قلعة صناعية عالمية..
6 مليارات دولار استثمارات أجنبية ومليون فرصة عمل

هيثم يونس
بدت فكرة تحويل محيط قناة
السويس إلى منطقة اقتصادية عالمية
قبل سنوات أقرب إلى حلم طموح، لكن اليوم،
أصبحت هذه المنطقة واحدة من أهم المحركات
الاقتصادية فى مصر، وقلعة صناعية تجذب الاستثمارات
من مختلف أنحاء العالم، وذلك بفضل إصرار القيادة السياسية متمثلة
فى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذى سعى لترجمة هذه الأفكار وتلك المخططات
التى كانت لدينا منذ 30 عامًا أو أكثر إلى واقع ملموس على الأرض فى فترة قياسية. انبثقت فكرة إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ضمن رؤية استراتيجية للدولة تستهدف استغلال الموقع الجغرافى الفريد لقناة السويس، وتحويله من ممر ملاحى إلى مركز لوجستى وصناعى عالمي، ومع انطلاق المشروع رسميًا عام 2015، بدأت ملامح الحلم تتشكل بخطوات محسوبة وبنية تحتية غير مسبوقة.
وتحولت المنطقة، التى تمتد على مساحة تزيد على 460 كم، إلى بيئة خصبة للمستثمرين، إذ نجحت فى جذب أكثر من 6 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنوات الأخيرة، واستقطبت كبرى الشركات العالمية فى مجالات مثل الصناعات الدوائية، والسيارات، والغذائية، والطاقة المتجددة.
ويأتى من أبرز المشروعات الكبرى مجمعات صناعية ضخمة فى العين السخنة وشرق بورسعيد، ومصانع صينية وهندية وأوروبية فى مجالات الإلكترونيات والمنسوجات، إلى جانب توسع لوجستى يدعم تصدير المنتجات إلى إفريقيا وأوروبا وآسيا.
اليوم، لا تُعد المنطقة الاقتصادية مجرد مشروع تنموي، بل منصة استراتيجية لمستقبل الاقتصاد المصري، فقد وفرت آلاف فرص العمل، وأسهمت فى رفع تنافسية الصادرات، وشجعت على نقل التكنولوجيا والخبرات العالمية إلى الداخل المصري.
ورغم الإنجازات، لا تزال التحديات قائمة، خاصة فيما يتعلق بجذب المزيد من الصناعات التكنولوجية الثقيلة وتوطين الصناعات المحلية، ومع استمرار الدولة فى تقديم الحوافز وتطوير البنية التحتية، تبدو الفرصة مهيأة لأن تصبح هذه المنطقة أحد أهم مراكز التصنيع والتجارة فى الشرق الأوسط وإفريقيا.
ومن المؤكد أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس قصة نجاح مصرية بامتياز، بدأت بفكرة طموحة وتحولت إلى واقع ملموس ينبض بالحركة والإنجاز، فهى ليست فقط رهانًا على التنمية، بل بوابة عبور نحو مستقبل اقتصادى أكثر ازدهارًا واستقلالًا.
وفى سباق الزمن نحو الريادة الاقتصادية، تواصل مصر تشييد مستقبلها بثقة وعزيمة من خلال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التى تحولت فى السنوات الأخيرة إلى مغناطيس استثمارى عالمي، ومركز صناعى ولوجستى متكاملً يربط قارات العالم الثلاث.
وتشهد المنطقة الاقتصادية نهضة لوجستية كبرى، تمثلت فى إنشاء مناطق لوجستية متقدمة داخل الموانئ التابعة للمنطقة، مثل السخنة، شرق بورسعيد، والأدبية، والعين السخنة، كما تم توقيع اتفاقيات جديدة لإنشاء مناطق لوجستية عملاقة مع كبرى الشركات العالمية، ما يعزز قدرات مصر التنافسية فى سلاسل الإمداد العالمية ويجعلها محورًا رئيسيًا للتجارة الدولية.
ويعد تحول المنطقة إلى منصة لتوطين الصناعات التكنولوجية المتقدمة، مثل مكونات السيارات الكهربائية، وخلايا الطاقة الشمسية، والذكاء الاصطناعي، نقلة نوعية فى خارطة الصناعة المصرية، خاصة فى ظل إعلان شركات عالمية ضخ استثمارات بمليارات الدولارات لإقامة مصانع تعتمد على التقنيات الخضراء وتوظف الكفاءات المصرية.
وما يجعل المنطقة الاقتصادية أكثر جاذبية هو موقعها الاستراتيجى الفريد على ضفتى قناة السويس، أحد أهم شرايين الملاحة فى العالم، هذا الموقع يمنحها ميزة تنافسية استثنائية، حيث تتيح الوصول السريع إلى أسواق إفريقيا جنوبًا، وأوروبا شمالًا، فى وقت قياسى وبتكلفة منخفضة، ما جعلها قبلة للمستثمرين الباحثين عن قواعد إنتاج وتصدير ذكية.
من المتوقع أن تسهم المشاريع الجديدة الجارية فى المنطقة الاقتصادية فى توفير أكثر من 1 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال العقد المقبل، فى مجالات الصناعة، الخدمات اللوجستية، الطاقة، وتكنولوجيا المعلومات، ما يدعم استراتيجية الدولة لخفض معدلات البطالة وتحقيق نمو اقتصادى شامل.
وبحسب البيانات الرسمية، فإن مساهمة المنطقة الاقتصادية فى الناتج المحلى الإجمالى المصرى تجاوزت 5% فى السنوات الأخيرة، مع توقعات بارتفاعها إلى 10% خلال 2030، مع دخول المزيد من المشاريع الإنتاجية حيز التشغيل، وتحول المنطقة إلى مركز تصديرى عالمي، ما يعنى أن مصر لا تبنى مصانع فقط، بل تؤسس لمستقبل اقتصادى جديد تتكامل فيه الجغرافيا مع التكنولوجيا، وينصهر فيه الحلم مع الواقع، فالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ليست مشروعًا عابرًا، بل رؤية استراتيجية لبناء دولة حديثة، قوية، ومتصلة بالعالم.