الإثنين 27 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى عيد الشرطة الـ73

«الداخلية» تاريخ من البطولات

عرض لقوات الشرطة - أرشيفية
عرض لقوات الشرطة - أرشيفية

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حافظوا على أمن وطنهم وضحوا بحياتهم فداءً لمصر وشعبها، إنهم رجال الأمن وحراس الجبهة الداخلية، الذين كتبوا اسمهم بحروف من نور فى سجلات البطولة والشرف، ففى 25 يناير 1952، خاض رجال الشرطة البواسل، ملحمة تاريخية، حينما رفضوا تسليم أسلحتهم وإخلاء مبنى محافظة الإسماعيلية للقوات البريطانية، واشتبكوا معهم بكل بسالة فى معركة غير متكافئة، ليسقط 64 شهيدًا، و73 جريحًا.



البداية، كانت فى أعقاب زيادة حالة التوتر بين مصر وبريطانيا ووصلت لذروتها، بعد ارتفاع وتيرة أعمال التخريب والأنشطة الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم فى منطقة القناة، بالتزامن مع ترك 91 ألف عامل مصرى معسكرات البريطانيين للمساهمة فى حركة الكفاح الوطني، كما امتنع التجار عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية.

وجاءت تلك الأعمال بعد استجابة حكومة الوفد، لمطلب الشعب بإلغاء معاهدة 1936‏،‏ حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس، فى مجلس النواب، يوم 8 أكتوبر 1951، إلغاء المعاهدة، التى فرضت على مصر الدفاع عن مصالح بريطانيا، وأثارت تلك الأفعال غضب حكومة لندن، وهددت باحتلال القاهرة، إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، لكن المصريين لم يهتموا بهذه التهديدات، واستكملوا خطتهم ولم يخافوا من التفوق الحربى البريطاني، واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة‏.‏

وفى صباح يوم الجمعة، الموافق 25 يناير عام 1952، استدعى القائد البريطانى بمنطقة القناة “البريجادير أكسهام”، ضابط الاتصال المصرى، وسلمه إنذارًا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية، أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة، حيث جاء هذا الإنذار بعد أن أدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة‏،‏ لذا خطط الاحتلال لتفريغ مدن القناة من قوات الشرطة ليتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين و تجريدهم من أى غطاء أمنى‏.

ورفضت قوات الشرطة المصرية، الإنذار البريطانى، وأبلغت به فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية آنذاك، والذى طلب منهم الصمود والمقاومة، ليشتاط القائد البريطانى غضبًا فى القناة، وأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية، وإطلاق النيران من مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، فى وقت لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع.

وحاصر 7 آلاف جندى بريطانى مبنى محافظة الإسماعيلية، والتى كان يدافع عنها 850 جنديًا، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة، التى دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة الضابط مصطفى رفعت، حتى سقط منهم 64 شهيدًا والعديد من الجرحى الذين رفض العدو إسعافهم.

وأجبر تصدى الشرطة المصرية لقوات الاحتلال وبسالتهم حتى اللحظة الأخيرة فى الدفاع عن الوطن، الجنرال الإنجليزى “أكسهام”، على منح جثث شهداء الشرطة التحية العسكرية عند إخراجها من مبنى محافظة الإسماعيلية، اعترافًا  بشجاعتهم فى الحفاظ على وطنهم.

“مواجهة الإرهاب”

فى أعقاب 2011، شهدت مصر موجات عنيفة من العمليات الإرهابية، زادت وتيرتها بعد تولى جماعة الإخوان الإرهابية الحكم، لكن بفضل القيادات الأمنية الحكيمة ورجال الداخلية البواسل، عم الأمن فى كل شوارع مصر، خاصة بعد محاولات الوقيعة بين الشرطة والشعب، التى باءت بالفشل، وظل شعار “الشرطة فى خدمة الشعب” متمثلًا على أرض الواقع، مسطرًا بدم الشهداء الأبرار.

وتولت الأجهزة المعنية تنفيذ استراتيجية أمنية شاملة لمكافحة التطرف والإرهاب، تقوم على محورين أساسيين، “الأمن الوقائى من خلال توجيه ضربات استباقية للتنظيمات الإرهابية لتقويض قدراتها التنظيمية، وسرعة تعقب وضبط مرتكبى الجرائم الإرهابية باستخدام التقنيات الحديثة”.

كما قدمت الداخلية، جهودًا فى كشف هياكل الجناح المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية، وتوجيه الضربات الاستباقية لإفشال وتحجيم تحركات عناصرها وقطع الدعم عنها، إلى جانب رصد الشائعات والادعاءات التى تروج لها الجماعة الإرهابية عبر منصاتها الإعلامية التى تستغلها فى استثارة المواطنين وتحريضهم ضد الدولة ومؤسساتها، وتحديد القائمين على ذلك وتقنين الإجراءات تجاههم، والتنسيق مع أجهزة الدولة المعنية ووسائل الإعلام لتفنيد تلك الادعاءات، فضلًا عن تفعيل إجراءات إدراج عناصر الجماعة الإرهابية وقياداتها على قائمة الإرهابيين الوطنية بالتنسيق مع النيابة العامة، وأجهزة الدولة المعنية لإعمال آثار الإدراج المنصوص عليها فى القانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.

وألقت الوزارة، القبض على العديد من العناصر والقيادات الإرهابية على رأسهم الإرهابى محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام ومسئول التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية بالخارج والتنسيق مع أجهزة الدولة المعنية لضبطهم وترحيلهم للبلاد لتقديمهم للعدالة، علاوة على إسقاط بعض الخلايا العنقودية التى كانت تستهدف رجال القوات المسلحة والشرطة ودور العبادة المختلفة، علاوة على التنسيق مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “إنتربول” والكيانات الإقليمية العربية لإدراج وإصدار نشرات حمراء للقيادات والكوادر والعناصر الهاربة على المستوى الدولى، إلى جانب إدراج أبرز العناصر الهاربة خارج البلاد على القوائم الإرهابية وتجميد أموالهم، والعمل على تحجيم قدراتهم فى تنفيذ مخططاتهم العدائية الداخلية،و التوسع فى عقد اتفاقيات التعاون الأمنى مع الدول لتنسيق وتطوير التعاون الأمنى فى مختلف المجالات خاصة مكافحة الإرهاب.

كما أنشأت الوزارة “وحدة 888”  لمكافحة الإرهاب، وحدة نخبوية خاصة، مزودة بمستويات عالية من التسليح والتجهيز والتدريب، تتبع قوات التدخل السريع، وتتضمن عناصر نخبوية من وحدات القوات الخاصة من القوات المسلحة، والعمليات الخاصة من الشرطة، لتنفيذ مهام مكافحة الإرهاب، ممثلة فى أعمال الإغارة على مقرات ومراكز القيادة ومنابع الإرهاب للقضاء عليها وتطهيرها، بالإضافة لإدارة مكافحة الأعمال الإرهابية بقطاع الأمن المركزى، وتتولى تدريب القوات الشرطية التى تشارك فى هذه المهام الأمنية ذات الطبيعة الخاصة، وفقًا لأحدث النظم والوسائل التدريبية المعمول بها عالميًا، وهى مؤهلة لتدريب القوات المماثلة من الدول العربية والإفريقية.

وقامت قوات الشرطة بمشاركة رجال القوات المسلحة فى تنفيذ خطة المجابهة الشاملة لعناصر التنظيمات الإرهابية والإجرامية بشمال ووسط سيناء ودلتا مصر والظهير الصحراوى غرب وادى النيل، عبر تنفيذ خطة أمنية مرتكزة على عدة محاور أساسية “مداهمة الأوكار، ومخازن الأسلحة والذخائر التى تستخدمها العناصر التكفيرية فى القيام بعمليات عدائية أو استهداف القوات”، وتشديد إجراءات التأمين على المنافذ الحدودية، ونشر الكمائن المؤدية إلى الكبارى والمعديات شرق القناة بغرض قطع خطوط الإمداد وطرق تهريب السلاح للعناصر الإرهابية.

كما قام رجال الأمن بتضييق الخناق على العناصر الإرهابية، من خلال القيام بحملات تمشيطية بالمناطق السكنية بشمال ووسط سيناء لضبط العناصر التكفيرية والخارجين على القانون والمشتبه بهم، ومنع تسلل العناصر الهاربة من المواجهات الأمنية بالدروب الصحراوية إلى المدن، وتنفيذ مداهمات مكثفة على مستوى كل المحافظات استهدفت البؤر الإجرامية المرصود تهديدها للأمن العام، أو مساعدة العناصر الإرهابية فى تنفيذ مخططاتها بالتزامن من العملية الشاملة، ناهيك عن تأمين وتسيير  الحياة اليومية للمواطنين بسيناء عقب العمليات، وضبط الأسواق، وتوفير السلع التموينية والاستراتيجية بكميات مناسبة.

“خبراء أمنيون”

من جانبه، قال اللواء فاروق المقرحى، الخبير الأمنى، وعضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشيوخ: إن معركة الإسماعيلية كانت البطولة والفداء لمصر، حيث تصدى 700 من رجال الشرطة البواسل، بالأسلحة التقليدية والبنادق القديمة للاحتلال البريطانى، الذى بلغ عدده  75 ألف جندى فى منطقة القنال، مشيرًا إلى أن صور هذه الملحمة البطولية تتحدث عن نفسها، فكانت معركة الكرامة حفاظًا على مبنى المحافظة.

وأكد “المقرحى”، أن مديريات الأمن فى الإسماعيلية والسويس وبورسعيد والإسكندرية والقاهرة يطلق عليها المحافظة، وكانوا يرتدون  الزى الرسمى الأبيض فى فصل الصيف، والأسود فى الشتاء، مشيرًا إلى أن قائد قوات الاحتلال طلب مغادرة مبنى المحافظة وتسليمها، فرفض مدير مديرية الأمن آنذاك، وتصدت لهم قوات الشرطة برئاسة النقيب مصطفى رفعت، ضابط الاتصال والذى كان يجيد اللغة الإنجليزية وقال:” لن نسلم إلا على جثثنا”، وحدثت المعركة بين جيش الاحتلال البريطانى باستخدام أحدث الدبابات والمدرعات والعربات المصفحة مقابل بنادق ضعيفة قديمة”.

وأضاف، أن التعدى على رجال الشرطة فى منطقة القنال كانت الشرارة الأولى لثورة يوليو 1952، والتى كان مخططًا لها أن تحدث فى 1955 كما أكد الرئيس عبد الناصر فى مذكراته، إلا أن عناصر الإخوان الإرهابية نفذت حريق القاهرة بالتعاون مع بريطانيا ليشغلوا الشعب بحدث آخر، مؤكدًا أن أحداث 25 يناير2011، كانت مؤامرة من عصابة الإخوان الإرهابية، وبدورها رفضت قوات الشرطة إطلاق النار على المتظاهرين، فى المقابل قامت الجماعة بحرق أقسام الشرطة واقتحام السجون وحرق أقسام الشرطة لتهريب المساجين وإثارة الشغب وإحداث فوضى فى مصر، لكن سرعان ما تصدت الوزارة لهؤلاء المخربين”.

‏وتابع:” المشير طنطاوى- عليه رحمة الله- حمل على عاتقه  حماية الوطن وعبر بالبلاد لبر الأمان”، موضحًا أن الدولة تصدت لهذه العصابة الإخوانية والتف الشعب والشرطة والجيش حول الوطن وسرعان ما عاد شعار الشعب والشرطة فى خدمة الوطن.

فيما أوضح اللواء أشرف أمين، مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير الأمنى، أن رسالة الشرطة أثبتت نفسها فى ذكرى الخامس والعشرين من يناير فى الإسماعيلية وكانت هى مصدر شرارة الثورة 1952، مشيرًا إلى أن الشرطة المصرية حققت نجاحًا كبيرًا فى مواجهة الإرهاب وحفظ الأمن.

واستطرد:” مصر واحة الأمن والأمان فى الوطن العربى والشرق الأوسط، الأمر الذى أدى إلى نهوض السياحة”، موضحًا أن معدلات السياحة الآن تبشر بالخير، والجهود التى تقوم بها أجهزة المعلومات التابعة لوزارة الداخلية خارقة للعادة.

 وأكد أننا نستطيع أن نعرف معدلات الجريمة التى يتم متابعتها عن طريق الرقابة الجنائية فى مصر، مشيرًا إلى أن المعدلات فى الوقت الحالى أفضل بكثير من قبل 2011، علاوة على تحديث التسليح والأدوات المستخدمة فى متابعة ومراقبة الجريمة سواء بالوسائل المتعددة مثل الكاميرات والرادارات والبصمة الإلكترونية، كل هذا تطور كبير للغاية لمساعدة الأجهزة الأمنية على ضبط معدلات الجريمة، وبالتالى يعطى معدلات مرتفعة فى ضبط الجريمة على مستوى مصر.

‏وأوضح أن القيادة السياسية كانت وما زالت توجه دائمًا بالارتقاء بالعمل الأمنى، بداية من الاحترافية الموجودة لدى قوات الشرطة فى التدريب الرائع والتسليح والتأهيل، والسيارات المستخدمة المنظورة لدى الجميع، والمبانى الشرطية أصبحت أفضل مما كانت عليه، إضافة إلى وجود مكاتب جرائم مكافحة الإنترنت فى جميع المديريات على مستوى مصر، لمواكبة الجرائم المستحدثة.

وقال: إن عيد الشرطة الـ 73 يمثل نقطة فارقة فى الأداء الأمنى والعمل الشُرطى، موضحًا أن التطور الرهيب للغاية الموجود فى المنظومة الامنية، لم تشهده مصر منذ سنوات، منوهًا بأن 25 من يناير ما زال يعطى إنذارًا لكل من تسول له نفسه المساس بمصر لأن الأمن متواجد بقوة، ضد كل قوى الشر.

‏وأردف: « الأداء الأمنى عبارة عن تعاون مثمر بين رجال الشرطة والشعب ما يؤدى إلى تحقق الأمن، علاوة على التنسيق المستمر بين جناحى الأمن فى مصر القوات المسلحة الباسلة والشرطة الأوفياء لفرض الأمن والأمان”، لافتًا إلى أن الأمن والأمان عاد بفضل الله ثم جهود القوات المسلحة والشرطة الأوفياء، واستطاع المواطن أن يتجول فى أى وقتٍ ومكان شاء، كما تم القضاء على الشائعات التى تعد من حروب الجيل الرابع.

وأشار العقيد حاتم صابر، الخبير فى مكافحة الإرهاب الدولى، إلى أن الشرطة المصرية أصبحت الآن أكثر تقدمًا بعد أحداث 25 يناير 2011،  وعودتها سريعًا إلى المشهد تؤكد ترابط وقوة هذه المؤسسة الوطنية وحبها للوطن، متابعًا: تأتى تجليات هذه البطولات فى اشتراكها مع القوات المسلحة الباسلة فى الحرب على الإرهاب عام 2013 منذ بدء المواجهة، وصولًا بانتهاء موجة الإرهاب عام 2021”، موضحًا أن مصر خلال هذه السنوات تعرضت لأكثر من 600 عملية إرهابية، استطاعت قوات الشرطة بالتعاون مع الجيش المصرى فى نسيج جديد أن توقف هذا النشاط وتحاصر هذا الغزو الإرهابى للدولة المصرية، وتقضى على الإرهاب بشكل كامل وجففت منابعه وسلمت سيناء نظيفة تمامًا وخالية من العناصر الإرهابية المسلحة والمتطرفة.

‏وأكد “صابر”، أن مخططات هدم الدول تبدأ باستهداف ثلاث مؤسسات، الشرطة، والقضاء، ثم الجيش،  وبعد أحداث 25 يناير 2011، سيطرت الجماعة جزئيًا على وزارة الداخلية، وحاولت إخراج الشرطة من المشهد، وبدأت فى أخونة الدولة، وظهور ما يسمى بالضباط الملتحين، لكن سرعان ما عادت وزارة الداخلية مرة أخرى للمشهد بعد 25 يناير، وتم الحرب على الإرهاب بالتعاون مع القوات المسلحة، وقاموا بتجفيف منابعه،  وتلاحمت الشرطة مع الشعب وعاد  شعار “الشعب والشرطة فى خدمة الوطن”.