الثلاثاء 22 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصة قصيرة

كفن الملائكة

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:



 

يقول الراوى:

اليُتم لحظة لن تنسى؛ لحظة تدرك أن من تغمرك بأسمى معانى الحب، سكنت ولن ترنو لك حتى! تحتاج فال تملك سوى اجترار ذكرى لا تُرى، الأم شىء عجز الأقدمون عن وصفها؛ تظل شغلها وكل تفكيرها حتى بعد أن تصمت الحياة فيها  :مرماة على نقالة صدئة ترنو عيناها الى الأبدية الخالدة ، تنتظر هبوط ملائكة الموت لنقل وعيها فى جنان السماء وسط مباركات أقرانهم من الملائكة لتعود تارة أخرى إلى حيث نشأة الخليقة الأولى بعد أن يعلن المولى عن رضاه من حيث كم كانت روحا زكية عابدة..تأخرت الملائكة! ماتت منذ ساعة وتتلهف على رؤية حسانها.. بعد قليل ستصعد كما ُصعد ذات إسراء ومعراج.

مضت الدنيا.. وتتلهف على مضى روحها عن أرض ملئى بالحروب والقصف.. انتهت الرحلة وتخففت من حمل الآثام ومكارم الأخلاق.. خفّت روحها من ثقل الحساب والخوف من الجنة والنار.. الآن تدرى انها ستعلو شيئا فشيئا.. سماء فسماء.. بكفن مبارك إلى عليا الفردوس.. فأواه كم تشتاق للكفن! لم تعبأ بضوضاء الصراخ وصمت الفناء حولها.. خبرت أخيرا الفناء.

منذ ساعات كان قلبها يدق بجنون متسابقا مع مجريات الكون خيفة من موت محتم وجاء الموت كلحظة نوم دائم هادئ.. لولا استحالة ذلك لزفرت أنفاسها فى راحة وبشر .. فمتى يا ملائكة الله تأتونى وتكرمونى بالكفن؟ شعرت بوقع خطى تحفظها عن ظهر حب؛ خطى طفلها مع ابيه.. جاء ابنها ممسكا يد ارملها الى أن تسمرت اقدام الصبى امام نقالتها.

يا حبيبى! جئتنى قبل الكفن.. على امك الرحيل..رنا بعين شاخت عقودا من الدمار الى عينيها الرانيتين لمجهول شيق.. اقترب ابنها ثم بهدوء وضع رأسه على صدرها الساكن المحطم ومضى يمسح على بطنها المشقوقة كما اعتاد.. للحظة أرادت البكاء ولم تَجد عينيها الميتتان الجافتان لأبد بالدمع.. وضع ارملها شيئا يبكى بجنون على صدرها هو الآخر.. بلى! تتذكر؛ كانت حاملا فى الشهر الأخير.. اذا نجت ابنتها من حطام المبنى. كانت قد تخففت من حمل الهموم ولكن الآن رقص قلبها الصامت براحة وانتشاء.. 

مضت ابنتها تبحث بفطرة الحياة عن ثديها كى ترتشف حليبا لن يقطر.. لو كان بالإمكان يا زهرة القلب لوضعت يدى على وجهك لمرة واحدة ولكنه حكم الله.. لم يشعر جسدها المتصلب بدموع ابنها الباردة تسقط فتغرق ثيابها الممزقة.. رباه ارأف به! لما احضره ارملها لرؤية حطام جثمانها؟! لن ينسى تلك الذكرى ما حيى.. كفاه صدام الدنيا فلما صدام النفس  الذكرى ما حيى.. كفاه صدام الدنيا فلما صدام النفس ؟! 

بكت ابنتها بصراخ حين لم يقطر ثديها حليبا.. رفقا رفقا.. عرفت انك بنت منذ اول يوم ؛ فجأة قبل أن أدرى بانقطاع الحيض علمت انك انثى دون أن يخبرنى أحد انى حبلى بك.. زهرتى.. اخوك اخوك؛ كونى له الأم والأخت. 

وأنت يا حبيبتي.. اختك اختك؛ كن لها السند والرجل.. كبرت قبل الأوان لحظة الحطام من قصف محتم.. بالله لا تيأس لأجل خاطرى.. انى خفيفة.. طائرة.. سأحلق مع الملائكة إلى الجنة حيث يسكن الطيبون مثل قلب.. إنسانى.. ستكبر وتحب وتتزوج وتنجب وتكبر وتشيخ.. فأنسانى.. لا تقضىّ أحلى سنى عمرك تجتر حسرتك على.. أمك سعيدة.. أمك محلقة.. كأبطال الحكايات..احبك يا حبيبى.. أحبكم كلكم.

 تمتم الصبى وسط دموعه الباردة.. “وأنا أيضا احبك” ثم جاء رجل بترت ذراعه.. حجب عنها أبدية اللحظة وأسدل جفنيها ومعه غطاء رث.

 

الأعمال للفنان

عصمت داوستاشى

مواليد الإسكندرية 14 مارس 1943

توفى فى  13 مايو 2025 عن عمر يناهز 82 عاماً 

ينتمى لعائلة مسلمة نزحت من جزيرة كريت إلى الإسكندرية، ونشأ فى حى بحرى العتيق بجوار جامع المرسى أبو العباس. 

ظهرت موهبته الفنية مبكرًا، حيث أقام أول معرض له فى سن التاسعة عشرة عام 1962، قبل أن يتخرج فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية (قسم النحت) عام 1967.

بدأ حياته الفنية بتشكيلات تجريدية مستفيدًا من خبرته فى التصوير الفوتوغرافى والكولاج، ثم اتجه إلى الرسم بأسلوب سريالى يميل إلى الدادائية، وغيّر اسمه الفنى إلى “عصمت داوستاشى” عام 1971.

عمل فى ليبيا بين عامى 1968 و1972 كمخرج ومهندس ديكور بالتليفزيون الليبي، وأقام معرضًا فى بنغازي.

عاد إلى مصر ليعمل مخرجًا مساعدًا فى البرامج الثقافية بالتليفزيون المصري، ثم تولى الإشراف على المعارض والأنشطة الثقافية بوزارة الثقافة فى متحف محمود سعيد بالإسكندرية.

تولى إدارة متحف الفنون الجميلة والمركز الثقافى بالإسكندرية فى التسعينيات.

قدم أكثر من 60 معرضًا فرديًا وشارك فى معظم المعارض الجماعية داخل مصر وخارجها.

تميزت أعماله بمزج الأصالة المصرية مع الحداثة، مع حضور قوى للمرأة المصرية كرمز فى لوحاته، واستخدام ألوان زاهية تعكس البيئة المحلية.