هكذا رأى عمالقة الأدب والفكر «الإخوان»

مصطفى أمين
لم تكن مواجهة جماعة الإخوان الإرهابية قاصرة على الأجهزة الأمنية أو قرارات الدولة، بل خاضها أيضًا كبار المفكرين والمثقفين فى مصر، ممن امتلكوا البصيرة والرؤية النقدية الكاشفة لجوهر هذا التنظيم منذ نشأته.
بعقولهم الحرة وأقلامهم الشجاعة، استطاعوا تعرية مشروع الجماعة، وكشف زيف خطابها الدينى الذى طالما استخدم ستارًا لتحقيق أهداف سياسية محضة، لا تمتّ للإسلام بصلة.
«ليسوا إخوةً وليسوا مسلمين»، و«جماعة الإسلام منها براء»، و«رجعيون يحلمون بالعودة إلى الماضى»، و«لا يؤمنون بالديمقراطية إلا كوسيلة للوصول إلى الحكم»، و«لا يقدمون مشروعًا ثقافيًا بل مشروع سيطرة»- بتلك الجمل البليغة شخّص المفكرون المصريون جماعة الإخوان الإرهابية، فقد «أبصروا» فيها، بعيون وعقول المبدعين، الخطر الداهم على مدنية الدولة وحرية الدين.
عباس العقاد
المفكر الكبير عباس محمود العقاد كان له موقف واضح ضد الجماعة الإرهابية، حيث اعتبرها تهديدًا سياسيًا ودينيًا، وكتب العديد من المقالات ضدها، منها مقال شهير فى مجلة «روزاليوسف» عام 1949 بعنوان «الإخوان ليسوا إخوةً وليسوا مسلمين»، وقال فيه: «ليس فيهم أخوّة، لأنهم لا يحبون أحدًا، وليسوا مسلمين لأنهم يحولون الإسلام إلى وسيلة للوصول إلى الحكم»، ووصف مرشد الإخوان حسن البنا بأنه «داعية فتنة».
وفى مقاله الذى جاء تحت عنوان «الفتنة الإسرائيلية» بصحيفة الأساس فى 2 يناير 1949م، كتب عبارته الافتتاحية الشهيرة: «الفتنة التى ابتُليت بها مصر على يد العصابة التى كانت تُسمّى نفسها بالإخوان المسلمين، هى أقرب الفتن فى نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس، وهذه المشابهة فى التنظيم هى التى توحى إلى الذهن: لمصلحة مَن تُثار الفتن فى مصر وهى تحارب الصهيونيين؟!».
وعن أصل مؤسس الجماعة حسن البنا، قال العقاد: «ويزداد تأمّلنا عندما نرجع إلى الرجل الذى أنشأ تلك الجماعة، ونسأل: مَن هو جده؟.. كما يُقال عنه إنه من المغرب، وإنّ والده كان ساعاتى. والمعروف أن اليهود فى المغرب كثيرون، وأن مهن إصلاح الساعات من صناعاتهم المألوفة.. نظرة إلى ملامح الرجل تعيد النظر طويلًا».
أما عن التشابه مع الحركات الإسرائيلية، فقد اعتبر «أن دعوات الإخوان إسرائيلية هدامة، واتفاق مكتوب فى تلك الخطة بين الحركات الإسرائيلية وأعمال هذه الجماعة التى تعتمد على النهج الذى اتبعه دخلاء اليهود والمجوس لإفساد الدولة الإسلامية من داخلها».
وحذّر من خطر الجماعة الإرهابية، قائلًا: «فأمة مصرية مشغولة بفتنة هنا وجريمة هناك.. تقوم هذه العناصر المفسدة بالتحريض والتهييج وتزويدها بالذخيرة والسلاح. أهذه هى محاربة الصهيونية أم قلب عين؟!»
نجيب محفوظ
أديب نوبل نجيب محفوظ عارض استخدام الدين للتحريض أو تبرير العنف، وكان يرى أن الإخوان لا يقدمون مشروعًا ثقافيًا، بل مشروع سيطرة؛ حيث قال فى مقال له تحت عنوان «فى مواجهة أعداء الحياة»: «كرهت، منذ بداية الوعى السياسى المبكر، جماعتى مصر الفتاة والإخوان المسلمين.. حتى إن بعض الوفديين انضموا إليها.. لكن عندما أصبحت جماعة سياسية لها أهداف غير معلنة، فالمحصلة: الوصول إلى الحكم وإقامة الخلافة.. والفساد هو الأب الشرعى لقوتهم.. فهم يستولون على الجامعات والنقابات»، وأضاف: «إنهم يرون الأدب رجسًا.. وأحيانًا يصادرون كتبنا، ومنها مؤلفات طه حسين وكتب غيرنا».
ونُقل عنه، عبر يوسف القعيد، بأنه كان يرى الإخوان جماعة انتهازية وفاشية، ورفض الربط بين الدين والسياسة انسجامًا مع مبادئ ثورة 1919، ولم يكن ليوافق على حكمهم إطلاقًا لو عاش أكثر، كما أنه رفض لقاء حسن البنا رغم إلحاحه، لأنه كان يعتبر الجماعة ساعية لخطف السلطة ومتطرفة الفكر والرؤية.
وبعد فوزهم بمقاعد البرلمان، قال محفوظ: إنه يفضّل أن يمثل الإخوان طريقًا سياسيًا واضحًا داخل البرلمان بدل نشاطهم السرى الذى يعزز تطرفهم، وأنه أخلاقيًا وفكريًا يرفض فكرة الدولة الدينية.
طه حسين
أما عميد الأدب العربى طه حسين فوثّق مواقفه تجاه جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى كتاب «هؤلاء هم الإخوان»، الصادر فى عام 1954م، حيث اعتبرهم من زمن الخوارج، قائلًا: «أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية.. من زمن الخوارج، وامتداد من نيران الحروب التى يشعلها المحتلون.. يخالفون الطبيعة الوديعة للمصريين، ويعملون على نشر القتل بينهم، وأن حياة المصريين إنما رُخّصت على المصريين بأمر الإسلام، الذى لم يُحرّم شيئًا كما حرّم القتل.. فلم يرغب فى شيء كما رغب فى العدل والإحسان».
العميد وصفهم بالوباء الذى يجب طرده من المجتمع، قائلًا: «الخير كل الخير أن نطبّ لهذا الوباء كما نطبّ للأوبئة التى تجتاح الشعوب.. متى نتعلم الطب لهذا الوباء الذى يجتاح النفوس والعقول ويملأ الأرض فسادًا»، مشخّصًا الفكر الإخوانى كعدوى خارجية، قائلًا: «ولم يأتِ هذا الشر من طبيعة المصريين، لأنهم فيهم خير، ولا من طبيعة الإسلام، لأنه أسمح.. بل هو شر عدوى محيطة، ناشئة من الفساد الظالم فى العالم».
وهو ما يعنى أنه اعتبر أن المشروع الإخوانى امتداد للفتنة والعنف التاريخى، وأن حياة المصريين أصبحت مذلة بسبب خطابهم، وأنهم عدوى لا تنتمى لطبيعة الشعب أو الدين، وأيديولوجيًا سياسية خطيرة تنتج عن استغلال الدين للوصول إلى السلطة.
توفيق الحكيم
أيضًا الكاتب الكبير توفيق الحكيم، ألّف قصة قصيرة حملت عنوان «دمى من دمكم»، وقد كانت رمزية نقدًا لجماعات مثل الإخوان، مؤكدًا فى أهم أعماله مثل عودة الوعى أن الجماعة تسعى لهيمنة فكرية تؤدى إلى التطرف العقائدى، وتضحى بالخصوصيات الفردية لتحقيق أهداف جماعية قائمة على السيطرة الدينية السياسية.
وهو نقد أدبى مباشر للفكر الإخوانى وسياساته العقائدية عبر الرواية التى حذّر فيها من التطرف العقائدى والتعبئة الجماعية دون نقاش حقيقى، وتحويل الدين إلى وسيلة لإقصاء المختلف، أو فرض نوع معين من الانضباط الفكرى عبر خطاب دينى شبه موحد.
فرج فودة
ودفع المفكر فرج فودة حياته ثمنًا لمواقفه من الجماعة الإرهابية، ففى كتابه (الإرهاب) الصادر عام 1987م، ربط فودة الإرهاب ببدايات الجماعة، قائلًا: «الإرهاب السياسى الدينى قد بدأ فى مصر مع نشأة الإخوان المسلمين عام 1928، وكانت البيعة تتم على المصحف والمسدس»- التنظيم السرى- وكان يرى أن الإخوان أدخلوا نموذج الإرهاب كأداة ضمن العمل السياسى من بداياتهم، واستشهد باعترافات قيادات بينهم، مفككًا خطابهم بالادعاءات الشرعية باستخدام المنطق والأدلة، وأن الشائعات المدروسة التى كانوا ينشرونها جزء لا يتجزأ من العمليات الإرهابية، وكان هدفها إنشاء بيئة ملائمة للعنف.
وأشار إلى أنهم من دعوا إلى اغتيال اللواء حسن أبو باشا، إذ رُوّج أنصارهم أكذوبة أنه «رمى المصحف على الأرض»، كما روّجوا أن المرشح فودة ملحد وكافر، لتشويه سمعته السياسية قبل الاقتراع.
كما كشف فى كتابه قبل السقوط (1985م) عن العلاقة بين ثورة يوليو والإخوان، وأنه فى بداية الثورة كان لكثير من ضباط الأحرار علاقة بالإخوان، وكان شرطهم لتأييد الثورة أن تُعرض قرارات مجلس قيادة الثورة لتدقيقها شرعًا، ولكن رجال الثورة رفضوا أن تصبح الإخوان وارثة شرعية للدين والدولة.
وفى كتابه الحقيقة الغائبة، اعتبر الجماعة الإرهابية لا تؤمن بالديمقراطية إلا كوسيلة للوصول إلى الحكم، ثم يقضون عليها.
عبد الرحمن الشرقاوى
بالرغم من عدم وجود نص محدد ينتقد الإخوان بوضوح، كان عبد الرحمن الشرقاوى معروفًا بمناهضته لمحاولات استغلال الدين سياسيًا، وبتمسّكه بإسلام مجدّد يُنصف القيم والمحبة بدلًا من الأصولية السياسية.. أعماله مثل «محمد رسول الحرية» خُصصت للدفاع عن الإسلام كقيمة أخلاقية دون الانغماس السياسى، وهو موقف يُرجّح رفضه لمشاريع الدين السياسى مثل ممارسات الإخوان، ثقافيًا ناقدًا للاستغلال السياسى للدين، فهو لا يقدّم نصًا صريحًا «يؤسلم» القيم، وليس سياسة تخدم خطاب الإخوان.
السيد ياسين
المفكر الليبرالى السيد ياسين، كانت له أيضًا مواقف عميقة فى نقد الفكر الإخواني، حيث اتهم الجماعة بأنها «مفلسة فكريًا»، وأن مواقفه النقدية والفكرية مبنية على تجربته الشخصية وقراءاته العميقة.
ففى كتابه (فيتو على عصر الإخوان)، نقد العقل المغلق للجماعة، وعبّر عن تجربته الأولى داخل الجماعة، بالكشف عن مدى هشاشة مشروعهم الفكرى، قائلًا: «انضممت إلى الإخوان ووجدت أنهم بلا مشروع فكرى، كما أن أدواتهم فى التثقيف بائسة مثل ‹وصايا حسن البنا› وتفسيرات شيوخهم عن القرآن».
كما حذّر من مخاطر خطابات الإخوان التضليلية، قائلًا: «خديعة خطابات جماعة الإخوان التى تحاول رفع المسئولية عن الإرهاب.. بعض فصائلهم ترسل إشارات لتبرير العنف ضد السلطة، وأن دافعهم الأول هو تغيير الدولة، ومحاولة إعادة إنتاج الحزب الوطنى.. وهو فشل تاريخى، وأن مشروعهم الحقيقى هو التسلّط السياسى باسم الدين».
وأكد أن الإخوان لديهم إفلاس فكرى، وأخطر ما لديهم هو خلط الدين بالسياسة، وأن المشروع التكفيرى خرج من الإخوان، وسار على نهج سيد قطب، وهو أول من وضع نظرية القتل السياسى، وأن خطابهم يحاول التنصّل من العنف عبر استراتيجيات رمزية تُظهر الاعتراض على الإرهاب، بينما تحاول تحميل السلطات مسئولية مواجهة العنف ذاته.
ياسين وصف مشروعهم السياسى بأنه اعتماد على «هوية متخيلة»، ترتكز على رفض الديمقراطية الغربية، وتبنّى «الشورى» كنظام سياسى بلا نموذج عملى واضح.