مصر تنتصر للإعمار
جهود مصرية مكثفة لقطع الطريق على مخططات التهجير

هبة سالم ونهى حجازى وأمانى حسين ومحمد السيد وزينب ميزار
تحركات مصرية غير مسبوقة لقطع الطريق على أى مخططات للتهجير ومنع تصفية القضية الفلسطينية.. حيث تنبهت الدولة لمخطط التهجير مبكرًا وأعدت خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، مع بقاء سكان القطاع فى أرضهم دون تهجير.
ترتكز الخطة فى أهم ملامحها على تجهيز مناطق آمنة داخل القطاع خلال الأشهر الستة الأولى، لنقل السكان إليها، ثم توفير مساكن آمنة ووحدات سكنية خلال 18 شهرًا.
كما تشمل الخطة رفع الركام من بعض مناطق غزة خلال الأشهر الستة الأولى، وإنشاء مستشفيات ومدارس متنقلة.
بحسب مصادر مطلعة، تسعى مصر لجلب 24 شركة عالمية و18 مكتبًا استشاريًا لإنجاز مشروعات الإعمار فى غزة، بدعم عربى وأوروبى.
وأوضح خبراء أن تمويل خطة الإعمار يحتاج إلى التفاعل مع المجتمع الدولى، وحشد الدعم، والتواصل مع الدول المانحة والمنظمات الدولية لجمع التمويل اللازم لمشاريع الإعمار.
الإعمار مقابل الاستقرار
من جانبه، قال اللواء الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، إن عملية إعادة الإعمار فى غزة تمثل ركيزة أساسية لضمان استقرار المنطقة.
وأشار إلى أن مصر لعبت دورًا محوريًا فى دعم الشعب الفلسطينى وتخفيف المعاناة الإنسانية الناجمة عن العدوان الإسرائيلى.
وأضاف أن إعادة الإعمار ليست مجرد مسألة هندسية أو لوجستية، بل هى جزء من رؤية شاملة لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.
وأوضح فرحات أن الهدف الرئيسى لخطة إعادة الإعمار فى غزة هو توفير بيئة آمنة ومستقرة للمواطنين الفلسطينيين، حيث تشمل الخطة إعادة بناء البنية التحتية الأساسية، مثل شبكات الكهرباء والمياه والطرق، إضافةً إلى إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والمرافق العامة، لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها.
كما أكد أن الاستقرار فى غزة ينعكس بشكل مباشر على استقرار المنطقة ككل، حيث تسهم التنمية وإعادة الإعمار فى تقليل التوترات السياسية والأمنية وتعزيز فرص السلام الدائم.
وأشار فرحات إلى أن مصر حريصة على تنفيذ عملية إعادة الإعمار وفق معايير تضمن الاستدامة والشفافية، من خلال التنسيق مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين لضمان وصول المساعدات والمواد الإنشائية إلى مستحقيها، مع تجنب أى استغلال سياسى لهذه الجهود الإنسانية.
كما شدد على أن المجتمع الدولى مطالب بتقديم الدعم اللازم لإنجاح هذه العملية، خاصة أن استقرار غزة جزء لا يتجزأ من استقرار الشرق الأوسط.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن إعادة إعمار غزة ليست مجرد استجابة للأزمة الحالية، بل هى خطوة استراتيجية نحو تحقيق السلام العادل والدائم، مشددًا على أن مصر ستواصل جهودها السياسية والدبلوماسية لضمان عدم تكرار العدوان، وتحقيق حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
جهود مصرية حثيثة
وقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، إن الهدف الرئيسى لخطة إعمار غزة هو عدم ترك الفلسطينيين أراضيهم، مشيرًا إلى أن مصر تواصل جهودها الحثيثة فى إعادة إعمار غزة، انطلاقًا من موقفها الثابت برفض أى مخططات لتهجير الفلسطينيين، ودعم حقوقهم التاريخية.
وأوضح فهمى أن خطة الإعمار تركز على تطوير قطاعات الإسكان، البنية التحتية، الصحة والتعليم، بهدف تعزيز الاستقرار ومنع تصفية القضية الفلسطينية.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن التمويل يعتمد على دعم عربى ودولى، وأن نجاح الخطة يتطلب تكثيف الجهود الدبلوماسية وتعزيز الدعم الدولى لضمان تنفيذ مشروعات الإعمار، بما يخدم الشعب الفلسطينى ويحافظ على أمن المنطقة.
ومن جهته، قال الدكتور إسماعيل تركى، أستاذ العلوم السياسية، إن الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزه، وهو دور محورى وبالغ الأهمية، خاصة فى عملية إعادة الإعمار.
وأوضح أنه منذ بداية العدوان على غزة، كانت هناك نوايا إسرائيلية أمريكية للقفز على الدور المصرى واختبار مدى ثباته فى الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى.
وأضاف تركى أن مصر، بحكم إرثها التاريخى فى هذه القضية، أثبتت أن دورها لا يمكن تجاوزه بأى حال، حيث تُعد ركيزة أساسية وحائط صد منيع للدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة ضد المخططات الإسرائيلية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الأحداث الجارية منذ اندلاع الأزمة فى غزة كشفت عن قوة وثبات السياسة الخارجية المصرية فى الدفاع عن الفلسطينيين، مؤكدًا أن مصر لم تتآمر أو تخدع أحدًا أو تتعامل بازدواجية، بل كانت مواقفها واضحة وراسخة فى دعم الحق والسلام وتحقيق التنمية لجميع شعوب المنطقة.
تعنت إسرائيل وأمريكا
وحول تعنت الجانب الأمريكى والإسرائيلى فى استكمال اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة، أكد تركى أن إسرائيل لم تكن ترغب فى هذا الاتفاق، بينما يسعى اليمين المتطرف الإسرائيلى إلى استكمال عمليات الإبادة والتهجير بحق الشعب الفلسطينى.
وأوضح أن فشل إسرائيل فى تحقيق أهدافها المعلنة من العدوان على غزة، إضافة إلى الضغوط المصرية الكبيرة، ساهم فى وضع إسرائيل فى عزلة دولية، الأمر الذى دفع المجتمع الدولى إلى التدخل لتحقيق التهدئة.
وأضاف أن الدعم الأمريكى المطلق لحكومة نتنياهو المتطرفة جعل إسرائيل تتعنت فى إدخال المساعدات والبيوت المتنقلة والخيام للفلسطينيين، بينما قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية ضخمة لإسرائيل لاستكمال عدوانها على غزة، غير أن الخطة المصرية لإعادة الإعمار تعمل على التصدى لهذه المحاولات، وترسيخ السلام والتنمية فى المنطقة.
وأوضح تركى أن مصر أكدت فى حوارها مع الأطراف الفلسطينية ضرورة تشكيل لجنة من القيادات الفلسطينية المستقلة لإدارة القطاع، بدعم ومساعدة عربية، لإعادة الإعمار.
كما وافقت حركة حماس على هذه الخطة، ما يعكس نجاح الدور المصرى فى دحر محاولات اليمين الإسرائيلى المتطرف، الذى يرى فى الوقت الحالى فرصة للقضاء على القضية الفلسطينية، فى ظل الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل.
تجاوز العقبات
ومن جانبها، أوضحت الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية وعضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن تجاوز العقبات الإسرائيلية والأمريكية فى إعادة إعمار غزة يتطلب جهودًا متعددة الأبعاد على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
ولفتت إلى أن الانتقال إلى طاولة التفاوض على أساس حل الدولتين يعد شرطًا أساسيًا لإعادة الإعمار ورفض فكرة التهجير القسرى للفلسطينيين، واستبدالها بإعمار غزة، مع الاستثمار فى الوساطة الدولية من خلال الدول الكبرى الرافضة لفكرة التهجير القسرى، والجهات الفاعلة الدولية، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى.
وأكدت بكر أن البنية التحتية، التى تشمل الصحة، التعليم، والاقتصاد، تحتاج إلى تنسيق الجهود وتفعيل وحدات التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالإعمار، بما فى ذلك السلطات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والدول المانحة، وتعزيز الاستثمارات الإقليمية ومن قبل الفلسطينيين فى المهجر، مع تقديم الحوافز للشركات الإقليمية والمحلية للمشاركة فى مشاريع الإعمار.
وشددت أستاذة العلوم السياسية على أن تحقيق ذلك يحتاج إلى التفاعل مع المجتمع الدولى، وحشد الدعم، والتواصل مع الدول المانحة والمنظمات الدولية لجمع التمويل اللازم لمشاريع الإعمار، مع تعزيز الشفافية وضمانها فى توزيع المساعدات والتمويل لجذب المزيد من الدعم الدولى.
وأوضحت أن الدعم المالى من الدول المانحة ضرورى لتلبية الاحتياجات العاجلة، وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ مشاريع الإعمار، بالتوازى مع الخبرة الفنية التى يمكن أن يوفرها المجتمع الدولى لتطبيق مشاريع إعمار فعالة ومستدامة، بالإضافة إلى الدعم السياسى، من خلال تعزيز الدعم الدولى لغزة فى المحافل السياسية، مما يزيد الضغط على الجهات الفاعلة للمساعدة فى تحقيق الاستقرار والأمن.
خطة الـ30 مليارًا
ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد ماهر، الباحث فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن مصر تلعب دورًا محوريًا فى إعادة إعمار غزة، مستندةً إلى موقف ثابت برفض أى محاولات لتهجير الفلسطينيين، ومؤكدةً أن الإعمار هو خطوة استراتيجية للحفاظ على استقرار المنطقة وحقوق الشعب الفلسطينى.
وأوضح أن الخطة ستركز على تطوير قطاعات الإسكان، البنية التحتية، الصحة والتعليم، معتمدةً على تمويل عربى ودولى، رغم العقبات الإسرائيلية والأمريكية التى تسعى إلى تقييد الجهود المصرية، مشددًا على أهمية الدعم الدولى لتأمين تنفيذ الخطة، مشيرًا إلى أن نجاح الإعمار يعزز الحل السياسى العادل ويمنع تصفية القضية الفلسطينية.
وأضاف أن إعادة الإعمار ستكون من خلال خطة طويلة تمتد من 3 إلى 5 سنوات، بتكلفة تتراوح بين 27 و30 مليار دولار، مؤكدًا أن هناك خططًا لم يتم الكشف عنها بعد، ومن المفترض أن يتم طرحها فى الوقت المناسب على الدول العربية خلال الفترة القادمة، خلال الاجتماع المصغر لخمس دول عربية، لتقديم هذه البدائل أو هذه الحلول، وعرضها كخطة مستقبلية على الإسرائيليين والولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح الباحث فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن تجاوز العقبات يجب أن يكون من خلال تقديم بدائل لأمريكا وإسرائيل، لأنهما تمارسان ضغوطًا للرجوع خطوة إلى الوراء، لكن علينا أن نتعامل بأسلوب الضغط غير المباشر، وليس بأسلوب الصدام، مع ضرورة مخاطبة الداخل الإسرائيلى والداخل الأمريكى، بما فى ذلك الكونجرس، البنتاجون، ورجال الفكر الأمريكى، لرفض مخططات التهجير.
قال مجدى البدوى، نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ورئيس النقابة العامة للعاملين بالصحافة والطباعة والإعلام، إن جميع مؤسسات الدولة المصرية لم تكتفِ برفض التهجير فحسب، بل قامت بوضع رؤية وتصورات وخطط لإعمار غزة، بهدف الانتهاء سريعًا من هذه المهمة الوطنية، فضلًا عن التفاوض من أجل البدء فى إزالة الركام وبداية الإعمار، وذلك بالتشاور مع الدول العربية لتوفير الدعم اللازم.
وأضاف أن الدور المصرى فى إعادة الإعمار سيكون مهمًا جدًا وفعالًا بشكل كبير، من خلال توفير العمالة اللازمة والمدربة والمؤهلة لاستخدام أحدث الأجهزة والمعدات.
وتابع البدوى: «إن الإعمار لن يقتصر على المبانى السكنية فقط، بل سيشمل المدارس والمستشفيات والبنية التحتية، وستختلف غزة كليًا عمّا كانت عليه، حيث سيتم إعمارها بطريقة حديثة وعصرية لمواكبة أحدث التقنيات والطرازات، وسيتفاجأ العالم بغزة جديدة».
ولفت البدوى إلى أن عمال مصر لديهم خبرة كبيرة فى التشييد والبناء والمرافق، وظهر ذلك جليًا من خلال مشاركتهم فى بناء العاصمة الإدارية الجديدة والمشروعات القومية العملاقة، مما يؤهلهم للقيام بالإعمار على أكمل وجه، هذا إلى جانب مواكبة التطور واستخدام التقنيات الحديثة فى العديد من القطاعات. وأكد أن مصر تمتلك خبرات واسعة، وستكون - إن شاء الله - قادرة على إعمار غزة بشكل يليق بمكانتها.
وأوضح البدوى أن للنقابات العامة دورًا توعويًا كبيرًا، من خلال تدريب العمالة وتثقيفها وإبراز أهمية المشاركة فى إعمار غزة، باعتباره استثمارًا مهمًا لحماية الأمن القومى المصرى واستقرار المنطقة بأكملها.
العمالة المصرية
من جانبه، قال عبد الناصر بكر أحمد، أمين عام النقابة العامة للبناء والأخشاب ورئيس اتحاد عمال أسيوط، إن مدينة غزة تم تدميرها بالكامل، وسيتم بناؤها من جديد. ووفقًا لعدد سكانها، فهى بحاجة ماسّة إلى مبانٍ سكنية مناسبة، ومستشفيات، ومدارس، وبنية تحتية تشمل المرافق العامة من كهرباء ومياه وصرف صحى.
وأضاف أنه لا يوجد عامل أمهر من العمالة المصرية فى هذه القطاعات، وبدونها لن يكون هناك إعمار، لأن هذه العمالة تتعامل بصدق وجدية ووطنية ومهارة.
كما أن الدولة المصرية داعمة أساسية للقضية الفلسطينية ولن تتخلى عنها، لذا كان رفضها للتهجير واضحًا من خلال جميع مؤسساتها التى تقف خلف القيادة السياسية لحماية الأمن القومى المصرى واستقرار الشرق الأوسط.
وتابع أمين عام نقابة البناء والأخشاب: «لا بد من وضع خطة للتمويل، وعلى الدول العربية أن تتكاتف فى توفير كل ما يلزم لإعادة الإعمار، ونحن - كعمالة مصرية مدربة على أعلى المستويات ونمتلك كل الإمكانيات فى جميع تخصصات التشييد والبناء - قادرون على التعمير بمهارة، باستخدام أحدث الأجهزة والمعدات».
ولفت إلى أن النقابة العامة تقوم بتدريب العمالة وتطويرها من خلال مركز التدريب المهنى المعتمد فى الشرق الأوسط والدول الأوروبية، والذى يمنح شهادات وتصاريح عمل معترفًا بها دوليًا.
بدوره، قال رضا الدغيدى، أمين صندوق النقابة العامة للعاملين بالمرافق وعضو مجلس إدارة الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى، إن عمال المرافق سيكون لهم دور كبير فى إعادة بناء غزة وإعمارها، حيث إن هذه العمالة تقوم ببناء البنية التحتية، والتى تشمل عمال الكهرباء والمياه والصرف الصحى.
وأضاف أن هذه العمالة مؤهلة ومدربة، وشاركت فى بناء العاصمة الإدارية الجديدة والعديد من المشروعات العملاقة لبناء الجمهورية الجديدة، وخاصة فى أعمال الصرف الصحى والتطهير والحفاظ على البيئة، وكذلك المياه والكهرباء وبناء المحطات العملاقة.
وأشار إلى أن جميع مؤسسات الدولة المصرية - وفى القلب منها عمال مصر - ضد التهجير، ويساندون الرئيس عبد الفتاح السيسى فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأمن القومى المصرى.
وأوضح أن عمال المرافق مستعدون للإعمار، ويمتلكون أحدث الأدوات والمعدات، مؤكدًا أن الدور المصرى سيكون رياديًا فى إعادة الإعمار، حيث سيتم بناء غزة من جديد، مع إنشاء البنية التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحى، ومد البنية الأساسية والمشروعات الخدمية.