
إيهاب كامل
عتبات الحلم
كثير من الناس لا يملكون رفاهية اختيار أحلامهم، سواء كانت أحلام الليل أو أحلام الحياة، يكفى أحيانًا أن يتحقق حلم واحد صغير ليصبح هو الدافع الذى يمنحنا سببًا لنكمل الطريق، ونواصل رحلة الحياة، سواء بمعناها الأعمق أو معناها المباشر.
قبل أن تغزو حياتنا «بابجى» و«فورت نايت» و«جى تى ايه»، قبل أن يسرقنا «التيك توك» ونضيع فى متاهات السوشيال ميديا ومغارة الإنترنت، كان أمامى بعد أن أنهيت المرحلة الابتدائية فى أيام الصيف الطويلة خيار واحد.. الجلوس بين رفوف مكتبة مليئة بمئات الكتب والمجلات، أتجول بعينى بين العناوين، أبحث عن شيء يخطفنى، ألتقط «ملحمة الحرافيش» ثم أتركها، أقلب فى مجلات «الشاهد» و«أدب ونقد» و«المصور» ثم أعود فأضعها فى مكانها، حتى وقعت يدى على رف ممتلئ بمجلة صغيرة الحجم، غلافها مميز وعناوينها جاذبة اسمها «روزاليوسف».
من هنا بدأت الرحلة، مجلة وراء أخرى ألتهم صفحاتها دون ملل، أستمتع بـ«بورصة الأخبار»، وأغرق فى الحكايات، لم تمضِ أيام حتى انتهيت من قراءة كل ما على الرف، لكن علاقتى بـ«روزاليوسف» لم تنته، كنا على موعد أسبوعى لا يخلف، ومع كل عدد يزداد الحلم داخلى وأقول: أنا أنتمى إلى هؤلاء، أريد أن أكون جزءًا من هذه اللوحة، وفى عام 2005 تحقق الحلم مع انطلاق الإصدار الثانى لجريدة «روزاليوسف»، فقد دعانى الصديق العزيز محمد شعير للانضمام إلى قسم الثقافة وقت تأسيسه، وفى ذلك اليوم عبرت أبواب المبنى الذى طالما مررت أمامه، لكن هذه المرة كنت أدخله كأحد أبنائه، وكأن الحلم الذى ولد بين رفوف الكتب قد مد يده وأخذنى إليه.
فى تلك اللحظة شعرت أن الحلم الذى بدأ صدفة بين رفوف الكتب قد مد جناحيه وحملنى برفق إلى حيث كان ينتظرنى منذ البداية، لم أعد ذلك الطفل الذى يبحث عن شىء ليملأ نهاره، بل صرت جزءًا من الحكاية التى كنت أقرأها بشغف قبل سنوات، وكأن الزمن كله لم يكن إلا طريقًا طويلًا يقودنى إلى تلك اللحظة.
اليوم ونحن نحتفل بمرور عشرين عامًا على انطلاق الإصدار الثانى لجريدة «روزاليوسف» نستعيد ذكرى أساتذة كبار، فى مقدمتهم الراحل عبدالله كمال الذى علمنا، ومعه جيل من الرواد كيف تتسلل روح «روزاليوسف» إلى أعماقك حتى تصير جزءًا منك.
كانت روحها حاضرة فى لغتها، لغة قريبة من القارئ، لكنها فى الوقت نفسه مثقفة وواعية، تخاطب مختلف المستويات الثقافية بثقة وصدق، أما عناوينها فكانت دومًا جريئة، لافتة، تكسر الجمود الصحفى التقليدى، وتفتح أبواب الحكاية قبل أن تبدأ السطور الأولى.
ونحن نطفئ شمعة العشرين ندرك أن سر «روزاليوسف» لم يكن فى أوراقها وحدها، بل فى تلك الروح المتمردة التى علمتنا أن الصحافة ليست مهنة فحسب، بل موقفًا وانتماء وحلمًا لا ينطفئ.
مدير تحرير جريدة روزاليوسف