتها وعلاقاتها مع دول حوض نهر النيل، وتعميق التعاون وحضورها بالمنطقة، أعلنت الحكومة المصرية البدء فى اتخاذ خطوات تنفيذية لتدشين «صندوق استثمارى لدول حوض نهر النيل»، لتعزيز التعاون المشترك، بإقامة مشروعات تعود بالنفع المشترك.
تأتى مبادرة الصندوق الاستثمارى بحوض النيل، بتوجيهات رئاسية، كمبادرة مصرية جديدة، تتكامل مع السياسة المصرية تجاه إفريقيا عموما، ودول حوض النيل، التى ترتبط القاهرة معها بمصالح حيوية مشتركة، أهمها رابط الأمن المائي، والقائمة على مبادئ تعزيز التعاون والشراكة فى التنمية، بمشروعات مشتركة، تتبادل فيها الخبرات واستثمار القدرات التى تحظى بها كل دولة، فى مسار يعزز من «دبلوماسية التنمية»، ومن أدوات «القوى الناعمة المصرية» بالمنطقة.
يضاف هذا الصندوق الجديد، إلى مجموعة من المسارات التى تتخذها الدولة المصرية، لتعزيز تعاونها مع الدول الإفريقية، وفى القلب منها دول حوض النيل، وخصوصا الجهود التى تقدمها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، التابعة لوزارة الخارجية، والمعنية بتقديم الدعم الفني، والمساعدات ونقل الخبرات المصرية، للأشقاء فى إفريقيا.
وأعلنت الحكومة المصرية، عن مبادرة الصندوق الاستثمارى، فى وقت كانت تواصل فيه الحكومة الإثيوبية، تصرفاتها الأحادية التى تعزز الانقسام والفرقة، بادعاء دخول ما يسمى «الاتفاق الإطارى لدول حوض النيل» المعروفة باسم اتفاقية (عنتيبى) حيز التنفيذ، وهى خطوة رفضتها مصر والسودان، وأكدتا أنها لا تمثل ولا تعبر عن دول حوض النيل.
3 مصادر للتمويل
اعتمد مجلس الوزراء المصرى، خلال اجتماعه الأسبوع الماضي، مقترح آلية تمويل الاستثمار فى دول حوض النيل، وذلك بهدف دعم المشروعات التنموية بدول الحوض، وكشف وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطى، عن تفاصيل إنشاء «صندوق الاستثمار بحوض النيل»، خلال اجتماع مع الدكتور مصطفى مدبولى الأسبوع الماضي، حيث أشار إلى «البدء فى اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذه، توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بإنشاء صندوق الاستثمار».
وقال: إن الصندوق، يستهدف تحقيق التنمية على أساس المشاركة والتعاون بين مصر وأشقائها فى دول حوض النيل، مشيرًا إلى أن الصندوق يهدف إلى تعزيز الاستثمار فى المشروعات التنموية ومشروعات البنية الأساسية فى دول حوض النيل، على أن يتم ذلك وفقاً للمعايير الاقتصادية السليمة لتعزيز فرص نجاح تلك المشروعات وجذب التمويل الأجنبى.
وأوضح عبد العاطى، أن الصندوق سيعتمد فى تمويله على ثلاثة مصادر للتمويل، وهى ميزانية الدولة المصرية، والشراكة مع القطاع الخاص المصري، والشراكة مع الأشقاء فى دول حوض النيل، وشركاء القارة الإفريقية من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، مؤكداً فى هذا الإطار أن مصر تتطلع لأن يوجه شركاء القارة الإفريقية جانبا من تعهداتهم الاستثمارية فى إفريقيا عبر هذا الصندوق.
وتتكامل مبادرة الصندوق الاستثماري، مع جهود الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية، وأشار وزير الخارجية إلى «جهود الوكالة، لدعم مشروعات التنمية بحوض النيل، من خلال إيفاد الخبراء والقوافل الطبية إلى الدول الإفريقية الشقيقة، فضلاً عن بناء المستشفيات والأقسام الطبية فى عدد من المستشفيات الإفريقية، بما يلبى احتياجات الدول الإفريقية».
دعم المشروعات التنموية
شهد هذا الأسبوع سلسلة من الاجتماعات الحكومية بمصر، التى ناقشت مسارات عديدة للتحرك، نحو تعزيز الشراكات المصرية مع دول حوض النيل، وكان من بين تلك الاجتماعات المهمة، اجتماع اللجنة المعنية بتعزيز العلاقات المصرية الإفريقية، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، والتى أكدت أولويات العلاقات المصرية الإفريقية.
وخلال الاجتماع، أكد وزير الخارجية، أن «مصر تدعم مُختلف المشروعات التنموية بدول القارة، بما فى ذلك دول حوض النيل»، وأشار إلى نشاط الشركات المصرية فى إفريقيا، والسمعة الطيبة التى تتمتع بها، بجانب الفرص المتاحة أمام مصر للاستثمار والشراكة مع الدول الإفريقية فى مجال الزراعة، كما أكد اهتمام مصر بتفعيل دور الوكالة الإفريقية للفضاء التى تستضيف مقرها.
واستعرض عدد من الوزراء والمسئولين، جهود تعزيز العلاقات المصرية مع دول حوض النيل فى مختلف المجالات، حيث أشار وزير الرى الدكتور هانى سويلم، إلى «تعزيز التعان مع دول إفريقية مثل كينيا والكونغو الديمقراطية»، وتحدث وزير النقل والصناعة، الفريق كامل الوزير عن «التعاون مع تنزانيا ورواندا، لتنفيذ عدد من المناطق اللوجستية، للتعاون فى مجال النقل»، ووجه رئيس الوزراء بإعداد قائمة بالمشروعات التنموية التى تحتل أولوية للدول الأفارقة، بحيث يُمكن مُتابعتها والعمل على تنفيذها، كما أكد أهمية تطوير العمل التنموى المصرى فى إفريقيا خلال الفترة القادمة، وتطوير الاستراتيجية الإنمائية المصرية فى إفريقيا، بما يلبى احتياجات الدول الإفريقية الشقيقة فى مجال التنمية.
رفض اتفاقية «عنتيبى»
تزامن الإعلان عن مبادرة إنشاء صندوق الاستثمار بدول حوض النيل، مع تحركات إثيوبية أحادية جديدة، تزيد من حالة الانقسام بين دول النهر، خصوصا بعد إعلان أديس أبابا، عن تفعيل ما يسمى (اتفاقية عنتيبي)، رغم عدم تصديق سوى 6 دول من حوض النيل فقط، من أصل 11 دولة، وهو ما رفضته مصر والسودان، وأكدتا أن الاتفاقية لا تمثل «حوض النيل».
وكانت الرسالة المصرية واضحة، برفض هذا الإجراء، على لسان، رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، فى كلمته بافتتاح أسبوع القاهرة للمياه، الأسبوع الماضي، حينما أكد أن اتفاقية «عنتيبى»، لا تحظى بتوافق بين دول حوض النيل، مشيرا إلى أن «مبادرة حوض النيل التى تم تأسيسها عام 1999، هى الآلية الشاملة والوحيدة التى تمثل حوض النيل بأكمله»، وطالب بضرورة «الحفاظ على الحقوق القانونية والالتزامات المترتبة عليها، وتجنب مزيد من الإجراءات التى ترسخ الانقسام بين دول الحوض».
وشدد مدبولى، على ضرورة، دعم مختلف الجهات المانحة ودعم التعاون فى مجال المياه بحوض نهر النيل، على نحو يعزز التعاون بين جميع دول الحوض، بناءً على مبادئ القانون الدولي، وتجنب دعم المزيد من الإجراءات أو الآليات التى ترسخ الانقسام بين دول الحوض.
ثم جاءت رسالة أخرى، من وزير الخارجية بدر عبد العاطي، برفض مصر التصرفات الأحادية من جانب إثيوبيا، وقال فى تصريحات إعلامية: إن «مصر ليس لديها أى مشكلة مع أى من دول حوض النيل باستثناء دولة واحدة، هى إثيوبيا، التى ترفض التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم يضمن تشغيل وملء السد الإثيوبي، وهذا النهج الإثيوبى الأحادى مرفوض تماما».
وجدد وزير الخارجية على نفس الرسالة، فى اتصال هاتفي، مع نظيره الأوغندى بجيجى أودونجو، حيث أكد على «أهمية التوافق والشمولية، وعدم إحداث ضرر لتعزيز أسس التعاون بين دول حوض النيل».
دبلوماسية التنمية
اعتبر نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية، السفير صلاح حليمة،أن صندوق الاستثمار لدول حوض النيل، يعد «أداة من أدوات القوة الناعمة المصرية، والتى تستهدف استكمال جهود التعاون المصرى الكبير مع دول النهر، والتى تعزز من أداء (دبلوماسية التنمية)»، مشيرا إلى أن «مصر نفذت مشروعات تنموية كبرى بدول النهر، فى كينيا وتنزانيا والكونغو، من أبرزها مشروع سد جوليوس نيريرى التنزانى».
وأضاف السفير صلاح حليمة، فى تصريحات خاصة، أنّ دور مصر داخل إفريقيا، يركز على 4 محاور أساسية، الأول محور أمنى حيث مكافحة الإرهاب، أما الملف الثانى سياسى ومرتبط بالعلاقات السياسية بين مصر وكافة الدول الإفريقية فى الإطار الثنائى والشراكة الاستراتيجية الشاملة للتعاون بين الجانبين فى كل المجلات والإسهام بدور فى تسوية قضايا ونزاعات القارة الإفريقية خاصة فى منطقة الساحل والقرن الإفريقي، وأيضًا الأمن والاستقرار فى منطقة البحر الأحمر.
وأشار إلى أن المحور الاقتصادى متعلق بتطوير وتعميق العلاقات الاقتصادية وشموليتها لمجالات عديدة متعلقة بالبنية التحتية والقطاعات الإنتاجية، وإنشاء منطقة تجارة حرة قارية تعزز من العلاقات الاقتصادية بين الدول الإفريقية ببعضها البعض أو بينها وبين العالم.
وقال: إن مصر حققت إنجازات كبيرة، فيما يتعلق بالصحة والتعليم وتمكين المرأة والشباب، كما أن مصر كان لها دور كبير فى السيطرة على فيروس كورونا، وتوزيع اللقاحات بشكل عادل، وأشار إلى أن ملف الأمن المائى المصرى، لم يعد مسألة مصرية، ولكنه أصبح أمنا إقليميا وقضية تتعلق بالأمن على المستوى الدولى، بدليل طرح قضية سد النهضة على مجلس الأمن، ونجاح الدبلوماسية المصرية فى صدور قرار رئاسى من مجلس الأمن يؤكد على المطالب المصرية الخاصة بضرورة وجود اتفاق قانونى ملزم مع إثيوبيا حول قواعد الملء والتشغيل.