عميدة مجاهدات سيناء.. الجدة فرحانة تتذكر: حصلت على خريطة مطار الجورة ونقلتها للأجهزة المصرية
العريش - مسعد رضوان
جاء تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي، للحاجة فرحانة حسين سالم سلامة، عميدة مجاهدات سيناء، خلال احتفالية القبائل والعائلات المصرية والمجتمع المدني، باستاد مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة بمناسبة ذكرى انتصارات حرب أكتوبر، ليؤكد أن مصر لم ولن تنسى يومًا بطولات أبنائها، إذ وجه الرئيس بإطلاق اسم المجاهدة السيناوية، التى سطرت بطولات خالدة خلال الفترة من 1967 حتى تحرير سيناء، على أحد الميادين بسيناء ومحور مرورى أو طريق رئيسى بالقاهرة، تقديرًا لدورها فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى لسيناء وتخليدًا لبطولتها لتظل ذكرى فى وجدان الشعب المصرى ولتعرف الأجيال الجديدة بطولات وتضحيات إحدى عظيمات مصر، وفى هذا الإطار تعيد جريدة «روزاليوسف» حوار نشر لها أجرته بعدد أكتوبر 2020 من «الكتاب الذهبى»، وهو العدد الأول الصادر تحت رئاسة الكاتب الصحفى أيمن عبد المجيد، رئيس تحرير جريدة وبوابة روزاليوسف والكتاب الذهبي، والذى جاء تحت عنوان «جينات البطولة من الأجداد إلى الأحفاد.. ذرية بعضها من بعض»، بجانب نشر بورتريه عن البطلة، فى عدد جريدة «روزاليوسف» بتاريخ 26 أبريل الماضى، فى ذكرى تحرير سيناء، حيث حمل العدد الخاص عنوان «الانتصار».
بطولات أهالى سيناء، جزء من بطولات شعب مصر، القاهر للتحديات، وإن كان لأهالى سيناء أن يفخروا بما حققه الأجداد من بطولات، على مر التاريخ، فى معارك دولتنا وجيشنا فى البوابة الشرقية، فإن المرأة السيناوية، سطرت بحروف من ذهب صفحات فى التاريخ، ما يستحق أن يروى، فى وقت تضرب فيه نساء مصر، من الأبناء والأحفاد، المثل لبطولات جديدة فى معارك «التنمية والتعمير»”.
الحاجة فرحانة حسين سالم (93) عامًا الملقبة بشيخة المجاهدات السيناويات - كما يلقبها البدو من قبيلة الريشات بمنطقة الشيخ زويد -، إحدى عظيمات مصر، التى جاهدت نصرة للوطن، فما قامت به من أعمال فخر لأبنائها وأحفادها، وكل وبنات جيلها والأجيال القادمة.
وعلى الرغم من كونها امرأة بدوية لها أبناؤها، التى كانت تعولهم، لم يسعفها الحظ أن تلتحق بالمدارس، إلا أن جينات الوطنية فى الشخصية المصرية، دفعتها لأن تنتفض عقب نكسة1967، واحتلال إسرائيل لسيناء، لم تقبل كرامتها أن تعيش راضية تحت احتلال الغزاة.
هذا النموذج الملهم- أطال الله عمرها- كان لنا معها هذا اللقاء، لتتذكر البطولات، وتقدم خلاصة خبرتها ونصيحتها لشبابنا، ليواصلوا دورهم فى مواجهة التحديات، تقول الجدة “فرحانة”: نشأت نشأة بدوية بدائية لم أتلق التعليم.. فكنت أقوم برعى الأغنام فى الصحراء، فى أمن وسلام، حتى وطأت أقدام الاحتلال الإسرائيلى سيناء، عندها ضاق صدرى، واشتد غضبي، فلا يمكن قبول الاحتلال على أرضي.
تضيف الحاجة “فرحانة”: “رغم العادات والتقاليد التى تحكم المرأة فى الحياة البدوية، قررت تحويل المسار للانضمام للمقاومة، كامرأة ضد الاحتلال، فاستغللت عملى فى تجارة الملابس؛ لتكون جواز المرور، لنقل المعلومات إلى الجهات المختصة، وبتشجيع العديد من مجاهدى سيناء، الذين تصدوا للاحتلال منذ اللحظة الأولى.. حيث تدربت معهم على كيفية زرع القنابل وتفجيرها عن بُعد.. إلى جانب توصيل المعلومات والتعامل بالإشارة، من خلال البرامج الإذاعية، التى كانت تبث إرسالها لتطمين الأهل فى سيناء، وكانت كل كلمة تُذاع لها مدلولها لديّ”.
تستطرد الجدة “فرحانة”: “كان هدف المجاهدين من تنفيذ عمليات المقاومة ضد الاحتلال، التأكيد على نجاحنا فى الوصول للعدو، وبث الأمل فى نفوس المواطنين والمجاهدين”.
وتشير الجدة “فرحانة”، إلى أنها اتخذت تجارة الملابس ستارًا لنقل المعلومات، والتنقل بين معسكرات العدو عن طريق الصليب الأحمر، وكانت تتنقل وسط المجاهدين، وتسافر بين سيناء والقاهرة، بحجة التجارة.. بينما كانت تتلقى تدريبها عن كيفية نقل وتوصيل المعلومات عن العدو، وبعد 6 أشهر كاملة عادت بعد التدريب المكثف لتبدأ رحلة النضال ضد المحتل.
وتقول الجدة “فرحانة”: “لم يكن الأمر سهلًا، لقد تعرضت للعديد من الأقاويل والشائعات، نظرًا لتركى أطفالى لدى شقيقتى أثناء التهجير فى مديرية التحرير.. حيث كنت أسافر إلى سيناء بحجة تجارة الملابس، وقد شجعنى قائد المقاومة الشيخ حسين عرادة، بعد أن علم برغبتي، وتلقيت تدريبات على يد المهندس عطية سالم، أحد كبار المجاهدين، وكانت مهمتى اختراق المعسكرات الإسرائيلية، ومعرفة المعلومات وتصوير خرائط المكان والأسلحة والمعدات، وتوصيلها لأحد ضباط المخابرات.
تضيف: “كُنت أبذل كل جهدى من أجل توصيل كل المعلومات.. على الرغم من عدم معرفتى القراءة والكتابة.. إلا أننى أصررت على النجاح فى أداء المهمة فى حب الوطن، ورفضًا للاحتلال.. فكنت أنقش البيانات والأرقام على الرمل، ثم أقوم برسمها على قطع من القماش بالخيوط، وبعدها أقوم بتوصيلها بجلبابى البدوى المميز، بكثرة ألوانه وزركشاته، ولم يشك فيها أحد”.
كما استعانت بخبرتها كراعية أغنام لكى تصبح عينًا لرجال القوات، الذين يعملون خلف خطوط العدو فى سيناء، وكانت دليلًا لهم أثناء سيرهم فى الصحراء.
وتقول إنها كانت تسير بالساعات الطويلة فى الصحراء “فى عز حرارة الشمس”، حاملة “بؤجة”، قماش تدعى بيعها، حتى تحقق هدفها فى إرشاد القوات ونقل المعلومات، وأنها استطاعت بالفعل الحصول على خريطة مطار الجورة، الذى خطط لبنائه اليهود وقدمتها للمخابرات.
كما تمكنت من تصوير أحد أهم القواعد الإسرائيلية فى منطقة “ياميت”، وكنت المرأة الوحيدة، التى استطاعت دخول القاعدة ونقلت معلوماتها إلى المخابرات المصرية، واستهدفت الكثير من سيارات الجيش الإسرائيلى بالعبوات الناسفة، وفجرت قطار العريش الذى كان محملًا بالبضائع والذخيرة للجيش الإسرائيلي.
وتحدثت الجدة “فرحانة”، عن الكثير من العمليات الفدائية، التى قامت بها، العمليات التى تعكس حالة من الوطنية وعشق تراب هذا البلد، وتعبّر عن قوة وصمود ونضال المرأة المصرية، فى خدمة الوطن، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، وهناك عمليات أخرى كثيرة، تمكنت من تنفيذها، بالتعاون مع زملائها المجاهدين، أو قدمت معلوماتها إلى رجال القوات المسلحة، الذين كانوا يعملون خلف خطوط العدو فى سيناء للتعامل معها.. مما كبّد العدو الكثير من الخسائر فى الأفراد والمعدات، مشيرة إلى أنها استخدمت الإذاعة المصرية، التى كانت تبث إرسالها إلى أهالى سيناء، تحت الاحتلال، فى إرسال رسائل إلى الإخوان المجاهدين، وكانت تعلم أنها نجحت فى تنفيذ عمليتها بنجاح فيتم توزيع الحلوى ابتهاجًا بنجاح العملية.
كما كانت تحمل إشارة إلى المجاهدين للقيام بعمليات أخرى ناجحة؛ لتضاف إلى بطولات أبناء سيناء.
تقول: “ظللت أعمل إلى أن افتضح أمرى ووشى بى الواشون، وعلمت القوات الإسرائيلية بنشاطي، وتم إلقاء القبض عليّ واحتجازي؛ حيث عرض الضابط الإسرائيلى إطلاق سراحي، وتلبية جميع مطالبي، مقابل معلومة واحدة عن مكان “عطية سالم”، قائد المجموعة، ولكنى أفهمتهم أنى لا أعلم شيئاً، ولا أعرف أى مجموعة.. وقد أطلقوا سراحى بعد أن طلبوا منى العمل معهم والسفر إلى القاهرة؛ لتجنيد آخرين للعمل مع قوات الاحتلال، فتظاهرت بالموافقة، إلى أن تركوني، وسافرت إلى القاهرة ولم أعد إلى سيناء إلا بعد تحريرها، ولا أزال أقيم بها، مع أحد أبنائها وأحفادها، فى شقة متواضعة فى ضاحية السلام بالعريش.
ومنح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعد حرب أكتوبر 1973 الحاجة “فرحانة”، وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، ونوط الجمهورية، تقديرًا لما قدمته من خدمات جليلة، فداءً لأرض مصر الحبيبة، وعن ذلك تقول: “لا أنتظر أى تكريم، وما قمت به هو واجب وطني”.
وتشير الحاجة “فرحانة” إلى أنها كانت تسعد بكل ما تقوم به، وأنها كانت تشعر بالفخر عند نجاح أى عملية لها، أو كلما حقق الجيش المصرى الانتصار.
وسألناها بماذا تنصحين الجيل الجديد من الشباب؟ قالت: “أنصحهم بالانتماء إلى وطنهم، والثقة فى جيش مصر، الذى حقق الانتصار ولا يزال يحمى الوطن، وأحذرهم من خداع الشائعات المغرضة، التى تستهدف هدم مصر، وأن يدعم الشباب قيادته وجيشه، ويعمل على حماية الوطن من الأعداء.
ومن جانبه.. يحكى عبد المنعم إبراهيم (الابن الأوسط لشيخة المجاهدات، الذى يعمل مديرًا لمركز التدريب على علوم الحاسب الآلى بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فى محافظة شمال سيناء)، أحد المواقف التى دلت على ذكاء الأم، حينما كان طفلًا صغيرًا.. حيث كانت ترسم المعلومات والصور على قطع قماش، ثم تُحيكها فى أطراف ثوبها، حتى لا يشك فيها أحد، وأنها كانت تحمله على كتفها أثناء التنقل، وأثناء المرور على أى كمين إسرائيلى أو دورية تقوم بقرصى حتى أبكي، فينشغل الجميع ببكائي، ويتركوننا نمر- دون تفتيش- حتى لا ينكشف الأمر.
وأعلن عن شعوره بكل فخر، بما قامت به الأم فى سبيل وطنها، وفى مقاومة الاحتلال.. مشيرًا إلى أنها كانت تغيب عنا كثيرًا، وكان كل ما نعرفه أنا وإخوتي، أنها تبيع الأقمشة فى سيناء، ولم نعلم بدورها وما قامت به إلا بعد انتصارات أكتوبر 1973 وما تناقلته الصحف والمجلات بعد ذلك”.
وأضاف: أنه طوال السنوات الماضية، يزداد فخرنا وتقديرنا لوالدتنا، التى ضربت خير الأمثال لبطولة المرأة السيناوية وجهادها فى مقاومة الاحتلال؛ حيث كانت جنبًا إلى جنب مع الرجل فى طريق الوطنية، وحصل أكثر من 750 مجاهدًا ومجاهدة على الأنواط والأوسمة العسكرية من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تقديرًا لجهادهم وبطولاتهم، ومساهمتهم فى مقاومة الاحتلال وتحقيق النصر.
وقد كرّمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، كما كرّمتها القوات المسلحة ومحافظة شمال سيناء والعديد من الجهات داخليًا وخارجيًا.. إلى جانب مؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى والمجلس القومى للمرأة، والكثير من مجموعات الشباب والهيئات المصرية والعربية.