ديارنا ..صناع التراث القديم يعيدون الحياة للصناعات اليدوية المنسية
حراس الحرفة

عبد الوكيل أبوالقاسم
فى قلب الساحل الشمالى، ورغم حر يوليو يتمسك صُنّاع التراث القديم ـ حُرّاس الحِرفة ـ من العارضين والعارضات المشاركين فى معرض «ديارنا» بإعادة الحياة للحِرف اليدوية المنسية، يجمعون بين عبق التراث وروح الحداثة، يقدمون تجربة تسوق فريدة تجمع منتجات الحرف اليدوية والفنون التراثية من مختلف ربوع مصر، من السجاد والكليم، إلى الكروشيه والمكرمية، مرورًا بالإكسسوارات المنزلية والملابس والخزف والمفروشات.
يفتح المعرض أبوابه ليعرض إبداعات أصحاب المشروعات من الجمعيات والأسر المنتجة، فى تناغم جميل يعكس تنوع الثقافة المصرية، وذلك بمشاركة عدد من المحافظات منها أسوان وسوهاج وشمال سيناء والقاهرة، إلى جانب مؤسسات وجمعيات أهلية، مثل/ جمعية الهلال الأحمر المصري، وممثلى الأشخاص ذوى الإعاقة، ليقدموا منتجات تلائم موسم الصيف واحتياجات المصطافين، خاصة الشباب الباحث عن الذوق المميز والبصمة الأصيلة.
المعرض، افتتحه الدكتورة مايا مرسى، وزيرة التضامن الاجتماعى، واللواء خالد شعيب، محافظ مطروح، الخميس الماضى، ويقام تحت شعار «مصر بتتكلم حرفى» فى منطقة مارينا ٥ بالساحل الشمالى، ويستمر حتى 10 سبتمبر المقبل، وذلك بالشراكة مع بنك الإسكندرية وبنك ناصر الاجتماعي.
المعرض هذا العام يشهد مشاركة أكثر من 500 عارض وعارضة طول فترة المعرض بمنتجات متنوعة من السجاد والكليم والإكسسوار والزجاج والخوص والمفروشات والكروشيه والمكرمية والملابس والخزف والإكسسوار المنزلى من الأخشاب والنحاس والفضة والألباستر والمنتجات الحرفية واليدوية والتراثية الخاصة بأصحاب المشروعات من الجمعيات والأسر المنتجة.
كما يضم الكثير من المنتجات التي تتلاءم مع موسم الصيف واحتياجات المصطافين والمنتجات الشبابية، بمشاركة عدد من المحافظات، منها: «أسوان ـ الإسكندرية ـ القاهرة ـ سوهاج ـ الفيوم ـ شمال وجنوب سيناء ـ قنا»، وعدد من المؤسسات والجمعيات الأهلية ممثلة فى جمعية الهلال الأحمر المصري، بالإضافة إلى ممثلى الأشخاص ذوى الإعاقة.
وكانا وزيرة التضامن الاجتماعى، ومحافظ مطروح، حرصًا على تفقد أروقة المعرض، والاطلاع على منتجات العارضين والعارضات، مشيدان بالمستوى المتميز للمنتجات المعروضة التي تمثل التراث المصري الأصيل، وسط تأكيدات أن معرض «ديارنا» للحرف اليدوية والتراثية يعد منفذًا تسويقيًا يضم العديد من المنتجات المتميزة للأسر المنتجة، ويهدف إلى تمكين المبدعين من اقتحام أسواق جديدة وتحقيق فرص مبيعات مباشرة، خاصة أن هناك تعاونًا مع جميع المؤسسات فى الدولة للمشاركة فى فعاليات المعرض.
بنك ناصر الاجتماعى «راعٍ رسمي»
يشارك بنك ناصر الاجتماعى، كراعى لمعرض «ديارنا» للحرف اليدوية والتراثية، وذلك فى إطار جهود البنك المستمرة لدعم الحرف اليدوية والتمكين الاقتصادى وتماشيًا مع سياسته فى تقديم وعرض خدماته التمويلية ومنتجاته المالية والمصرفية على العديد من شرائح العملاء، خاصة أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وبحسب تأكيدات وزيرة التضامن الاجتماعى رئيسة مجلس إدارة البنك، فإن هذه الرعاية تأتى فى سياق التزام بنك ناصر الاجتماعى برسالته المجتمعية فى تعزيز الشمول المالى من خلال توفير منصات حقيقية لتسويق منتجات المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والتوسع فى هذه المشروعات ورفع مستوى المعيشة للمواطنين وتوفير حياة كريمة لجميع فئات المجتمع بهدف دفع مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
ويتحمل البنك قيمة مشاركة مستفيدات تمويل «مستورة» داخل المعرض وتوفير أماكن إقامة، وإتاحة المزيد من التسهيلات الخاصة بإجراءات المنح والمتابعة والضمانات المطلوبة، إلى جانب التعاون مع الجهات الشريكة لتدريب المستفيدات على تطوير منتجاتهم وطرق التسويق لضمان استمرار هذه المشروعات ونجاحها وتشجيع المرأة على العمل الحر وريادة الأعمال وتشجيعها على الانضمام للقطاع الرسمي.
وتأتى رعاية بنك ناصر الاجتماعى لهذا المعرض، فى إطار المشاركة الفعالة للبنك فى تنفيذ استراتيجية الدولة فى دعم وتشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لما تراه من أهمية بالغة لتأثير المشروعات على الاقتصاد القومى، فضلًا عن أن البنك يقدم بجانب الرعاية عددًا من منتجات المستفيدين من تمويلات البنك المختلفة مثل تمويل «مستورة» و«فاتحة خير».
يذكر أن البنك نجح فى تمويل أكثر من 31 ألف مشروع للمستفيدات من تمويل «مستورة» بإجمالى نحو 764 مليون جنيه منذ بدء النشاط، حيث إن تمويل «مستورة» يمنح بحد أدنى 4 آلاف جنيه، وبحد أقصى 50 ألف جنيه ويسدد على أقساط شهرية لمده تصل إلى 24 شهرًا، شرط أن يتراوح عمر المستفيدة ما بين 21 و60 عامًا ويعتبر هذا التمويل من أنجح المبادرات التي يقدمها البنك للمرأة.
ويستمر البنك فى تقديم منتج «فاتحة خير»، الذي يستهدف المستفيدين من الجنسين الرجال والسيدات معًا من سن 21 حتى 60 عامًا، ويبلغ الحد الأقصى للتمويل 300 ألف جنيه يتم سدادها على أقساط شهرية، وتتراوح مدة السداد من سنة وبحد أقصى سنتين بعائد متميز وإجراءات ميسرة، حيث نجح البنك إلى الآن فى تقديم تمويلات بقيمة تصل نحو 76 مليون جنيه.
الهلال الأحمر المصري.. مشاركة وخدمات تطوعية
يقدم الهلال الأحمر المصري، عددًا من الخدمات على مدار أيام المعرض، بمشاركة عشرات المتطوعين، تتضمن فرق الاستجابة أثناء الطوارئ لتقديم خدمات الإسعافات الأولية للحالات الطارئة ومعاونة كبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة من الزائرين، وفرق إدارة الشباب وتنمية التطوع للتعريف بالهلال الأحمر وطرق وآليات التطوع.
وفى إطار جهود الهلال الأحمر المصري لدعم الأسر المنتجة، تشارك فرق المعارض وتنمية الموارد المختصة بتسويق منتجات الحرف اليدوية، التي تنتجها أندية المرأة بمقرات الهلال الأحمر، وتتضمن معروضات الأسر المنتجة المشاركة فى ديارنا - مصر بتكلم حرفى، منتجات خيامية من إنتاج أندية المرأة التابعة للهلال الأحمر المصري، والمصنوعة بأيدى سيدات من الأسر المنتجة ومتدربات مقرات الهلال الأحمر المصري.
أيضًا، هناك منتجات حرف يدوية مصنوعة من الجلود، والسجاد اليدوى، وأعمال الكروشيه، من إنتاج المشاغل الخاصة بالمرأة المعيلة، ناهيك عن أن فرق الهلال الأحمر المصري المشاركة فى المعرض تقوم بنشر ثقافة التطوع ومساعدة الراغبين فى التطوع لدعم جهود وخدمات الجمعية، وذلك فى إطار الجهود الإنسانية المبذولة.
يشار إلى أن معرض «ديارنا» يعد من أقدم وأعرق المعارض فى دعم مجال الحرف اليدوية والحفاظ على الفنون التراثية من الاندثار، ويمكّن العارضين من جميع أنحاء الجمهورية من الترويج لحرفهم اليدوية الأصيلة، ما يسهم فى إيجاد فرص بيع مباشرة، ويستمر المعرض فى دعمه لمهارات الحرفيين من ذوى الإعاقة من خلال تخصيص مساحات عرض من منظمات غير حكومية ومؤسسات اجتماعية مع عرض قصص نجاح العديد منهم.
«النحاس»
«أحمد».. صانع التحف الذي تعلّم الحرفة من ابنه
بين أجنحة معرض «ديارنا» بالساحل الشمالي، التي تمتزج فيها نسائم البحر بعبق التراث، يجلس أحمد عبدالسميع، ممسكًا بأدواته، منهمكًا فى تشكيل قطعة نحاسية تلمع تحت ضوء الشمس، وكأنها تحكى قصة زمن مضى، فهو ابن حى الجمالية العتيق بالقاهرة، الذي لم يرث المهنة عن والده أو جده كما هو معتاد، بل تعلّمها من ابنه الصغير، الذي كان أول من عشق هذه الحرفة فى العائلة.
يقول الحاج أحمد، 53 عامًا: «ابنى كان فى المدرسة، وكان بيروح يتفرج على صنايعية النحاس فى الجمالية، وبقى يحاول ويشتغل ويحب المهنة، وأنا اتشدّيت ليها من خلاله، وبدأت أتعلم منه، وسبحان الله اتعلّمت على إيد ابني، وهو كمان بقى يعلّم غيره».
من شغف الابن إلى إبداع الأب
وفى ركنه الصغير داخل المعرض، يعرض أحمد مجموعة متنوعة من القطع النحاسية أطباقًا مزخرفة، ولوحات فنية، وتحفًا منزلية، ومعلّقات تنبض بجمال الفن اليدوى الأصيل، وبابتسامة هادئة يؤكد أن هذه الصنعة لا يمكن نسيانها وأن من يعمل بها ويتقنها يحبها ولا يمكن أن يتركها كون كل قطعة فيها روح بالنسبة له، منوهًا إلى أن بعض التفاصيل الدقيقة يتم تنفيذها باستخدام تقنيات حديثة مثل الليزر، لكن الغالبية العظمى من العمل يتم يدويًا بالكامل، ما يجعل كل قطعة فريدة من نوعها ولا تُكرر.
تحف لعشاق التراث
وبالنسبة لأسعار المنتجات، يوضح أحمد أنها تبدأ من 350 جنيهًا للقطعة، وقد تصل إلى 2000 جنيه للقطع الأكبر والأكثر تفصيلًا، خاصة أن جمهور هذه المنتجات ليس عاديًا، بل هم من عشاق الحرف القديمة الذين لا يشغلهم السعر بقدر ما يبحثون عن التميز والهوية الفنية.
يرى عبدالسميع أن معرض «ديارنا» يمثل فرصة كبيرة للحرفيين، خاصة فى فصل الصيف، حيث يشهد إقبالًا من الزوار على المنتجات اليدوية، بل وفرصة ذهبية لتسويق منتجاتنا فى ظل أن هناك الكثير يعتقد أنه لم يعد أحد يعمل فى النحاس حتى الآن، فهى ليست مصدر رزق فحسب بل فنًا وتاريخًا وذكريات لن تعوّض.
«رائدة المشغولات»
«سالى».. تبدع فى منتجات خوص النخيل وخشب الزيتون
لم تكن سالى حسين، خريجة قسم المايكروبيولوجى بكلية العلوم، تعلم أن نقطة التحول فى حياتها ستبدأ من صحراء سيوة، لا من المختبرات، فقد قادها شغف الاكتشاف ورغبة الأم فى تعريف أبنائها ببلدهم، إلى أعماق واحة سيوة، حيث وجدت المعنى الحقيقى للجمال الطبيعى والبساطة المتجذرة فى التراث عندما ذهبت بهم إلى تلك الواحة التي كانت نقطة الانطلاق لمشروع جديد.
اليوم، تقف سالى، 47 عامًا، وسط أجنحة معرض «ديارنا» فى مارينا 5، حاملة عبق سيوة إلى زوار الساحل الشمالى، لتعرض منتجات بيئية فريدة الصنع، من صابون مصنوع من حليب الماعز ودبس البلح، إلى مشغولات يدوية من خوص النخيل وخشب الزيتون.
منتجات بروح الأرض
سالى تقدم منتجات طبيعية نقية، أبرزها الصابون المصنوع من حليب الماعز والفحم النباتى، الذي يتراوح سعره بين 60 و80 جنيهًا، بالإضافة إلى حقائب خوص منسوجة يدويًا، وأدوات من خشب الزيتون والسرسوع، وتقول: «أنا مش بس بوزع منتجات، أنا كمان بقترح أفكار جديدة بخصوص الخامات وتجربة الأشكال المختلفة».
وترى أن مشاركتها فى «ديارنا» ليست مقتصرة على عرض المنتجات فقط، بل هى فرصة لإحياء الحرف البيئية وتعريف جمهور جديد بثقافة سيوة، بعيدًا عن النمط التجاري، مختتمة: «أنا بشتغل عشان أشجع الستات فى سيوة، وبحلم إن كل مصري يعرف قد إيه منتجات الواحة مميزة وطبيعية وفيها ريحة الأرض».
«المكافحة»
«شيماء».. تجسد تراث سيناء الأصيل
فى أحد أجنحة معرض «ديارنا»، تقف شيماء إبراهيم الفخراني، بابتسامتها الهادئة وطفلتيها إلى جوارها، وتحكى بفخر عن رحلتها من العريش إلى الساحل الشمالي، حاملة معها مشغولات سيناوية مطرزة بعناية، ومنتجات طبيعية من زيت الزيتون والبلح، وأعمال يدوية تجسد تراث سيناء الأصيل.
تدير شيماء ورشة فى العريش، تضم مجموعة من السيدات اللاتى يعملن من منازلهن، حيث يتشاركن فى نقش وتطريز العبايات والملابس، وتصنيع التحف والانتيكات التي تعكس هوية المكان، منوهة إلى أن منتجاتها ليست مجرد سلع، بل هى حكايات تعبّر عن جهود سيدات من البيوت قدمن لمسة من أرواحهن فى كل قطعة.
فرص حقيقية للتسويق
وتحرص على المشاركة السنوية فى معرض «ديارنا»، الذي تنظمه وزارة التضامن الاجتماعي، باعتباره فرصة حقيقية للتسويق وتعريف الزوار من المصطافين العرب والمصريين بمنتجاتهم، مؤكدة أن دعم الوزارة وإدارة المعرض يلعب دورًا كبيرًا فى وصول منتجاتهم إلى أسواق جديدة، خاصة مع ارتفاع الإقبال من الفئات التي تقدر الحرف اليدوية.
وعن الأسعار، فأوضحت شيماء أن العبايات المطرزة تبدأ من ٧٠٠ جنيه وتصل إلى ١٥٠٠ جنيه، بينما تتراوح أسعار المشغولات الجلدية والانتيكات من ١٠٠٠ جنيه فأكثر، وكل قطعة تحكى بصمت عن أيادٍ أتقنت وأبدعت.
«بطلة الفن التشكيلى»
«هبة».. أعمالها تجمع بين المدرسة الكلاسيكية واللمسة العصرية
«هبة فؤاد».. فنانة تشكيلية عارضة لوحات فنية، وهى خريجة كلية التربية النوعية قسم فنون جميلة، وشابة إسكندرانية بعينين تحملان شغفًا لا يخفت، وريشة لا تعرف سوى التعبير، فبين لوحاتها المتناثرة على الجدران، تقف شامخة وفى ملامحها تجارب وذكريات رسمتها الأيام، جاءت هبة إلى معرض «ديارنا» هذا العام لأول مرة، لكنها ليست غريبة عن عوالم الإبداع، فقد قطعت مشوارًا طويلًا بين المعارض والمسابقات، وحصدت خلالها جوائز وشهادات تقدير، لكنها ترى فى «ديارنا» تجربة مختلفة ومليئة بالتفاعل الإنسانى والجمالى مع جمهور متنوع.
«من وأنا صغيرة وأنا بحب الرسم، وأول اسكتش ليا لسه محتفظة بيه من وأنا فى ابتدائى».. بتلك الكلمات عادت هبة بذاكرتها الحديدية إلى الوراء، وهى تشير إلى إحدى لوحاتها التي تمزج بين المدرسة الكلاسيكية واللمسة الحرة العصرية، مؤكدة أنها لا ترى أن الألوان وحدها هى من تصنع العمل الفنى، بل الإحساس، وهو ما تحرص على ترجمته فى لوحاتها التي تتنوع بين الأكريلك، والزيت، وأعمال الجدران.