الأحد 13 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ميدان الحمام

مزار بدأ بـ«الصلاة على النبى»

كان مكانًا عاديًا لا يلتفت إليه أحد، مجرد دائرة تتوسط شارع محمد على ببورسعيد، تقف فيها مسلّة حجرية وحيدة، تحيطها حديقة نائمة، وشجرة فقدت ظلها، هكذا ظل الموقع لسنوات، نقطة باهتة فى مدينة بحرية لا تنقصها الحركة، لكن ينقصها أحيانًا أن ترى الجمال فى الأماكن التى اعتادتها.



ثم حدث ما لم يكن فى الحسبان.. بدأت طيور الحمام تظهر فجأة، بكثافة لم يعتدها المارة، وجعلت من المكان مشهدًا مختلفًا، ورغم أن بداية التحوّل جاءت من رجل يُدعى «الجباس»، ظل يأتى بعد الفجر، يحمل كيس الحبوب وينادي:»تعالوا وصلّوا على النبي»، فينزل الطير، ويتجمع الناس، ويبدأ الميدان فى لفت الانتباه، ورحل الجباس وترك الميدان للفرحة والتنزه.

بمرور الوقت، صار للميدان حضورًا، وصارت المسلّة التى كانت منسية تتحول إلى رمز، ووجدت المحافظة فى هذا التحوّل الشعبى الطبيعى فرصة لإحياء المكان بشكل رسمي، فجاء التطوير الحضارى الشامل ليصنع من «ميدان الحمام» واجهة بورسعيدية جديدة.

تحوّل المكان إلى ميدان حضارى متكامل: أرضيات جرانيت، مقاعد متدرجة، إضاءة ليلية، ومساحات خضراء مفتوحة تسمح للأطفال بالركض، وللكبار بالجلوس، وللسياح بالتأمل والتصوير، ولم يعد الميدان مجرد ساحة، بل صار مقصدًا سياحيًا بصريًا وروحيًا.

السائحون يلتقطون الصور بجوار الحمام والمسلّة، والأهالى يلتفون حول المكان كأنهم يزورون صديقًا قديمًا تغيّر للأفضل، ميدان الحمام اليوم لا ينسى تاريخه، ولا يغفل عن بداياته المتواضعة، لكنه يقدم نفسه كصورة جديدة لمدينة قررت أن تجمّل ذاكرتها لا أن تهدمها.

والجميل فى الحكاية أن ما بدأ بحفنة حبوب، انتهى بساحة من الضوء والورد والماء، وربما لم يكن «الجباس» يدرك أنه بكلمة بسيطة وحركة معتادة، أطلق شرارة التغيير، لكن الأكيد أن بورسعيد التقطت الإشارة، وأعادت الحياة إلى قلبٍ كان صامتًا، فصار اليوم أحد أجمل ميادينها وأكثرها تصويرًا وحركة.

وربما ما ينقص الميدان الآن، بعد كل ما اكتسبه من حياة وجمال، هو لوحة تعريفية صغيرة، تحكى لزائريه قصته الحقيقية: كيف كانت المسلة واقفة وحدها وسط الحشائش، وكيف بدأ الجباس رحمه الله فى نثر الحبوب بعد الفجر، وكيف تحول المكان من مجرد نقطة عبور إلى مزار يعيد تعريف وسط المدينة.

لوحة لا تحتاج إلى كلمات كثيرة، فقط سطر أو اثنين عن أن هذا الميدان لم يُخلق بقرار رسمي، بل بدأ من رجل وطيور، وكبر بفعل الحب والانتماء، واكتملت ملامحه بيد مدينة اختارت ألا تنسى.