قوافل دعوية وخطب دينية وتعديل المناهج الدراسية الأزهرية لمنع انتشار الإدمان بين الشباب
أشرف أبو الريش
استراتيجية جديدة تتنهجها وزارة الأوقاف، للحد من الإدمان ومكافحة انتشار المخدرات بين الشباب فى مختلف محافظات الجمهورية، إذ كانت من أولى الوزارات التى انتهت من إعداد برنامج دعوى خاص لمواجهة تلك الظاهرة عبر الخطب الدعوية والدروس اليومية فى المساجد والقوافل الدعوية الأسبوعية التى تجوب جميع أنحاء الجمهورية.
«روزاليوسف»، كانت قد رافقت إحدى القوافل الدعوية فى شمال سيناء، وغيرها من محافظات الوجه البحرى والقبلى، ورصدت الجهد الكبير للدعاة والوعاظ فى توعية الشباب من خطورة تعاطى المخدرات وإدمانها.
قال الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف: “إن المواجهة الجادة والعلمية والمؤسسية والمدروسة والصبورة لقضية الإدمان والمخدرات، تمثل ضرورة ملحة فى هذا التوقيت بعد انتشار المخدرات فى العديد من الأوساط”، موضحًا أن قدسية العقل الذى خلقه الله تعالى للعلم والفكر والإبداع والاختراع والاكتشاف وعمران الكون والعمارة، وحينما يتعاطى الإنسان المخدرات فإن ذلك صورة من صور العدوان على العقل، وعلينا أن نواجه ذلك بمنتهى الحسم والصرامة والقوة مزودين بجميع المنطلقات الدينية والوطنية والإنسانية والحضارية، فلا يمكن أن نقبل أن يتم تغييب العقل من خلال المخدرات أو الشائعات، فالمخدرات تغيب العقل تغييبًا حسيًا، والشائعات تغيب العقل تغييبًا معنويًا.
وأضاف وزير الأوقاف: “إن الهدف المراد هو الحماية بكل ما نملك لهذا العقل، فتأثير الإدمان والمخدرات ليس على العقل فقط، بل يتجاوز هذا إلى تدمير الصحة وتدمير الاقتصاد والدول”، مؤكدًا أن الوزارة تتشرف أن تكون داعمة وشريكة ومتضامنة بجميع قدراتها وإمكانياتها، لتضع على رأس أولوياتها الشراكة والتشييد مع وزارة التضامن الاجتماعى، وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، وجميع الجهات الشريكة، لتقديم عمل جاد يحمى الوطن، ويحمى أبناءه من هذا الوباء المدمر.
وتابع “الأزهرى”: “رصدنا من خلال المراكز البحثية، إشكالية كبيرة تتعلق بأن بعض الشرائح تتساهل جدًا فى التعامل مع مخدر الحشيش، وأنها قد تتأهب وتتحفز وترفض المخدرات والخمور وصور الإدمان الصريحة والواضحة فى الهيروين والكوكايين وغير ذلك من المنتجات، لكن نظرتها إلى الحشيش نظرة شديدة الخلل والانحراف وتتساهل معها، مدعين أن الحشيش خارج دائرة الحرمة”.
وشدد الوزير، على أن “الحشيش” صورة واضحة وصريحة من صور الإدمان لا تقل خطرًا عن كل صور المخدرات المعتادة، وفى تراثنا العلمى نجد الإمام بدر الدين الزركشى فى خواتيم القرن الثامن الهجرى، ألف كتابًا مهمًا فى هذا المجال اسمه “زهر العريش فى تحريم الحشيش”، وهذا الكتاب طبع عدة طبعات، موضحًأ أن الوزارة ستسهم فى هذا العمل المؤسسى بإعادة إصدار هذا الكتاب وتلخيصه فى مطوية صغيرة، وبتقديم خلاصة هذا الكتاب من خلال عدد من التغريدات والتعليقات، لبناء وعى جاد فى أذهان الشباب، أن الحشيش هو الإدمان بعينه، ومخدر مدمر للعقل، وللإنسان، وللاقتصاديات، ولبنية الدول بأكملها.
وأشار وزير الأوقاف، إلى أحد العلماء الكبار من المعاصرين، هو الشيخ عبدالله بن الصديق الغمارى، الذى ألف كتابًا سماه “واضح البرهان على تحريم الخمر والحشيش من القرآن”، مؤكدًا أن الوزارة ستخرج هذا المضمون العلمى لتتشكل منه حملة علمية توعوية وبرنامجًا علميًا مستمرًا على مدى زمن طويل من خلال جميع القنوات ووسائل بناء الوعى من أجل التحذير من الحشيش ومن كل صور الإدمان المختلفة.
ونبه “الأزهرى”، على أن وزارة الأوقاف ستكون شريكة فى كل برامج العمل على التوعية والحماية والوقاية من الإنزلاق إلى دائرة الإدمان والمخدرات، مشيدًا بفكرة القرية الخالية من الإدمان، والنجاح الذى تم فى الوصول إلى 720 قرية خالية من الإدمان تمامًا، وننطلق لننقذ بقية قرى الوطن من هذا الوباء المدمر، مشيدًا كذلك بالشعار الذى يتبناه الصندوق، ووزارة التضامن الاجتماعى، ونحن جميعًا، عندما نخاطب كل إنسان على أرض مصر بأن نقول له: “أنت أقوى من المخدرات والإدمان”، فالإرادة والوعى والعلم والإيمان والإنسانية والشعور بالمسئولية كل هذه عوامل تقوية تجعل الإنسان يحشد قدراته وطاقاته النفسية والذهنية ليدرك أنه أقوى من المخدرات والإدمان.
وأشاد الوزير، بالنجاح المشرف الذى تم الوصول إليه، وعدم الاقتصار على أن يكون الهدف هو التعافى، بل الانطلاق من التعافى إلى التفاعل والإيجابية، وأن يكون إنسانًا قويًا فاعلًا إيجابيًا منتجًا مدركًا لقيمته وقيمة وطنه.
وكان الدكتور أحمد الطيب، الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشريف، منذ توليه مشيخة الأزهر، قد وضع قضية المخدرات والإدمان على رأس الأولويات الدعوية التى انتهجتها المؤسسة الدينية لمكافحة انتشار، باعتباره العدو القاتل للشباب وللتنمية الذى يدمر الأسر المصرية إذا ما حل بأحد من أفرادها.
وعزز “الأزهر الشريف”، مؤخرًا من خلال المناهج الدراسية، التعريف بخطورة المخدرات شرعًا، وأفرد أبوابها فى المناهج الدراسية فى المراحل الإعدادية والثانوية، للتوضيح لشباب وطلاب الأزهر بأخذ الحذر والحيطة من هذا الداء المدمر للعقل وللجسد، حتى أن وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد الضوينى، كان له تصريح مهم حول قضية انتشار المخدرات، بأنها لا تقل خطورة عن الإرهاب، وأن هذه الآفة ما نزلت ببلد فيحل بعدها الخراب على كل المستويات.
من هذا المنطلق، كانت القوافل الدعوية التى تخرج من الأزهر الشريف، من خلال وعاظه ورجال مجمع البحوث الإسلامية واساتذة الجامعة، لتجوب الأندية الكبرى فى القاهرة، ومراكز الشباب بالمحافظات، للتعريف بخطورة تعاطى وانتشار الإدمان بين الشباب، إذ نظمت جامعة الأزهر العديد من القوافل الشبابية تجوب المحافظات لتلتقى بالشباب من خلال الأنشطة الرياضية تارة، أو الحديث الدعوى تارة أخرى، لتبصير الشباب بخطورة تعاطى المخدرات بجميع أنواعها، ما بين التخليق الكيميائى وغيرها من الأنواع المخدرة المتعارف عليها مثل الحشيش والأفيون.
من جانبه، أكد الدكتور محمد الجندى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن المجمع أعد خطة كبرى تتعلق بقضية انتشار المخدرات ومكافحة الإدمان وأسبابه ومخاطره وعلاجه، مشيرًا إلى أن الإدمان ناتج فى المقام الأول عن البعد عن الله تعالى وضعف الإيمان، وذلك نظرًا لضغوط الحياة وابتلاءاتها، التى تحتاج قوة اليقين، وحسن الظن بالله، والتوكل عليه، وكذلك نتاج التفكك الأسرى، وضعف الروابط الاجتماعية، وغياب التربية السليمة المبنية على أسس قرآنية وتطبيقات نبوية، وتقديم قدوات مدمنة تظهر فى وسائل الإعلام على أنها أبطال، وتغرى الشباب بهذه السلوكيات الهابطة.
وأوضح “الجندى”، أن الإدمان الذى تقدمه بعض الأعمال الفنية على أنه علاج لمشكلات الواقع، وأزمات الحياة، وهو خطر يقتل روح المثابرة، وعزيمة الشباب، الأمر الذى ينذر بخطر داهم على الأمم والشعوب، لافتًا إلى أن الإدمان آفة خطيرة تهدد بنيان الإنسان عقلًا وجسمًا، الأمر الذى يهدد تقدم المجتمع واستقراره، وعلاجه واجب المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية والأمنية، فالشباب هم الثروة الحقيقية للأُمة، والحرب الآن تعتمد على تغييب عقول الشباب وعزلها عن واقع أمتها، فالعقل هو مناط التكليف، ومن خلاله تتحقق المقاصد العامة فى الحفاظ على الكليات الخمس، وتغييب هذا العقل يهدر الكليات الخمس، وهذا تهديد صريح لاستقرار الأوطان والمجتمعات.
وأكد الأمين العام، أن التعسف فى طرح مسألة الخمور والمخدرات، والتلاعب بنصوص الشرع المحرمة لكل مسكر قل أو كثر من بعض المتصدرين لوسائل الإعلام أمر فى غاية الخطورة، ويخدم أعداء الوطن خدمة مباشرة، ويجب أن تلتزم الأعمال الفنية بالقيم الأخلاقية، والمواثيق الدولية التى تمنع التدخين، وتمنع استخدام الخمور والمخدرات فى الأعمال الفنية، موضحًا أن الإدمان ليس قاصرًا على الخمور والمخدرات، فمع ظهور شبكة الإنترنت ظهرت أنواع أخرى من الإدمان، منها مشاهدة الأفلام الإباحية التى تقتل الغيرة، وتئد المروءة، وتضعف القوة البدنية، وكذلك الصور العارية، وإضاعة الوقت على مواقع التواصل الاجتماعى، وأن علاج الإدمان ليس مهمة مؤسسة بعينها، بل هو مهمة الأسرة، والمدرسة، والجامع، والكنيسة، والإعلام بكل وسائله، وهو على العموم مهمة المجتمع بكل طوائفه.