
أيمن عبد المجيد
دبلوماسية القمة والشراكات الاستراتيجية
يواصل الرئيس عبدالفتاح السيسى، تعزيز شراكات مصر الاستراتيجية، مع مختلف دوائر القوى الفاعلة الدولية، عبر توازن استراتيجى، تعززه دبلوماسية القمة.
وخلال فترة وجيزة، نجحت الدبلوماسية المصرية، من خلال سياسية التوازن الاستراتيجى، المستندة إلى ثوابت وطنية وقومية راسخة، داعمة للسلام والتنمية، فى ترفيع علاقاتها مع عدد من الشركاء الدوليين الفاعلين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وعلى هامش زيارته لإسبانيا، وقع الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس، مع بيدرو سانشيز، رئيس وزراء مملكة إسبانيا، على الإعلان المشترك لترفيع العلاقات بين البلدين لمستوى العلاقات الاستراتيجية الشاملة.
زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وصفها، رئيس الوزراء الإسبانى بالمهمة جدًا، فى توقيت تزداد فيه التحديات، بما يستوجب تعميق الشراكة والعلاقات، مشيرًا إلى أن ترفيع العلاقات للشراكة الاستراتيجية الشاملة يتيح فرصا أكبر للتعاون فى مختلف المجالات.
ولعل نجاح دبلوماسية القمم التى ينتهجها الرئيس عبدالفتاح السيسى، عبر لقاءات مباشرة مع قادة الدول الشريكة، والفاعلين الدوليين، نجحت فى التعريف بحقيقة الموقف المصرى تجاه العديد من القضايا الدولية، وبناء رأى عام دولى مساند للرؤية المصرية.
فضلًا عن التعريف بالفرص الاستثمارية المصرية، وما تشهده القدرة الشاملة من تنمية، تعزز من فرص التعاون مع الشركاء الدوليين.
ففى مستهل كلمته فى مؤتمر صحفى مُشترك تاليًا على جلسة مناقشات بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء الإسبانى، وجه الرئيس السيسى الشكر لمضيفه، لموقف إسبانيا «الصادق الشريف الشجاع»، تجاه القضية الفلسطينية.
فقد أعلن رئيس وزراء إسبانيا رفض بلاده لتهجير الشعب الفلسطينى من أراضيه، معتبرًا ذلك أمرًا غير أخلاقى وغير قانونى، بل ومن شأنه تهديد السلم والاستقرار الدوليين، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، مؤكدًا تمسك بلاده بإعادة إعمار غزة وشعبها على أرضه، فغزة للفلسطينيين.
وهو الموقف الراسخ الذى تتمسك به مصر منذ اللحظة الأولى، لاندلاع الحلقة الأخيرة من ذلك الصراع الممتد بعمر الاحتلال الصهيونى لفلسطين، فترى مصر ضرورة إيجاد حل جذرى للصراع بحل الدولتين، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967.
وهذا الموقف المصرى الذى جدد الرئيس عبدالفتاح السيسى التأكيد عليه: «التعمير دون تهجير»، بمعنى أن يتكاتف المجتمع الدولى لإعادة إعمار قطاع غزة، وأهلها الفلسطينيون باقون بداخلها.
مواقف مصر الثابتة، التى تحظى بإجماع عربى، منتظر تجديد إعلانه فى القمة العربية المرتقبة بالقاهرة فى 4 مارس المقبل لمواجهة التهجير بطرح الرؤية العربية لآليات إعادة إعمار قطاع غزة مع بقاء سكانه الفلسطينيين، والدور الإقليمى والدولى فى ذلك.
ولعل إعلان رئيس الوزراء الإسبانى، لمخرجات القمة العربية المرتقبة الساعية للتعمير دون تهجير، يعكس قوة دبلوماسية القمة المصرية، فليس من المهم إعلان العرب لخطة تعمير وتثبيت للشعب الفلسطينى على أرضه فقط، بل ما لا يقل أهمية هو العمل على بناء رأى عام دبلوماسى عالمى مؤيد للطرح العربى، فى مواجهة أطروحات ترامب ونتنياهو.
من القضية الفلسطينية، إلى تأكيد مصر على دعمها للحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السورية، ورفض العدوان الإسرائيلى على الجولان ودعوتها إسرائيل للانسحاب من الأرض السورية.
الزيارة لم تقتصر على تحقيق مكاسب دبلوماسية، فى توافق الرؤى حول القضايا الأكثر خطورة فى الشرق الأوسط، بل امتدت المكتسبات إلى بدء غرس أشجار تنتظر الإثمار، ليجنى خيرها البلدان، عبر توقيع عدد من البروتوكولات والاتفاقيات الاقتصادية، فى مجالات الاستثمار والسياحة وتوطين التكنولوجيا.
ففى كلمته شدد الرئيس عبدالفتاح السيسى، على أهمية تعزيز الاستثمارات الإسبانية فى مصر وتوطين تكنولوجيا الاستثمار فى مصر بصناعات الطاقة الجديدة والمتجددة والهيدروجين الأخضر وإدارة المياه، فالأمن المائى من أهم الأولويات المصرية.
وعكس الترحيب الكبير من ملك إسبانيا ورئيس الوزراء، بالرئيس عبدالفتاح السيسى، مدى رغبة إسبانيا فى التعاون البناء مع مصر، فقد وصف الملك فيليب مصر بالدولة المحورية، وترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، بأنه «فصل جديد فى العلاقات»، مشيدًا بالموقف المصرى ودورها المحورى فى إحلال الأمن والسلم بالشرق الأوسط.
وجدد الملك فيليب تأكيده على توافق بلاده مع الموقف المصرى بشأن القضية الفلسطينية المتمسك بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وكذا مواجهة التحديات الكبيرة التى تتعرض لها الدولتان الشريكتان نتيجة ما يحدث فى عدد من بلدان الشرق الأوسط.
وفى ظل التوجه إلى تنمية الاستثمارات الإسبانية فى مصر، وتوسعة نشاط شركات السياحة، فقد وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الدعوة لملك وملكة إسبانيا ورئيس وزرائها، لزيارة مصر وحضور افتتاح المتحف المصرى الكبير.
ومن أكثر العبارات دلالة ما قاله رئيس وزراء إسبانيا: «يمكنكم التعويل علينا ليس حكومة إسبانيا فقط، بل وشعب إسبانيا أيضًا».
ومما قاله الملك فيليب: «كلمة مصر أم الدنيا قيلت فى إسبانيا منذ القرن التاسع عشر.. وشرف لنا المشاركة فى افتتاح المتحف المصرى الكبير هذا الإرث الإنسانى الكبير.. مصر دولة شريفة ولديها الكثير من الفرص.. نتطلع أنا والملكة لزيارة مصر».
وشدد الرئيس السيسى على تطلع مصر للسلام الدائم فى الشرق الأوسط القائم على العدل، وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وأن تشمل الحلول السياسية فى سوريا كل مكونات الشعب.
زيارة ناجحة تعزز من أواصر الصداقة والتعاون بين البلدين، وثمرة جديدة لدبلوماسية احترافية منطلقة من ثوابت راسخة وصدق وشرف وانحياز للعدل والسلام والتنمية.