الأسباب الحقيقية وراء تراجع الدولار أمام الجنيه

هيثم يونس
تطورات لافتة وتحولات إيجابية تشهدها الساحة الاقتصادية، منذ بدء الدولار الأمريكى رحلة تراجع تدريجى أمام الجنيه المصري، وذلك بعد سنوات من الارتفاع المتواصل، الأمر الذى يطرح تساؤلات حيوية حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التراجع، وما إذا كان اتجاه مؤقت أم بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار النقدي.
يُجمع خبراء على أن التحول فى سعر الدولار أمام الجنيه ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لحزمة من الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية الجريئة التى تبنتها الدولة مؤخرًا، أبرزها تحسن ميزان المدفوعات بفضل ارتفاع تدفقات النقد الأجنبي، وعلى رأسها تحويلات المصريين بالخارج، وتعزيز الاحتياطى النقدى الأجنبى وتوفير العملة الصعبة عبر أدوات تمويل دولية واستثمارات مباشرة.
إلى جانب ذلك، تراجع الطلب على الدولار فى السوق المحلية مع تحسن الإنتاج المحلى وتقليل الواردات، علاوة على أن هناك قفزة غير مسبوقة شهدتها تحويلات المصريين بالخارج، التى بلغت نحو 32 مليار دولارًا خلال 11 شهرًا فقط، وهو رقم تاريخى يعكس ثقة المصريين فى استقرار الاقتصاد وتوجهاته المستقبلية.
تلك التحويلات ساهمت فى دعم رصيد الدولة من العملات الأجنبية، ما خفف من الضغوط على الدولار وأسهم فى تحرك الجنيه بشكل أكثر توازنًا فى سوق الصرف، ناهيك عن أن من الركائز الأساسية التى ساعدت فى تحسن سعر الجنيه، زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التى شهدت تحسنًا ملحوظًا، خاصة فى قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصناعة، إضافة إلى أن استراتيجية تعميق التصنيع المحلى قللت من فاتورة الواردات، وخفضت الحاجة إلى الدولار لشراء السلع الوسيطة والنهائية، ما انعكس على سوق العملة بشكل مباشر.
ووفقًا لمؤشر «بيغ ماك» الشهير الصادر عن مجلة «ذى إيكونوميست»، فإن الجنيه المصرى يُعد من أكثر العملات انخفاضًا عن قيمتها العادلة، حيث يُقدّر السعر المنطقى للدولار عند نحو 20.8 جنيه فقط، فى حين أن السعر الفعلى فى السوق يقترب من 49 جنيهًا.
هذا الفارق الكبير يعكس حقيقة واحدة، أن الجنيه المصرى مقوم بأقل من قيمته الحقيقية، ومع استمرار الإصلاحات وزيادة الإنتاج، فإن هناك فرصة حقيقية للجنيه لاستعادة جزء من هذه القيمة خلال الفترة المقبلة، علاوة على أن الإصلاحات النقدية، وضبط سعر الصرف، وتعزيز مناخ الاستثمار، وارتفاع إيرادات السياحة، كلها مؤشرات تؤكد أن رحلة التعافى بدأت.
الدكتور مجدى عبدالفتاح، الخبير الاقتصادى والمصرفي، أكد أنه لاشك فى زيادة العرض من النقد الأجنبى خلال موسم الصيف بشكل يفوق الطلب يعد السبب الرئيسى فى استمرار هبوط الدولار مقابل الجنيه، ودائمًا فترة الصيف فى يوليو وأغسطس وسبتمبر تتعاظم تدفقات النقد الأجنبى بمناسبة بدء موسم السياحة الخليجية، كذلك بدء إجازة المصريين العاملين بالخارج.
كما أن الواقع يشير إلى أن المعروض من الدولار يفوق حجم الطلب من المستثمرين الأجانب وتحويلات المصريين عامل أساسى فى ارتفاع الجنيه وهبوط الدولار، وتعد تحويلات المصريين العاملين ثانى أهم مصدر رسمى فى موارد النقد الأجنبى بعد حصيلة الصادرات ودخولها فى البنوك والصرافات يعزز من قوة الجنيه مقابل الدولار.
أيضًا، قفزت تحويلات المصـريين العاملين بالخارج 69.6% خلال أول 11 شهرًا من العام المالى 2024-2025 إلى 32.8 مليار دولار، وفق بيانات البنك، فضلًا عن دخول المستثمرين الأجانب للاستثمار فى أذون الخزانة المحلية يعد عامل أساسى فى تحسن الجنيه مقابل الدولار، إضافة إلى أن تدبير البنوك الدولار للأجانب وقت طلبهم لتخارج من استثماراتهم فى أذون الخزانة وتحويل أرباحهم وبعض مراكزهم خارج مصر ساهم فى تعزيز الثقة.
وبحسب الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، فإن حجم العملات الأجنبية التى دخلت مصر خلال الفترة الأخيرة سواء من خلال الاستثمار الأجنبى المباشر وإيرادات قطاع السياحة المنتعشة فى الوقت الراهن، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج وايرادات قطاع الصادرات، فى مقابل تراجع الواردات وتراجع الطلب على الدولار، إلى جانب تأثر سعر الدولار بالأزمات العالمية والبحث عن ملاذ آمن وهو الذهب كبديل للدولار، وتوحيد سعر الصرف، كان من أهم الأسباب لعودة رؤوس أموال العاملين بالخارج.
الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى فى جامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، قال: إن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج شهدت قفزة كبيرة وتاريخية غير مسبوقة، فقد ارتفعت بمعدل 69.6% لتصل إلى نحو 32.8 مليار دولار خلال 11 شهرًا فى الفترة من يوليو إلى مايو من العام المالى 2024/2025, مقابل نحو 19.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام السابق, متوقعًا أن تصل خلال العام المالى الجارى من يوليو 2024 حتى يونيو 2025 لأكثر من 35 مليار دولار لتحقق قفزة تاريخية.
ورصد غراب، أسباب زيادة تحويلات العاملين بالخارج، مؤكدًا أنها تتمثل فى نجاح السياسة النقدية التى اتبعها البنك المركزى منذ قرار تحرير سعر الصرف فى مارس 2024، موضحًا أن تحويلات المصريين بالخارج تمثل دعم قوى للاقتصاد المصرى لأنها ثانى أهم مورد من موارد النقد الأجنبى لمصر، وأن زيادتها ساهمت فى زيادة حجم الاحتياطى النقدى الأجنبى ليحقق نحو 48.7 مليار دولار بنهاية شهر يونيو 2025، فضلًا عن أن زيادة تحويلات العاملين بالخارج تسهم فى زيادة العملة الصعبة بالجهاز المصرفى المصري، ما يسهم فى زيادة قوة الجنيه وتراجع الدولار، وتوفير المواد الخام للصناعة المصرية يسهم أيضًا فى تراجع أسعار السلع بالأسواق وتراجع معدل التضخم وتحقيق استقرار مالى حقيقي.
وعن سياسة البنك المركزي، ثمّن غراب ما اتبعه البنك من سياسة نقدية ناجحة منذ قرار تحرير سعر الصرف فى مارس العام الماضي، التى كان لها أثر إيجابي كبير فى القضاء على السوق السوداء بلا رجعة، لأنه أصبح هناك سعر موحد للعملة الأجنبية بالأسواق، ما أدى لاستقرار سعر الصرف بالبنوك خلال هذه الفترة، التى بلغت 16 شهرًا حتى اليوم، حيث تراوح سعر صرف الدولار ما بين 47 حتى 51 جنيها, الأمر الذى ساهم فى زيادة تحويلات المصريين بالخارج وزيادة ثقتهم فى الاقتصاد الوطني، من أجل استفادة المصريين بالخارج من سعر الفائدة المرتفع بالبنوك، إضافة إلى مبادرة طرح أراضى وعقارات بالعملة الأجنبية للمصريين بالخارج، منوهًا إلى أنه مع استمرار تقديم المزيد من المحفزات لهم ستتضاعف حصيلة التحويلات خلال الفترة المقبلة، خاصة مع استمرار تراجع سعر صرف الدولار فى البنوك.
وتابع غراب: تحويلات المصريين بالخارج أهم ثانى مصدر من مصادر دخل مصر من العملة الصعبة بعد الصادرات متفوقة على السياحة وقناة السويس، مشيرًا إلى أن لها دورًا كبيرًا فى زيادة احتياطى مصر من العملة الصعبة والاستقرار الاقتصادى وتعويض العجز التجارى للبلاد، موضحًا أنها ساهمت فى زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى الذى بلغ نحو 48.7 مليار دولار فى يونيو الماضي، فضلًا عن أن إيرادات مصر الدولارية فى تزايد خلال العام الجاري، فقد بلغت إيرادات السياحة 8.7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجارى مقابل نحو 7.8 مليار دولار، كما سجل الاستثمار الأجنبى المباشر صافى تدفقات داخلة بنحو 6 مليارات دولار من 5.5 مليار دولار فى العام السابق، وأن تسهيل التحويلات المالية للمصريين بالخارج عبر تطبيق «إنستا باي» فى بعض الدول، إضافة إلى قرار البنك المركزى بإصدار التراخيص لعدد من البنوك المصرية لتفعيل خدمة استقبال الحوالات المالية من الخارج وإضافتها فورًا إلى حسابات العملاء عبر شبكة المدفوعات اللحظية، ساهم فى زيادة تحويلات العاملين بالخارج.