الخميس 2 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أمنوا العقاب.. فأساءوا للإنسانية

قالوا قديمًا «من أمن العقاب.. أساء الأدب»، وهذا الأمر بات عادة عند الإسرائيليين، فمنذ بداية الحرب على غزة، وجنود الاحتلال يلتقطون صور ومقاطع فيديو لأنفسهم أثناء تفجير المنازل والمدارس وتعذيب الأسرى وينشرونها ويشاركونها على مواقع التواصل الاجتماعى، مصحوبة باحتفالهم الراقص أو بالأغاني.



وللتفاخر بفظائعهم ضد المدنيين، صورت القوات الإسرائيلية نفسها بشكل روتينى وهى تهدم كتل سكنية فى غزة، ثم شرعت فى مشاركتها عبر الإنترنت، وأظهرت المقاطع جنود إسرائيليين وهم يسخرون من ممتلكات الفلسطينيين القتلى، وخاصة الملابس الداخلية للنساء، أو يلعبون بألعاب الأطفال الفلسطينيين والدراجات، كما سجل الجنود أنفسهم وهم يسرقون المجوهرات والملابس والأشياء الثمينة من منازل الفلسطينيين الذين قصفوهم وطهروهم عرقيًا.

وتظهر العديد من الصور جنود يستمتعون بالجلوس فى أنقاض المنازل والمدارس والمستشفيات التى قصفوها، كما تظهر صورة حديثة، التقطت فى أعقاب مذبحة مروعة، مجموعة من الجنود وهم يتظاهرون، بعضهم مبتسم، أمام مستشفى مدمر حولوه إلى قاعدة عسكرية.

وفى بعض الحالات القاسية، صور الجنود أنفسهم داخل المنازل المحتلة فى غزة: وهم يطبخون الطعام الذى تركه الضحايا دون أن يأكلوه، ويشربون القهوة العربية، ويستلقون فى أحواض الاستحمام، ويتبولون على أنقاض المنازل، أو يلقون الطعام على المنازل المهدمة للسخرية من الفلسطينيين الجائعين.

كما تظهر العديد من الصور جنودا مع أسرى فلسطينيين عزل، حيث نشر جندى إسرائيلى مؤخرا صورة على حسابه الخاص على موقع إنستجرام يظهر فيها وهو فى مبنى مدمر فى رفح، وهو يحوم فوق فلسطينيين مختطفين فى ظروف غير إنسانية، معصوبى الأعين ومقيدى الأيدى وهم مستلقون على الأرض.

من خلال نشر هذه الصور، يرغب جنود الاحتلال فى تصوير أنفسهم بصورة بطولية على عكس الواقع، وفى بعض الأحيان قد تأتى هذه الصورة بنتائج  لصالح الشعب الفلسطينى، على سبيل المثال، فى ديسمبر، تم تصوير جندى إسرائيلى وهو يحمل سلاحًا على الشاب الفلسطينى، حمزة أبو حليمة، من حى الشجاعية فى مدينة غزة، ثم نشر الجندى الفيديو على الإنترنت، وانتشرت لقطة شاشة مأخوذة من الفيديو على نطاق واسع، وقد أظهرت حمزة، عاريًا من ملابسه، يواجه الجندى بلا خوف وتحد، ما جعل «حمزة» رمزًا للشجاعة، وأكسبه لقب «أسد غزة»، فقام الجندى بحذف الفيديو.

وفى محاولة لنزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتسلية المتفرجين الإسرائيليين، ينشر الجنود لقطات لأنفسهم وهم يدنسون المساجد والقرآن، ويخربون المنازل والمحلات التجارية، أو يسخرون من معاناة الفلسطينيين، وتم تصوير جندى وهو يدمر منازل فلسطينية محتلة فى رفح، قبل أن ينشر اللقطات على حسابه على إنستجرام مع تعليق: «ترميم فى غزة»، وتم تصوير جندى آخر وهو يطلق النار عشوائيا على منازل فلسطينية فى غزة أثناء تدخين سيجارة.

وأوضحت منظمة Truthout وهى منظمة أمريكية غير ربحية وممولة بشكل مستقل، أنه غالبًا ما تكون المنشورات مصحوبة برسائل تحمل محتوى إبادة جماعية وتعهدات بإبادة غزة وتطهير الفلسطينيين عرقيًا، والتى تردد صدى تصريحات كبار السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين.

 وتظهر بعض هذه المنشورات جنود يخصصون منزل فلسطينى مدمر لأفراد الأسرة والأصدقاء وحتى المشاهير، وفى أحد مقاطع الفيديو، أهدى جندى منزلًا مهدمًا فى خان يونس للمغنى الإسرائيلى إيال جولان، الذى دعا إلى إبادة غزة، وتم تصوير آخر وهو يستخدم متفجرات فى أحياء فلسطينية فى غزة قائلًا: «هذا لك يا أمي».

وفى بعض الأحيان، يرفق الجنود بالفيديوهات موسيقى وطنية إسرائيلية، أو بشكل أكثر سخرية، موسيقى فلسطينية تقليدية، وفى إحدى الحالات، نشر جندى إسرائيلى إعلانًا وهميًا لـ «صالون الحلاقة الخاص به» فى غزة على أنغام أغنية هيب هوب إسرائيلية تشبه الفلسطينيين بالحيوانات. 

وفى الوقت نفسه، لجأ الآلاف من الإسرائيليين إلى مجموعات تيليجرام لمشاركة الفظائع العسكرية الإسرائيلية فى غزة، وفى أعقاب المذبحة الإسرائيلية فى رفح، لجأ البعض إلى قنوات تيليجرام للسخرية من صور طفل فلسطينى مقطوع الرأس.

وتمثل هذه الصور ومقاطع الفيديو، التى يتم تداولها على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعى مثل إنستجرام وتيك توك، ثقافة متنامية للإفلات من العقاب، وهى تشهد على وحشية حرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل فى غزة ورعبها المتكشف، وتُظهر أيضًا إلى أى مدى تم تطبيع نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين فى إسرائيل.

وتحظى مثل هذه المنشورات بمتابعة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعى، حيث حصد بعضها مئات الآلاف من المشاهدات والمشاركات، ومع ذلك، وعلى الرغم من الفظائع التى وثقتها إسرائيل بنفسها ــ «الإبادة الجماعية الأكثر توثيقا فى التاريخ»، على حد تعبير السفير الفلسطينى لدى الأمم المتحدة رياض منصور ــ فمن المرجح أن يفلت الجنود من العدالة لأنهم يتمتعون بالحصانة الكاملة فى إسرائيل، حيث تتمتع المحاكم بسجل بائس فى مقاضاة جرائم الحرب التى ارتكبها الإسرائيليون.

وأشاد القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون ببعض الجنود الذين قتلوا أطفالا فلسطينيين باعتبارهم أبطالا، ففى مارس، أشاد وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتامار بن جفير بقناص من قوات الدفاع الإسرائيلية أطلق النار على صبى فلسطينى يبلغ من العمر 12 عاما، قائلا، إن الجندى «يستحق جائزة»، داعيا الجنود الإسرائيليين إلى قتل الأطفال والنساء فى غزة. 

وتكشف التقارير المروعة التى نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الجنود قيل لهم «إنه من المسموح إطلاق النار على الجميع» فى غزة، بما فى ذلك الأطفال.

ومن السهل أن نتخيل هذا الإفلات من العقاب عندما يزعم القادة والسياسيون الإسرائيليون بشكل روتينى أنه «لا يوجد أبرياء فى غزة»؛ وعندما يصف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الناس فى غزة بـ «أطفال الظلام»؛ وعندما يقول عضو فى الكنيست «ليبرالي» على ما يبدو «إن أطفال غزة جلبوا هذا على أنفسهم».

فى السياق نفسه، تلقى جنود الاحتلال توجيهات بعدم السفر إلى الخارج خشية توقيفهم على خلفية هذه الممارسات، فبينما كان الجنود يقومون بهذه الممارسات دون خوف من العواقب، كانت هناك وسائل إعلام ترصد وتوثق ما يتم نشره على مواقع التواصل من جرائم، مع أسماء مرتكبيها وتواريخ وأماكن وقوعها.

ومع تراكم المشاهد التى تمثل أدلة إدانة واضحة لمرتكبى هذه الجرائم وقادتهم السياسيين والعسكريين، أثارت وسائل الإعلام والساسة فى إسرائيل عاصفة من التحذيرات والانتقادات.

وعلى إثر هذه الانتقادات، تلقى قادة الجيش الإسرائيلى أوامر بعدم السفر للخارج، خصوصًا مع توصيف مسئولين إسرائيليين سابقين ما يحدث فى غزة بأنه «إبادة جماعية».

وفى بداية الشهر الجارى، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تحقيق تناول عام كامل من الفيديوهات التى أخرجها جنود الاحتلال من داخل القطاع، واستعرض التقرير 120 صورة ومقطع فيديو تداولها جنود الاحتلال لما كانوا يقومون به داخل القطاع تكشف حجم الجرائم والفظائع التى يرتكبها جنود الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى.