الزوج.. جانى أم مجنى عليه
الزواج فى «بيت العائلة» حرب أهلية تحت سقف واحد

سمر حسن
داخل جدران بيوت العائلة حكايات لضحايا تسلّط امرأة قررت أن تترجم حبها لابنها على طريقتها الخاصة لتتحول حياة زوجته إلى جحيم يتزايد يومًا بعد يوم إلى أن يقودها إلى الطلاق ثم العلاج النفسى، فكيف أصبحت بيوت العائلة معيقة للحياة الزوجية السعيدة، ومن وراء ذلك؟، هل أم متسلطة؟ أم زوج ضعيف الشخصية؟، أو كما ترى بعض الأمهات أن الزوجة هى السبب فى دمار حياتها بأفعالها غير المسئولة.
لم يكن رصد حالات الضحايا هذه المرة من أمام محاكم الأسرة فقط، ولكن عند أعتاب عيادات الطب النفسى، والإرشاد الأسرى، حيث وقفت الزوجات المكلومات أمامها، فى محاولة أخيرة لإنقاذ زيجاتهن من الانهيار، أو استعادة قواهن النفسية مرة أخرى لمواصلة رحلة الحياة.
فى ملف اليوم ترصد «روزاليوسف» ضحايا الزواج فى بيت العائلة، والقول الفصل فى أحقية تدخل الأم فى الحياة الزوجية لأولادها من عدمه، وتحليل الخبراء لهذه الظاهرة، وكيفية تفاديها، ورأى الدين إن كانت الطاعة العمياء للأم بر أم عادات وتقاليد خاطئة؟
هند.. الإنجاب بإذن الأم!
أمام إحدى عيادات الطب النفسي، تجد سيدات يغلب على ملامحهن الحزن، من بينهن من أتت لإنقاذ نفسها، وأخرى لتتمكن من التعافى لاستكمال تربية أولادها، وثالثة تحمل نجلها على كتفها بعدما طاله لدغ بيت العائلة.
بدأت «هند. ع» الحديث بكلمات متلعثمة، لا تعرف من أين تبدأ قصتها المُحزنة «من أول يوم إهانة»، وأوضحت أنها صُدمت بطريقة وطباع والدة زوجها المتسلطة، ورغم أنها تسكن فى شقة خاصة بها، إلا أن حماتها بدأت مسلسل التسلط والتحكم منذ اللحظة الأولى فى حياتها.
وواصلت: زوجى لم يفعل شيئا إلا باستشارة والدته، حتى أكثر الأمور خصوصية، لدرجة أنها قررت تأجيل قرار إنجاب الأطفال حتى تأذن لنا، وكانت تقوم بشراء جميع متطلبات المنزل، فكانت تنتظر عروض المحلات الكبرى، وتقوم بشراء كميات كبيرة من المنتجات وتجميدها فى «الديب فريزر» لمدة طويلة «أكلت جبنة بيضاء مجمدة».
وواصلت: كان زوجى يأخد رأيها فى كل صغيرة وكبيرة، ولا يهتم لرأيي، ولا ينظر لما يتماشى معي، وكانت هى الآمر الناهي، حتى راتبه كان يعطيه لها، وتقوم بإعطائه مصروف أسبوعى من راتبه، واستكملت: لم أستطع تحمل هذه الأمور، فكنت أشعر وكأنى تزوجت والدة زوجي، وبعد عدة أشهر أصابنى الاكتئاب، فلجأت لتلقى العلاج النفسي، وبعد أن بدأت التعافى طلبت الطلاق منه.
ريم.. تحرشوا بأبنائها
أما «ريم. م» فانهمرت دموعها على خديها قبل الحديث، وقالت «المصيبة جت فى أولادي»، مؤكدة أنها تحملت جرعات من الألم والإهانة، بسبب زواجها فى بيت العائلة، مؤكدة أن البيت يفتقد الخصوصية، وفرضت عليها والدة زوجها ترك مفاتيح شقتها معها، ولا تصعد إليها إلا وقت النوم.
واستكملت: لم أكن زوجة، بل خادمة لأهل زوجي، ليس هذا فقط بل تدخلوا فى شئون أولادى، وعندما أعترض على ذلك، يحرضون زوجى ضدى، حتى ينتهى الأمر بضربه لى ضرب مبرحًا.
واستطردت: رغم ذلك، تحملت، ولكن بسبب عدم الخصوصية داخل منزل العائلة، والسماح لجميع أقارب وأغراب للدخول والخروج كيفما أرادوا، قام أحد أقارب زوجى بالتحرش بأولادي، وبمجرد علمى بهذا، أخذت أولادى وتركت المنزل، وطلبت الطلاق منه، إلا أنه رفض بسبب نفقات الطلاق، فأقمت دعوى خلع ضده، ومنذ هذه اللحظة وأنا وأولادى نتلقى العلاج النفسى، حتى نتمكن ممارسة حياتنا الطبيعية، وحتى أصلح مفاهيم أولادى، ويتمكنوا من الانخراط فى المجتمع.
ياسمين.. خادمة حماتها
أما الضحية الثالثة «ياسمين. ر» فقالت: حماتى أعلنت الحرب منذ البداية وقالت لى: أنا سيدة هذا البيت وصاحبته، وأنت خادمة لابنى»، انتظرت من زوجى أن يأخد موقفا ويرد لى كرامتي، إلا أن رده كان بمثابة الطامة الكبرى لي، فأكد ما قالته والدته، معتقدًا أن طاعته العمياء لأمه من البر، وأنه لا يستطيع مخالفة أوامرها وإلا أصبح ابنا عاقا.
وتابعت: حاولت تصحيح صورة البر لديه، من خلال فيديوهات المشايخ التى تفصل بين حق الأم والزوجة، إلا أنه استمر على ما هو عليه مرددًا «مقدرش أقف قصاد أمى وأخسرها، لو عاشت لى السنة دى مش هتعيش الجاية، ولا يمكن تموت غاضبة على».
وأردفت: بقى الوضع على ما هو عليه، فقررت التواصل مع مختص أسري، على أمل إيجاد حلول للتعايش مع وضعي، إلا أنها باءت بالفشل، وانتهى بى المطاف بالعلاج النفسى.
انعدام الخصوصية
ومن جانبها، قالت الدكتورة إيمان عبدالله، استشارى إرشاد أسرى ونفسي، إن الزواج فى بيت العائلة يقف خلف عدد كبير من حالات الطلاق، لعدة أسباب، أهمها انعدام الخصوصية، خاصة فى ظل وجود أم متحكمة ترى أنها صاحبة الملكية داخل المنزل، وأن الإدارة واتخاذ القرارات من شأنها وحدها.
وتابعت: الحماة المتسلطة ليس لديها أى فكرة عن انتهاء دورها فى حياة ابنها بمجرد زواجه، إلا بتقديم النصيحة غير الملزمة له، وأنه أصبح رب أسرة وصاحب بيت زوجية يديره بما يتماشى مع زوجته، عليها أن تترك زوجة الابن تنعم بحياة مستقرة رفقة نجلها، كما عاشت هى الأخرى وأسست بيتها وأسرتها، ولا تجحد عليها هذا الحق.
استكملت: أرفض العادة الخاطئة المتداولة، وخاصة فى بيوت العائلة بالقرى، وهى امتلاك أهل الزوج نسخة من مفاتيح الشقة، مما يتيح لهم دخولها كيفما أرادوا، وانتهاك حقوق الزوجة، هذه الأفعال تدمر الصحة النفسية للزوجة وتفقدها الشعور بالأمان.
وشددت على ضرورة وجود مسافة بين كل شخص وآخر، مما يعطى شعورًا بالراحة، وعدم العيش تحت أوامر طرف آخر، مما ينمى لديه روح الانتماء للمكان والأشخاص من حوله.
وأكدت رفضها تدخل الحماة فى تربية الأحفاد، فقد تعطى لنفسها الحق فى تربيتهم بما يخالف إرادة أمهم، تنفيذًا لأوامرها وتأكيدًا لسلطتها.
حتى أبسط الأمور، كاختيار ملابسهم، هى من تقوم بها، فى النهاية، تؤثر هذه التربية المزدوجة على الأبناء، وتجعل أمهم مجرد صورة، مما ينعكس على صحتهم النفسية بالسلب.
كما أن عدم قيام الزوج بوضع حدود بين أمه وزوجته يؤدى إلى نشوء حالة فتور بينهما، فتراه مجرد ظل ومردد لكلام والدته.
وأشارت إلى أن البيت المفتوح للجميع دون حدود يكون أكثر عرضة لحدوث التحرش من المترددين على المنزل، سواء على الزوجة أو الأحفاد. كسر الحدود الشرعية والقانونية ينشئ جيلًا لا يميز بين الصح والخطأ، والحلال والحرام.
ووجهت بضرورة وضع حدود فاصلة وترك الحرية والخصوصية لزوجة الابن، ونبذ العادات والتقاليد القديمة الخاطئة التى كانت ولا تزال سببًا فى انهيار وتفكك الحياة الزوجية.
كما طالبت بأن تركز الأم على بيتها الخاص وباقى الأبناء غير المتزوجين، حتى وإن كانت وجهة نظرها صحيحة، وذلك للحفاظ على شخصية وكرامة نجلها أمام زوجته.
علم الاجتماع
قالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع، إن هناك عدة عوامل يجب مراعاتها قبل الشروع فى الزواج، يأتى على رأسها حسن الاختيار وأخذ وقت كافٍ للتعرف على طبيعة الشخص المتقدم للزواج وأهله، وعدم التعجل فى اتخاذ القرار، مؤكدة ضرورة إتمام الزواج بعد فترة تعارف كافية ليدرس كل منهما الآخر.
وأضافت أن العامل الآخر هو التأكد من وجود تكافؤ اجتماعى بين الزوجين وأسرتهما، حتى لا يحدث صدام بين الزوجين أو بين الأسرتين، مما ينعكس على الحياة الزوجية للأبناء ويكدر صفوها.
وأوضحت أهمية وجود تكافؤ نفسى أيضًا بحيث لا يكون هناك نوع من التعالى أو اختلاف فى العادات والتقاليد بين الأسرتين، ما يؤدى إلى الانتقاد الدائم، مشددة على أن الزوج يقع فى المنتصف بين إرضاء والدته والحفاظ على زوجته وبيته.
وشددت على ضرورة تفتيح مدارك الزوجة وزيادة وعيها الثقافى وتقديرها للموقف، وحب الزوج وارتباطه بأمه، بحيث تكون لديها ثقافة التعامل وكسب محبة وود الأم لتصبح بمثابة ابنة وليست زوجة ابن.
وأضافت أن الزوج يجب أن يكون لديه ذكاء اجتماعى يمكنه من إرضاء والدته والقيام بواجباته تجاه بيته وزوجته دون تعارض بينهما، ما يمنع حدوث صدام بين زوجته وأمه، مطالبة بزيادة حملات التوعية للمقبلين على الزواج وزيادة ثقافتهم حول اختيار الشريك وفن التعامل.
الطب النفسى
أكد الدكتور أحمد على، استشارى الطب النفسي، أن تدخل الأم فى حياة أولادها، خاصة المتزوجين منهم، يرجع لعدة عوامل فى شخصية الأم، منها طبيعتها المسيطرة واعتقادها بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة، مما يدفعها إلى فرض رأيها على الابن وزوجته.
وأضاف أن هذا الطبع قد يكون ناتجًا عن شعورها بالتقليل من شأنها من قِبَل الآخرين، وأنها تعتبر ابنها ملكًا لها، وكأنه قطعة أثاث مأخوذة منها، فتشعر بعدم الأمان.
وأوضح أن أبناء الأم المتحكمة يعانون من شخصيات ضعيفة، نتيجة حبها الزائد أو خوفها عليهم، مما يؤدى إلى مسح شخصياتهم وعجزهم عن اتخاذ قرارات مصيرية.
وأكد أن الزوج هو المحور الأساسى فى الحفاظ على حياته الزوجية والعلاقة الطيبة بين زوجته وأمه.
وشدد على ضرورة ترك الأم مساحة للأبناء تمكنهم من تكوين شخصيات قوية ومستقلة، والابتعاد عن الخوف الزائد الذى يقتل حياتهم.
الإسلام وحق الاستقلال
قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن للزوجة فى الإسلام حقوقًا، على رأسها النفقة والمسكن المستقل، كما ورد فى قوله تعالى: «اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم» [سورة الطلاق].
وأكد أن الزواج فى بيت العائلة مخالف للأصل، لأن الزوجة لها حقها الشرعى فى مسكن مستقل، إلا إذا وافقت على العيش فى بيت العائلة، وفى هذه الحالة يجب أن تكون لها استقلالية تامة.
وشدد على أن تدخل أهل الزوج فى شؤون الزوجة ليس من البر بالوالدين، وأن علاقة الابن بزوجته خارجة عن نطاق بر الوالدين.
وأضاف أن فرض شروط على الزوجة، مثل أخذ نسخة من مفاتيح شقتها أو إدارة بيتها، لا يعد من الشرع أو البر، وإنما هو جزء من العادات والتقاليد الخاطئة.