الثلاثاء 15 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

8 سنوات على ملحمة الأبطال.. وذكراهم لن ننساها

ذكرى المنسى ورفاقه.. تضىء ذاكرة الوطن

لم يكن 7 يوليو 2017 يومًا مثل أى يوم، فقد شهدت مصر فيه ملحمة للفداء وحب الوطن والشوق إلى الشهادة، فى مواجهة إرهاب أعمى ينفذ أجندات خارجية، يقف خلفها عدو لا يريد لهذا البلد إلا الخراب.



فى 7 يوليو وقع الهجوم الإرهابى على كمين البرث جنوب مدينة رفح بشمال سيناء، بعد أن هاجمت مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم يدعى «أنصار بيت المقدس» الكمين باستخدام سيارات مفخخة وأسلحة ثقيلة، لكنهم فوجئوا بمقاومة شرسة من قوات كتيبة الصاعقة بقيادة العقيد أركان حرب أحمد المنسى، الذي قاد عملية صد الهجوم ببسالة وفدائية، لينال الشهادة هو و15 بطلًا، فيما قتل نحو أربعين إرهابيًا.. البطل أحمد المنسى اعتلى سطح مبنى الكمين، وظل ممسكًا بسلاحه الرشاش يدافع عن جنوده، حتى نال الشهادة التي تمناها، ليتحول فى نظر المصريين إلى أيقونة للبطولة والفداء.

المنسى المولود فى مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية بعد 5 أعوام فقط من نصر أكتوبر المجيد 1973، تخرج فى الكلية الحربية وسط الدفعة 92، والتحق بقوات الصاعقة وتحديدا وحدة الـ 999، قبل أن يصبح قائدًا للكتيبة 103 صاعقة ومقرها العريش عاصمة شمال سيناء.

ملحمة المنسى ورفاقه أصبحت درسًا للأجيال تتضمنها مناهج التعليم العسكرى، كما خلدتها أعمال فنية منها مسلسل الاختيار.  أيضًا وكما ترك لنا المنسى ذكرى لا تنسى، ترك لنا ابنه الأكبر حمزة وابنه على وابنته علياء، وزوجته التي قالت فى أحد البرامج التلفيزيونية «أزواجنا أبطال، هما اختاروا وليس علينا إلا تقبل قضاء الله».

هكذا ورغم مرور السنوات، تبقى ذكرى المنسى ورفاقه، وأيضًا ذكرى كل شهداء قواتنا المسلحة الباسلة والشرطة المصرية، أيقونات مضيئة فى ذاكرة الوطن.

 

 

 

الأسطورة

«توأم الروح الذي لم أفارقه أيام طفولتنا، نذهب إلى المدرسة سويًا، نلعب ونلهو ونمرح، لكن بعد المرحلة الثانوية كل منا شق طريقه فى الحياة»، بتلك الكلمات بدأ المهندس محمد صابر المنسى، حديثه عن شقيقه الشهيد العقيد أحمد المنسى، مضيفًا أن أمهما كانت حريصة على أن يكون الحب هو الرابط بين الأشقاء، خاصة أنها هى من تولت تربيتهم بعد رحيل الأب، الذي كان حريصًا على تحفيظهم القرآن الكريم.

المهندس محمد، قال : «الشهيد أحمد ولد فى 4 أكتوبر عام 1978،  بقرية بنى قريش بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، وكان متفوقًا فى دراسته ويعشق القراءة وكتابة الشعر والأدب، فقد كان مرهف الحس يحنو على الصغير والكبير،  فبعد تخرجه فى الثانوية العامة، أصر على الالتحاق بالكلية الحربية، ليكمل حلمه  بأن يكون درعَا واقيا لها حاميا لترابها، والتحقت أنا بكلية الهندسة، فضلاً عن أخى أحمد كان مرتبطا بشقيقنا الأصغر «رضا»، ويصفه بابنه البكري».

أخو الشهيد المنسى أضاف: «سعيد بكون أحمد أصبح أيقونة وقدوة للشباب فهو أحد الأبطال الذين قدموا تضحيات كبيرة فى سبيل الوطن، إذ كان قائدًا للكتيبة 103 صاعقة فى سيناء، وقاد العديد من العمليات الناجحة ضد الإرهاب، حتى استشهد فى كمين البرث فى 7 يوليو 2017، أثناء محاولة إرهابيين استهداف قوات الجيش فى شمال سيناء».

وعن علاقة الشهيد  بزملائه، قال: «كان «المنسى» قائدًا محبوبًا من قبل جنوده، وقد عُرف بعلاقته القوية بهم، وكان يُعتبر أبًا ومعلمًا لجنوده، ودائمًا ما يُظهر لهم الحب والاحترام، فكثير من الجنود الذين خدموا تحت قيادته تحدثوا عن شجاعته وقيادته الحكيمة، ويذكرون كيف كان دائمًا ما يُشجعهم ويُحفزهم على أداء واجبهم، بالإضافة إلى أنه كان معروفًا بتواضعه واهتمامه بجنوده،  الجنود الذين عرفوه يتحدثون عن حزنه الشديد عند فقد أى منهم، وكيف كان دائمًا ما يُعطيهم الدعم والتشجيع، فكان معروفًا بشجاعته، وقائدًا عسكريًا محترفًا، وقد قاد العديد من العمليات الناجحة ضد الإرهاب فى سيناء، وقد حظى باحترام وتقدير زملائه وقياداته».

وعن تكريم الدولة للشهيد، أضاف: «بعد استشهاده، تم إطلاق اسمه على العديد من المدارس والشوارع والميادين فى مصر، تكريمًا لذكراه وتخليدًا لبطولته، كما تم إنتاج عمل فنى يحكى سيرته بعنوان «الاختيار»، مضيفًا أن يوم استشهاده كان من أصعب اللحظات، لكننا صبرنا واحتسبناه عند الله من الشهداء».

 

 

البطل

«طيب القلب.. واصل للأرحام.. بشوش الوجه، يتميز بالذكاء الفطرى ولماح، وكان متفوقًا فى دراسته، وترتيبه من الأوائل دائمًا»، هكذا بدأت المربية الفاضلة هدى محمد عزالدين، حديثها عن ابنها الشهيد أحمد عمر الشبراوى، الذي ضحى بدمائه فداءً للوطن.

وتستكمل حديثها والدموع تنهمر من عينيها: «أحمد هو الابن الأصغر، وقد كان مدللًا، ورغم ذلك كان ملتزمًا بدراسته، وكان منذ طفولته يتمنى أن يصبح ضابطًا، وهويته اللعب بالمسدسات، وأخته الكبرى «أميرة» حاصلة على ليسانس آداب اجتماع، أما أخوه الأوسط «محمد» فيعمل محاسبًا بالجهاز المركزى للمحاسبات».

أم الشهيد، استطردت: «كنا عائلة مترابطة نتسم بالالتزام، فقد كنت مديرة لمدرسة أحمد عرابى بالشرقية، وكان القائد لهذه العائلة عمر الشبراوى، الذي كان يشغل منصب وكيل أول وزارة بالجهاز المركزى للمحاسبات».

وعن التحاق نجلها بالقوات المسلحة، سردت الأم، قائلة: «بعد أن أنهى المرحلة الثانوية، وكان من الأوائل أصر على تقديم أوراقه لكليتى الحربية والشرطة، وبالفعل تم قبوله فيهما، لكن نتيجة «الحربية» ظهرت أولًا، فقلت له الخيرة فيما اختاره الله، وبالفعل أكمل دراسته بها وتخرج عام 2007 من الدفعة 101، والتحق بالصاعقة وظل يعمل برفح حتى عام 2010، وكان مسرورًا للغاية بتحقيق حلمه.

وتقول «الأم الثكلى»: «إنها لا تنسى يوم استشهاد القائد حسانين، إذ كان ابنها فى إجازة، وعندما علم بالخبر بكى بكاءً شديدًا ورجع على الفور للكتيبة، ثم تم إسناد الكتيبة للشهيد أحمد المنسى، وكانت علاقته وطيدة بنجلى الذي شغل منصب رئيس العمليات للكتيبة».

 

وتتذكر الأم الإجازة الأخيرة للشهيد، التي كانت في العيد، واجتمعت الأسرة كلها فى جو عائلى يسوده الحب، وأعطى الجميع عيديات، وعندما طلبت منه عيديتى، فرد قائلًا: «يا أمى عديتى إنى جيت فحضنته حضنًا يشق الصدر، وقلت له أنت أغلى هدية، وكان فى هذه الإجازة فرحان للغاية فقد حضر حفل تخرج ابنه من رياض الأطفال، وكانت زوجته فى ذلك الوقت حاملًا فى الشهر السادس، وذهب معها للطبيب ليعرف نوعية الجنين، وعندما علم أنها بنت طار من الفرح وكاد قلبه يرقص، فهو يعشق البنات وقرر تسميتها تالين على اسم بنت القائد رامى حسانين من كثرة حبه له وسافر ابنى بعدها لعمله بشمال سيناء، وانتقل مرة ثانية للعمل فى رفح حتى استشهاده يوم 7 يوليو 2017».

وعن يوم الحادث، قالت: «كان يوم جمعة وكنا نتابع شعائر الصلاة عبر التلفاز وفجأة ظهر على الشريط حدوث هجوم وتشابك وإصابات ووفيات، حاولت الاتصال بابنى وجدت هناك عطلا فى شاشة التليفون، ولم أتوصل له والجميع حولى علم بالخبر ولم يستطيعوا إبلاغى، لكن قلبى كان منقبضًا للغاية، وتأكدت من الخبر قرب المغرب فاحتسبته عند الله شهيدًا». وفى ختام حديثها، وجهت أم الشهيد، رسالة حب للرئيس عبدالفتاح السيسى، قائلة: «ربنا  معاك ويقويك ويعينك على الأعداء، فنحن لا نريد إلا الخير لمصرنا، فقد فقدنا أعز ما نملك  فلذات أكبادنا وقرة أعيننا لكى ينعم الجميع بالأمن والأمان»، وطالبت الشباب بأن يبنوا ويعمروا وطنهم، فهناك دماء دفعت من أجل تحقيق الاستقرار.

 

 

 

الشجاع

على أرض سيناء كتب الأبطال بدمائهم قصة وطن، وكيف حموا الأرض والعرض وقدموا أرواحهم فداءً لمصر، الجندى على على الذي اختار طريق الشهادة ليسجل اسمه بحروف من نور فى سجلات التضحية والفداء، ليتردد اسمه فى الأناشيد الحماسية كأحد الرجال الذين عاهدوا الله ألا يمس تراب سيناء خائنًا أو محتلًا، ويؤكد أن أرض الفيروز مقدسة وجزء لا يتجزأ من هذا الوطن.

النقيب أحمد فايد، أحد أبطال وحدات الصاعقة بشمال سيناء، كان حاضرًا فى المعركة، وروى أمام السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال إحدى الاحتفالات، كيف لم يتردد البطل «على الطوخى» ثانية واحدة، عندما شاهد إرهابيا ممسكًا فى يده «رشاش متعدد»، ويستعد لتصفية زملائه فى إحدى كتائب الصاعقة «البرث»، وقاتل بشجاعة واستشهد بـ30 طلقة فى ظهره.

والد الشهيد حسن الطوخى، الذي استرسل فى الحديث عن الشهيد، قائلًا: «كنت أعمل مديرًا للجودة فى شركة سيراميكا كليوباترا، ورزقنى بثلاثة من الأبناء «على وحسام وسحر»، ولد «على» فى عرب جهينة شبين القناطر القليوبية، وحصل على دبلوم صنايع عام 2015، كما التحق بالخدمة العسكرية دخل مدرسة الصاعقة فى إنشاص، وقبل انتهاء مدته بـ6 أشهر طلب بإرادته أن يستكمل باقى مدته فى سيناء، وعمل مع القائد أحمد المنسى.

«الطوخى»، أضاف: «أتذكر آخر إجازة له فى العيد، التي سلم فيها كارنيه خدمته العسكرية، حيث كانت ستنتهى مدته بعد أيام وبالفعل سافر، كنت قلقًا للغاية عليه وأمه كانت تشعر بأن ابنها سيصيبه مكروه، وقام بضمها وكأنه يودعها، فقالت له «أنت بتودعنى ولا إيه يا على، فرد عليها «إدعى لى يا أمى»، فقالت له: «ربنا يكفيك شر أرضك وشر الإرهاب ويعينك على عدوك». يقول والد الشهيد البطل: «لا ينال الشهادة إلا من أعزه الله، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، ويكفينى شرفًا أن ابنى، رغم كونه مجندًا إلا أنه سطر بطولة لآخر لحظة فى عمره».

 

 

 

 

العريس

«كان يتسم بالصفات الحميدة، فهو هادئ الطبع.. متفوق فى دراسته.. محب لأهل بيته.. وشجاع «ابن موت»، وأول فرحتى ويمثل القلب والروح»، هكذا وصفت الحاجة كوثر محمد، أم الملازم أول الشهید أحمد محمد محمود حسنين «ابن مدينة الباجور»، من مواليد قرية الخضرة، مركز الباجور فى المنوفية. 

وسردت «كوثر»: « تمنى منذ صغره، بأن يصبح ضابطًا، ورغم حصوله على أعلى الدرجات فى الثانوية العامة، والتحقه بكلية الهندسة، تقدم للكلية الحربية، ورفض للمرة الأولى، وعندما تقدم للمرة الثانية تم قبوله فى 24/11/2013، وكان من العشر الأوائل بالدفعة 110، وأثناء تخرجه طلب من القائد أن يتم إلحاقه بسلاح الصاعقة والذهاب لسيناء، لأنه يريد أن يثأر لصديقه أحمد خالد زهران، الذي كان يسبقه فى الكلية بعام واستشهد بأرض الأبطال». 

وبالفعل استجيب لطلب نجلى، فعمل بمطار العريش، ولم أكن أعلم أنه يعمل هناك إلا عندما استشهد القائد رامى حسانين، لافته إلى أن ابنها كان بارعًا فى اللغة العبرية، ويتم الاعتماد عليه فى كثير من الأحيان، رغم أنه حديث التخرج، وعقب التحاق القائد أحمد منسى، بالكتيبة خلفًا للقائد «حسانين»، كانت علاقته به طيبة ويعامله مثل ابنه حمزة». 

وعن اللحظات الأخيرة بنجلها، سردت «الأم» تفاصيل الإجازة التي كانت فى منتصف رمضان، إذ كان لا ينام طوال الراحة، وعندما سألته قال: «هنام بعد كده كتير يا أمى، وأنا عاملك مفاجأة وأخدنى لمحل الذهب وأشترى غويشة وخاتم لى»، فقلت له: «نشترى شبكتك الأول، فرد «أنت أهم»، وكان فى تلك الأثناء مرتبط بفاتحة، ومن المقرر أن يتم إعلان الخطبة بعد العيد.

وعن وقت استشهاده، قالت: «قبل استشهاد ابنى بفترة كنت أحلم بأحلام كثيرة أن المنزل ممتلئ بالناس وزحمة ولا أعلم سببها، وكنت أصبر نفسى أكيد زحمة فرح ابنى، كما حلمت بتطاير الذباب الذي يطير حول المقابر، يحوم بمنزلنا وكنت أتعجب من أين يأتى»، متابعة: «كان نفسى أفرح به وأشوفه عريس فقد استشهد قبل خطبته بـ4 أيام وعندما رأيته فى النعش ملفوفًا بعلم مصر أطلقت الزغاريد».

وحول لحظات الفراق، تتذكر «الأم» الإجازة الأخيرة لنجلها بعد العيد، عندما احتضنها حضنًا مليئًا بالدفء، وأوصانى كثيرًا على نفسى، وعلى أبيه وأخيه الأصغر محمود، قائلًا: «يا ماما خايفة ليه أنا رايح مكان مافيش زيه»، وقبل استشهاده بساعات «يوم الخميس» ظل يحكى معى كثيرًا طوال الليل، وأنه قام بعمل طعام فراخ مشوية للضباط والعساكر وظل يضحك ضحكًا كثيرًا من القلب كأنه أراد أن أشبع من ضحكته وصوته الذي لا ينسى».