ثورة 30 يونيو.. وعودة الروح للعلاقات المصرية الإفريقية
أولى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم فى مصر، الأهمية للعلاقات المصرية الإفريقية، فقد ولت الدولة المصرية وجهها شطر القارة الإفريقية بعد أن غابت عنها فترة ليست بالقصيرة وبعد أن شهدت العلاقات فتوراً لسنوات قبل أحداث يناير 2011 وبعدها حتى وصلت العلاقات إلى درجة الجمود إبان حكم جماعة الإخوان. ومع تعديل المسار فى ثورة 30 يونيو 2013، وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى عادت العلاقات وبقوة. وتعد الفترة الحالية الفترة الذهبية الثانية للعلاقات المصرية الإفريقية. ولم يكن إعادة الدور المصرى فى القارة الإفريقية سهلاً، وإنما نتيجة عمل متواصل وجاد من القيادة السياسية المصرية.
ولا يستطيع أحد أن ينكر ما شهده الملف الإفريقى من تطور كبير خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولا يمكن لكل من لديه بصر وبصيرة أن يغفل الجهود الكبيرة التى بذلتها مصر منذ اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013 من أجل تعزيز التقارب المصرى الإفريقى وإعادة بناء جسور الثقة بين مصر وسائر الدول الإفريقية، وفتح الأبواب التى وصدت فى وجه التعاون والتكامل المصرى الإفريقى لسنوات طويلة، كى تدلف منها الحكومات الإفريقية فاتحةً صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات المصرية الإفريقية يسطر فيها بحروف من نور شراكات متوازنة تقوم على الاحترام والندية بين الدول. وكانت مصلحة الأشقاء الأفارقة هى الهدف التى سعت إليه الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسى فعملت على نبذ الفرقة وتقريب وجهات النظر والسير على نهج الآباء المؤسسين لاستكمال المسيرة تحت مظلة الاتحاد الإفريقى وأجندته 2063. وللرئيس فى هذا السياق مقولة شهيرة وهى أن المشكلات الإفريقية لاتحل إلا بالسواعد الإفريقية.
وقد أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسى ضرورة تفعيل الدور المصرى فى إفريقيا. فكانت القارة حاضرة بوضوح فى البرنامج الانتخابى للرئيس السيسى. وتضمن دستور2014 نصوصاً تؤكد البعد الإفريقى للهوية المصرية، ومحورية نهر النيل كسبب لحياة المصريين. وتم استحداث لجنة للشئون الإفريقية بمجلس النواب، وتخصيص قطاع للشئون الإفريقية بمعظم الوزارات والمؤسسات الحكومية، وإنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، كآلية لدعم القدرات البشرية بإفريقيا. وتمثل القارة إفريقيا من أهم دوائر الحركة الأساسية للسياسة الخارجية المصرية. فمصر بحكم الموقع وحقائق الجغرافيا والتاريخ دولة إفريقية. فالقارة الإفريقية التى تزيد مساحتها على 30 مليون كم2 ويسكنها 1.4 مليار نسمة معظمهم من الشباب القادر على العمل تعد ظهيراً مهمًا تستطيع مصر من خلاله تحقيق أمنها الإنسانى بأبعاده المختلفة. وللقارة خصائص تتفرد بها عن بقية قارات العالم الأخرى حيث تتمتع بثروة بشرية ضخمة وقوى عاملة وفيرة، ويمكن أن تكون سوقاً واعدة. كما تتميز ببيئة سياحية لامثيل لها كالجبال والهضاب والبحار والبحيرات والنبات الطبيعى والحيوان البرى المتنوع والصحراوات وغيرها. كما تضم القارة مساحات شاسعة من المراعى مما جعلها الأغنى فى الثروة الحيوانية وبها مساحات شاسعة من الأراضى الصالحة والقابلة للزراعة. بالإضافة إلى غنى القارة بأهم مقومات الصناعة مثل المواد الخام والأيدى العاملة والسوق. وتكتنز القارة فى باطنها معادن نفيسة لا توجد فى غيرها وأهمها الماس والذهب والنحاس والفحم والبترول والغاز الطبيعى والفوسفات والقصدير واليورانيوم وغيرها، بالإضافة إلى الإمكانات الهائلة فى مجال الطاقة المتجددة وموارد المياه.
لقد قاد الرئيس عبدالفتاح السيسى السفينة المصرية بعد ثورة يونيو 2013 فى بحر متلاطم الأمواج بمنتهى الحكمة والرشادة، واستطاع بكل اقتدار أن يرسو بها على بر الأمان بكل ما تحمله كلمة الأمان من معنى، على المستويات كافة العسكرى والأمنى منها والسياسى والاجتماعى والسياسى والدبلوماسى، وهذا ما تبرهن عليه ثمار مساعيه وجهوده داخلياً وخارجياً. ولقد كان لقارة إفريقيا نصيب الأسد من تلك الجهود والمساعى بدأها بإعادة مصر إلى عضوية الاتحاد الإفريقى فى العام 2014 بعد أن جمدها الاتحاد فى أعقاب الثورة المجيدة، وبدأ عهده بتكثيف زياراته لمختلف الدول الإفريقية، وتعزيز تواجد مصر على الساحة الإفريقية حتى ترأست مصر الاتحاد الإفريقى 2019 الذى يعد عاماً فارقاً سواء فى توطيد الصلات وتعزيز العلاقات بين مصر وأشقائها الأفارقة. أو فى حجم الإنجازات التى تحققت فى جميع المجالات سواء الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وحتى السياسية. أو الشوط التى قطعته القارة فى تحقيق أجندة الاتحاد 2063.
وفى عام ترأس فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى الاتحاد الإفريقى استطاع أن يترجم طموحات القارة الإفريقية إلى واقع، وأن يمثل القارة فى كافة المحافل الدولية خير تمثيل بشكل جعل البعض يصف عام ترأس مصر للاتحاد الإفريقى بأنه من أنجح سنوات الاتحاد منذ نشأته. فجهود السيد الرئيس فى التعامل مع أزمات القارة كانت واضحة، حيث قام الرئيس السيسى بالعديد من الزيارات المهمة لإفريقيا، وتنوعت أهداف هذه الزيارات ما بين حضور القمم الإفريقية أو تعزيز التعاون ومناقشة القضايا التى تعانى منها القارة. وتسلمت مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى خلال القمة الإفريقية المنعقدة فى العاصمة الإثيوبية أديس بابا فى دورتها الـ32. وبشكل عملى أطلقت الدولة المصرية مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار، وبدأت مع الساحل الإفريقي، وعملت على تفعيل دور أكبر للمجتمع المدنى وللتكامل الاقتصادى، فكان عامًا مثمرًا للقارة جعل دولها تختار مصر كعضو فى الترويكا الإفريقية حتى الآن، وهو ما يؤكد على الدور الذى استطاعت الدولة المصرية القيام به.
ومن أهم القضايا التى تصدى لها فخامة الرئيس قضايا الشباب والمرأة والبطالة والإرهاب والتعليم والصحة وفض النزاعات وإسكات البنادق والتجارة الحرة بالإضافة إلى القضايا البيئية مثل التغير المناخى وأقام سيادته شراكات وتحالفات خلال الفترة من 2014-2025 استهدفت تقوية المحور المساند والمؤيد لمصر إفريقياً وبناء علاقات أكثر قوة مع الكثير من الدول سواء الدول المجاورة لمصر فى حوض نهر النيل أو فى الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وكل هذا من أجل توحيد الصف الإفريقى لمواجهة المشكلات والأزمات التى تواجهها دول وشعوب القارة الإفريقية، وفى مقدمتها معضلة الإرهاب العابر للحدود، وإقرار الأمن والسلم، وقضايا التنمية الشاملة وغيرها.
ولا شك أن التحديات الراهنة التى تواجهها إفريقيا تختلف عن تلك التى واجهها الآباء المؤسسين ولعل هذا مرهون بالظروف العالمية بوجه عام، فإفريقيا جزء من عالم تعانى العديد من دوله من تبعات حرب روسية أوكرانية، ووباء الكورونا الذى تفشى لأكثر من عامين وأضر بمختلف الشعوب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ناهيك عن النزاعات والصراعات التى تعج بها دول القارة. وعليه يمكن القول إن مهمة مصر وشقيقاتها الإفريقيات هى من الصعوبة بمكان ولكنها ليست مستحيلة إذا ما توافرت النية والإرادة الإفريقية وصار الأفارقة جميعًا على قلب رجل واحد وهو ما يصبو له الرئيس السيسى ويبذل كل ما فيه وسعه لإدراكه؛ ذلك أنه يؤمن إيماناً راسخاً بأهمية الدائرة الإفريقية لمصر، فضمان استقرار هذه الدائرة وازدهارها هو فى الوقت نفسه ضمان لاستقرار مصر وازدهارها على المستويات كافة. وهو ما تجسد فى المبادرات الإفريقية التى أطلقها الرئيس السيسى وعلى رأسها مبادرة علاج مليون إفريقي، وتبنى المطالب الإفريقية المشروعة والعادلة فى كافة المحافل الدولية من أجل تعويض إفريقيا عما لحق بها من أضرار جراء التغيرات المناخية التى لم يكن لها يد فيها بل كانت أكثر المتضررين منها، علاوة على دعوته للمستثمرين للاستثمار فى إفريقيا، والتعامل مع إفريقيا بالشكل الذى يليق بثانى أكبر قارة فى العالم وأغناها من حيث الثروات والموارد؛ تحقيقاً لأجندة إفريقيا الخمسينية 2063 بقيادة مصرية واعية ومؤمنة بأن حلول المشكلات الإفريقية فى أيدى الأفارقة دون سواهم.
ولا تزال الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى تبذل كل ما فى وسعها من جهود لمواجهة الأخطار والتهديدات التى تواجه الدول والشعوب الإفريقية فى محاولة جادة لترسيم ملامح خارطة طريق جادة تنقل من خلالها إفريقيا إلى مصاف العالم المتقدم، وتحقق آمال الأفارقة المعقودة على مصر فى مستقبل أكثر إشراقاً للقارة الأم. وتواصل الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسى جهودها لتحقيق التنمية الشاملة فى ضوء أجندة الاتحاد الإفريقى من خلال عضويتها أو ترأسها لمجلس السلم والأمن الإفريقى حيث طرحت مبادرات شجاعة لمكافحة الإرهاب، وإنشاء قوة إفريقية مشتركة لمكافحته ، وملف إعادة الإعمار بعد النزاعات، ورئاسة النيباد، واستضافة مصر لمقرات وكالة الفضاء الإفريقية، ومركز الساحل والصحراء للقضاء على الارهاب، وغيرها.
وكان عهد الدول الإفريقية بالرئيس السيسى أنه رجل أفعال لا أقوال وأن الدولة المصرية لاتدخر جهداً فى مساعدة الأشقاء. حيث قامت بتحسين البنية التحية فى مجال المياه مثل مشروعات السدود وحفر الآبار فى بلدان عديدة كالسودان وجنوب السودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا وبناء سد جوليوس نيريرى فى تنزانيا. وتتواجد شركة المقاولون العرب فيما يقرب من نصف دول القارة لتنفيذ مشروعات ستعمل على تحقيق التنمية المستدامة فى هذه الدول. كما ساهمت مصر اقتصادياً من خلال دورها المحورى فى التكتلات الاقتصادية وما أحدثه الرئيس السيسى من طفرات اقتصادية أثناء ترأس سيادته لهذا التجمع الاقتصادى حيث ارتفعت التجارة البينية بن دوله ارتفاعًا ملحوظاً. وأيضاً من خلال الدفع باتفاقية التجارة الحرة بين دول الاتحاد.
ويمكن أن تتغلب القارة على مشكلاتها وتحقق أجندتها وتحسن مسستوى معيشة مواطنيها عن طريق مقاومة التبعية الاقتصادية أو ما يسمى بالاستعمار الجديد، والتكالب عليها من القوى الكبرى، من خلال التعاون المشترك، وزيادة التبادل التجارى، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة، وأيضاً الاهتمام بالصناعة المحلية بدلًا من تصدير ثرواتها كمادة خام فيما يعرف بالقيمة المضافة، وهذا ما دعا إليه فخامة الرئيس فى قمة الكوميسا الأخيرة.